أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

صفات وأخلاق عنترة بن شداد

صفات وأخلاق عنترة بن شدّاد ذكر المؤرخون الكثير عن أخلاق عنترة التي كانت تتجلّى فيها رقة قلبه وقوة عاطفته، ورغم الحياة القاسية التي كان يعيشها إلا أنّه كان على قدرٍ عالٍ من نقاء النفس، وقد جمع عنترة إلى جانب هذه الأخلاق شهرة واسعة في الفروسية والشجاعة التي كانت لا مثيل لها بين أقرانه بحيث ظهرت هذه الشجاعة بقوة في حرب داحس والغبراء، وقد استطاع عنترة من خلال هذه االخصال التعويض عمّا أصابه من دنيوية وعبودية بسبب لونه. لم تذكر أغلب الروايات الكثير عن أخبار عبلة إلا ما كان من حبّ عنترة وهيامه بها، وقصائده الغزليّة الجميلة التي قالها في ذكر محاسنها، وخلّت هذه الروايات من ذكر فيما كانت عبلة تزوجت به أم بغيره، غير أنّ هناك بعض المصادر التي أكدت زواج عنترة بها، ومن هذه المصادر القصة الشعبيّة لعنترة التي أوردت زواجه بها، إلا أنّ هذه القصة لم تكن تستند في سيرته إلى دليلٍ قوي، وقد كان فريقٌ من الباحثين يميل إلى هذا القول مستندين:

في قولهم إلى عدّة أسباب، ومنها:

أنّ والد عنترة قد لحقه بنسبه وبذلك قد زال عنه خِسّة النسب وقبحه بعد أن أصبحت عبلة أمام الملأ ابنة عمّه، كما كان عنترة من الفرسان العرب المشهورين بشجاعته، وهذا ما لا يستطع مَنْ يتقدم لخطبة عبلة الإغفال عنه خوفاً من قيام عنترة بالانتقام منه لأجل حبّه وكرامته، وقد يكون هذا السبب دافعاً لوالد عبلة وأخيها للموافقة على مصاهرته بعد أن علا شأنه واحتل المكانة التي يستحقها في قبيلته.[٤] نجد من الأسباب الأخرى التي استند إليها هذا الفريق هو شعره، فلا تكاد تخلو قصائده من وصف لحبّه لها وذكر لمحاسنها حتى في حروبه وغزواته، وقد يكون ذكر هذا الغزل صعباً عليه وتأبى نفسه العزيزة على قوله لو كانت عبلة تزوجت من غيره، فكان من الواجب على عنترة بما عُرف عنه من أخلاق حميدة تناسي هذا الحب والتوقف عن أشعاره الغزليّة فيه بعد أن أصبحت عبلة ابنة عمّه أمام قومه؛ حرصاً على كرامتها وكرامة زوجها وأبيها وبما يليق به وبأخلاقه، غير أنّ فريقاً آخر من الباحثين ذكر أنّ عنترة لم يتزوج من عبلة بل بقي حبّه معلّقاً بها، وأنّ والدها امتنع عن مصاهرته وزوّجها لرجلٍ من أشراف قومه، وسواءً تزوّج عنترة بابنة عمّه عبلة أم لم يتزوج يبقى شعره الغزليّ الذي نظمه بها أجمل غزل قاله لأنّه كان يمثل ألم الحرمان واللوعة والظلم الذي كان يعيشه، حيث كان يُظهر فيه الصراع العنيف بين هذا الحبّ ولونه الأسود ومكانته الوضيعة بين قومه.

شعر عنترة بن شدّاد:

وأبرز سِماته ترك عنترة ديواناً من الشعر زخر بفنون عدّة كان معظمّها في الفخر والغزل العذري والحماسة، وكان أبرز ما فيه معلقته التي اشتهر بها، وامتازت أشعاره بالأسلوب العذب والألفاظ السهلة والمعاني الرقيقة.

موضوعات شعر عنترة بن شدّاد:

اشتهر عنترة بشجاعته وببطولاته التي كان يظهرها في الحروب، وقد صّور هذه البطولات في شعره ورسم في قصائده المتنوعة صورة الفارس البطل الشجاع بكلّ ما فيه من صفات وأخلاق حسنة، وأظهر ما تحلّى به من شجاعة وإقبال على القتال بدون خوفٍ أو وجل، وبيّن أيضاً اهتمام هذا الفارس بأدواته القتاليّة من خيلٍ وسيفٍ ودروع ورماح، وحاول عنترة ربط صورة هذا الفارس بنفسه، وكان يهدف من ذلك إبراز نفسه وشخصيته، وتأكيد فكرة حريته وجدارته بها، وكان حبّه لعبلة الدافع القوي الذي يحاول من خلاله إثبات وجوده وشخصيّته الوصف الفنّي والأفكار في شعر عنترة بن شدّاد

استحوذت قصائد عنترة على أفكار عدّة كان أبرزها فكرة التعفف التي كانت واضحة في شعره، ففي الوقت الذي يعتقد المحارب أنّ الحروب هي لكسب الغنائم نرى عنترة يتعالى عن هذه االغايات؛ لأنّه كان يشارك بها من أجل الحروب نفسها، وليس لأجل الغنائم والمكاسب تاركاً هذه الأمور لغيره من المحاربين نجد في شعر عنترة كغيره من الشعراء الجاهليين ظاهرة الوقوف على الأطلال

لأنّ هذه الظاهرة كانت أصدق تعبير عن عواطف الشاعر:

تجاه محبوبته وحنينه لها، فهذه الأطلال هي الأماكن التي عاش فيها الشاعر أو مرّ منها، أو ارتبطت بذكرى حدثت معه وهزّت وجدانه،[٥] فكان يقف وسط هذه الديار التي سكنتها محبوبته ثمّ تركتها ورحلت عنه إلى مكانٍ بعيد، سائلاً إياها الحديث وإخباره بأخبارها، وكان يبقى واقفاً وسط هذه الديار مناجيّاً إياها تأسر قلبه اللوعة والحنين لرؤيتها، والملاحظ في وصف عنترة للديار والأطلال في معلقته الميل إلى الإطالة والتكرار شأنه في ذلك شأن الشعراء الجاهليين الآخرين.

أبرز الأغراض الشعريّة عند عنترة بن شدّاد الفخر:

كان الفخر من أهم الأغراض الشعريّة عند عنترة، وكانت أشعاره في الفخر تتصف بالقوة والحماسة؛ إذْ كانت من أسلحته في معركته العنيفة من أجل انتزاع حريته وإثبات نسبه والردّ على أعدائه، ومن أجل أيضاً الفوز بابنة عمه عبلة التي رفض أهلها تزويجه إياها لأنهم لا يرونه كفؤاً لها بسبب سواد لونه، فكان عنترة يستعين بشعر الفخر للتعويض عن عقدة السواد التي لازمته من أجل تأكيد حقه في الحرية، فقدّم نماذج شعريّة عدّة أظهر فيها صورة الفارس الشجاع المنتصر الذي ينتمي لقبيلته ويتمسك بقضاياها، وحاول ربط هذه الصورة بنفسه من أجل تأكيد مكانته بين قومه، واعتراف المجتمع الذي يعيش فيه بهذه المكانة وبما كان يتصف به من قيم وأخلاق.

الهجاء:

كان الهجاء في العصر الجاهلي مرتبطاً بموقف الشاعر من مجتمعه وما فيه من قيم راسخة؛ فهو من أكثر الأغراض الشعرية تأثيراً في المجتمع، حيث كان الشاعر يستخدمه كسلاح قوي ومؤثر في ذكر عيوب الأعداء، ووصفهم بأبشع الصفات والأفعال، وكان غزو القبائل لبعضها البعض شائعاً في ذلك الوقت، فكان عنترة يجد نفسه في هذه الحروب لإبراز شجاعته في الدفاع عن قومه الذي كان يسعى جاهداً لإثبات نفسه بينهم في الوقت الذي لا يعترفون له بنسب أو مكانة، فكان عنترة في تلك الحروب يتعرض للمهجو بالهجاء الصريح المباشر دون تلميح مقرناً إياه بالفخر بنفسه وبشجاعته بحيث يتناسب هذا الهجاء مع مكانته كفارس وبطل لقومه طمعاً في نيل المكانة التي يستحقها بينهم.

الغزل: اشتهر عنترة بالغزل العفيف قولاً وفعلاً، فقد أحب ابنة عمّه عبلة حبّاً شديداً وقال فيها أشعاره الغزليّة الجميلة التي كانت تنبع من قلبه المتيّم بها، وكان غزل عنترة لعبلة نموذجاً للغزل العفيف الذي يصدر عن شاعرٍ يتمتع بأخلاق رفيعة حيث كانت تذوب في أشعاره العاطفة القوية الصادقة، وتبرز فيها أشواقه العميقة ولوعته للقائها، فهو لا ينساها في كل حالاته سواء في الحرب أم السلم، فكان يقتحم ساحات القتال بكل شجاعة وبطولة مستقبلاً الموت من أجل أن يحظى برضاها وبقلبها.

الحماسة:

كان شعر الحماسة عند عنترة يُمثّل الصورة الحيّة للتعبير عن شجاعته في ساحات القتال، فكان في شعره يصف أدق التفاصيل في منازلته العدو، حيث كان يستخدم شجاعته في الحروب كوسيلة للتخلص من عقدته النفسيّة في كونه عبداً أسود، واصفاً في هذه الأشعار كيف ينال من العدو بعد أن يتمكن من إصابته بطعنة قاتلة مخاطباً العدو والدهر بالاعتراف بذاتيته إلى حدّ المبالغة في إظهار جبروته بحيث يبدو كأنه مستمتع بهذا الأمر، كما كان يصف الأسلحة وصوت السيوف وطعنات الرمح، وكان يعتمد في هذا الوصف على وقائع تاريخية تاركاً الحرية لخياله في تضخيم الحوادث القتاليّة، كأن هذه المعارك كانت ملحمة من الملاحم الحربيّة

معلّقة عنترة بن شدّاد:

المعلّقات هي عبارة عن قصائد ظهرت في العصر الجاهلي، وكان عددها سبعاً، وقد تميّزت بالجودة، وعمق المعاني، وسعة الخيال والبراعة في الأسلوب، وكانت تسمى أيضاً بالمذهبيّات لأنّها كانت تكتب بماء الذهب، وقد ورد عن الباحثين روايات متباينة بسبب تسميتها بهذا الاسم إلا أنّ أغلب هذه الروايات اتفقت على أنّ السبب يعود إلى تعليقها على أستار الكعبة المشرفة، وكان لهذه المعلقات قيمة أدبيّة تمثّلت في تناول مواضيع مختلفة عن الحياة الجاهليّة،

ومن أشهر شعرائها:

امرؤ القيس، وزهر بن أبي سلمى، والنابغة الذبياني، وعنترة بن شداد، وعلقمة بن عبده، وطرفة بن العبد، والأعشى. ترك عنترة بن شدّاد ديواناً من الشعر كان معظمه في الحماسة والفخر والحب العذري كما سبق ذكره، وتضمّن أيضاً الكثير من الشعر المنحول الذي تعددت الأقوال في الثابت منه، وكان أشهر ما في هذا الديوان معلّقته االشهيرة، وهي عبارة عن قصيدة طويلة تحتوي على ما يقارب تسعة وسبعين بيتاً من الشعر على وزن البحر الكامل، وقد جاء شعر عنترة على نوعين هما: النوع الغنائي الوجدانيّ، والنوع الأخر قصصي ملحميّ، ورغم الاختلاف بين هذه النوعين إلا أنّهما كانا مترابطين؛ بحيث لا يُقال أحدهما دون الآخر، ولا يُفهمان إلا مع بعضهما بعضاً، وقد نظم عنترة هذه المعلقة خلال حرب السباق بعد أن شتمه شاعرٌ من قبيلته وعايره بسواد لونه ولون أمه وإخوته، فنظم عنترة معلّقته رداً عليه تضمنها الافتخار بنفسه، وتعداد لمناقبه وصفاته كان عنترة يستهلّ معلقته بمقدّمة تتضمن ذكريات وعبر، وبعد ذلك يصف محبوبته عبلة وناقته مفتخراً بنفسه وأخلاقه الرفيعة وشجاعته وإقدامه في الحروب، فهو يُظهر نفسه كما وصفه الأديب طه حسين بصورة الشاعر العربي الأصيل الذي يتصف برقّة القلب دون ضعف، وبالشّدة دون عنف، والذي يشرب الخمرة دون التفريط بأخلاقه ومروءته، ومتى عاد إلى عقله وصحوته عاد كريماً معّطاءً، وهو فارسٌ شجاعٌ في الحرب عفيف النفس لا يطمع لغنائم هذه الحرب ولا إلى مكاسبها.وقد كان مطلع هذه المعلقة ما يليهَلْ غَادَرَ الْشُّعَرَاءُ مِنْ مُتَـرَدَّمِ أَمْ هَل عَرَفْتَ الْدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّمِ يَا دَارَ عَبْلـةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمِـي وَعِمِي صَبَاحاً دارَ عَبْلَةَ وَاسْلَمِي كتاب سيرة عنترة بن شدّاد الملحميّة.

قام العرب في نهاية العصر العباسي بكتابة سيرة عنترة بن شدّاد نظراً لشهرته في الشعر وفي الفروسيّة، إلا أنّ كاتب هذه السيرة بقي مجهولاً عند العامة، ووردت روايات متباينة في معرفة هويته، فقيل إنّ كاتبها هو الأصمعي لتكرار اسمه في مواضع كثيرة من هذه السيرة غير أنّ هذه الحجة لا تصلح لتكون دليلاً وخصوصاً أنّ أسماءً أخرى ورد ذكرها فيها، ومنهم: أبو عبيدة وجهينة ونجد بن هشام وآخرون، كما قيل إنّ الأديب يوسف بن إسماعيل المصري وهو كاتب لدى الحاكم بأمر الله الفاطمي قد ألّفها بناءً على طلب الخليفة؛ حتى يتغاضى الناس عن حادثة وقعت في قصره، وتناقلتها الألسن، وهذا القول غير مؤكد؛ لأنّه لم يرد عن المؤرخين ذكر لكاتب في العصر الفاطمي بهذا الاسم، كما لم يذكر وقوع أي أحداث مريبة في عهد أيّ خليفة فاطمي، وورد عن بعض المستشرقين أنّ هذه السيرة لم تكتب إلا في القرن السادس الهجري وأنّ مؤلفها هو واحد من أطباء وشعراء العراق المعروفين الذي كان يلقب بالعنتري مستنداً في روايته على كتاب ابن أبي أصبيعة “عيون الأنباء في طبقات الأطباء” والتي ورد فيها أنّ العنتري كان في البداية يكتب أقوال عنترة ثمّ صار بعد ذلك معروفاً بنسبته إليه.

الأحداث التي مرّ بها في حياته:

حيث جاءت متشابكة تارةً ومتشعّبة تارةً أخرى، وكان موضوعها يتمحور حول حياة عنترة الشاعر والفارس الشجاع والعاشق، وما واجهه من صعوبات ومخاطر في سبيل حبه لابنة عمه عبلة نتيجة سواد لونه، فتضمنت الفترة التي وقع فيها بالأسر، ثمّ حربه مع الغساسنة، ومقابلته “كسرى” “ملك الفرس”، وانتقاله إلى مكّة المكرمة وكتابة معلّقته بماء الذهب وتعليقها على أسوارها، ثمّ ورد فيها أيضاً العلاقة التي كانت تربطه بدريد بن الصمّة والربيع بن زياد وعمرو بن معديكرب وحاتم الطائي وسفره إلى بلاد الشام ومقابلته قيصر الروم، وتطرّقت السيرة أيضاً لوصف حياة العرب في العصر الجاهليّ، فذكرت عاداتهم ووصفت صفاتهم في الكرم والمروءة والشجاعة والوفاء والتضحية ومساعدة الضعيف وحُسن الجوار، كما استعرضت النظام السياسيّ والاجتماعيّ للعرب في تلك الفترة.

التعليقات مغلقة.