إعداد مبارك أجروض
يصاب شخص واحد بنوبة قلبية كل دقيقتين في العالم. ثلاثة منهم يموتون في غضون 24 ساعة.. إن القلب عضو مميز لا تمكن الحياة بدونه، ويعتبر بحق أقوى عضلة في جسم الإنسان، ومن الجدير أن نعمل كل ما بوسعنا لحمايته من العطب والمرض. القلب معرّض -ككل الأعضاء الأخرى- لشتى الأمراض الخلقية والالتهابية والورمية، ولكن مرض القلب الشائع المسؤول عن معظم الوفيات بالعالم، هو مرض نقص التروية القلبية، الذي تصاب به الشرايين الصغيرة التي تغذي عضلة القلب (الشرايين الإكليلية أو التاجية) بالتضيق أو الانسداد، والذي يتظاهر خاصة في متوسط العمر، ومع أن هناك عاملاً وراثياً في نشوء التضيقات الإكليلية لا يد لنا فيه، إلا أن معظم العوامل الأخرى باتت معروفة وباستطاعتنا إزالتها أو تخفيف تأثيرها بتعديل أسلوب حياتنا، الأمر الذي لا يعود بالصحة والنعمة على قلوبنا فحسب، بل على أجسامنا ونفسياتنا ككل..
* أعراض أمراض القلب
تختلف أعراض الإصابة بأمراض القلب اعتماداً على نوعها، ولكنّها قد تشترك بأعراض عامة ومنها ألم الصدر، وضيق التنفس، والغثيان، والتعب، والدوار، والعرق البارد، وفي الحديث عن أعراض بعض اضطرابات القلب على وجه الخصوص، فإنّ أعراض الذبحة الصدرية تتمثل بالشعور بألم القلب، أو ثقل في وسط الصدر مصحوباً بألم يمتد إلى الذراع اليسرى عادةً أو الفك، وضيق التنفس، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الأعراض تظهر عند ممارسة مجهود معين وتختفي عند الراحة، في حين تتضمن أعراض الذبحة الصدرية غير المستقرة الأعراض السابقة نفسها إلا أنّها قد تحدث أثناء الراحة، وقد تُوقظ المريض من النوم، ولا تختفي بعد الراحة.
ويمكن أن نعرض النصائح والوصايا التي تدرأ عنا المرض القلبي الإكليلي تحت ستة عناوين رئيسية:
* الحركة والتمارين
القلب لا يحب الخمول، وعلينا أن نخصص لتنشيطه ثلاثين دقيقة يومياً على الأقل من الرياضة الحيهوائية “aerobic”.. انتخب الرياضة التي تحبها (المشي أو الركض أو السباحة أو الدراجة..)، لأن هذا هو الضمان الذي يجعلك تستمر فيها طوال الحياة، ولعل أبسط الرياضات من حيث الوسائل والكلفة هي المشي. وإذا كنت غير معتاد على الرياضة، فطبقها بشكل تدريجي: عشر دقائق، تزداد تدريجياً حتى تصبح نصف ساعة يومياً خلال بضعة أسابيع. كما يمكن زيادة شدتها (من حيث السرعة) بالتدريج، ولعل أفضل علامة تدلنا بأن الرياضة وصلت إلى الحد المطلوب من الشدة هي التعرق.
ومن المفيد أن نجمع إلى الرياضة الحيهوائية إحدى رياضات المقاومة (أو القوة)، كحمل الأثقال أو تشغيل آلات المقاومة المختلفة في النوادي الرياضية، ثلاث مرات في الأسبوع على الأقل. والرياضة تساعد في تخفيف الوزن الزائد، وتعالج الشدة النفسية، وكلاهما من العوامل المؤهبة لمرض القلب. وعليك أن تتجنب الجلوس بلا فعالية لفترات طويلة وأن تجعل حركتك دائمة قدر المستطاع، فإذا كان منزلك أو مكتبك في الدور الثاني أو الثالث مثلاً، عوّد نفسك على صعود الدرج بدل استخدام المصعد، وإذا كنت مضطراً للجلوس إلى المكتب فترات طويلة، انهض وتمش قليلاً في المكتب كل عشرين دقيقة، وهكذا.
* النوم الكافي
لقد أصبح واضحاً للاختصاصيين اليوم أنه – في مقابل المثابرة على الحركة خلال النهار – علينا الحصول على مقدار كاف من النوم، فالنوم القليل يؤهب للبدانة وارتفاع الضغط والسكري، عدا تأثيره السلبي في الحالة النفسية، وكل هذه الأمراض ذات علاقة وثيقة بمرض القلب. وقد تبين في عدة دراسات أن عدد الساعات التي على الشخص البالغ أن يحصلها من النوم يجب ألا تقل عن 7 ساعات يومياً، ولا تزيد عن 9 ساعات (ظهر في إحدى الدراسات أن تركيز شوارد الكالسيوم في الدم – وهي مؤشر لخطر النوبات القلبية – يرتفع في كلا الحالتين: النقص والزيادة في ساعات النوم)، كما أنه من الضروري أن يكون النوم عميقاً ليعطي تأثيره الحميد. وهناك عدة طرق لتوفير النوم الهادئ للذين يجدون صعوبة في تحصيله، كالاعتياد على اللجوء لغرفة النوم والاستيقاظ في نفس التوقيت، وتطبيق “روتين” من المهام قبيل اللجوء للسرير وتأمين الإنارة المنخفضة والحرارة المناسبة وانعدام الضجيج.
* المحافظة على وزن صحي
فالوزن المفرط كثيراً ما يؤدي لارتفاع الضغط وزيادة الكولسترول في الدم وداء السكري.. والقلب – كما أنه لا يحب الخمول – لا ينسجم مع البدانة. أما كيف نعرف أن وزننا مقبول صحياً، فالمؤشر المعتمد عالمياً لهذا الهدف هو مؤشر كتلة الجسم (اختصاراً BMI)، وهو حاصل تقسيم الوزن بالكيلوغرامات على مربع الطول بالأمتار، ويعتبر الوزن طبيعياً إذا كان هذا المؤشر بين رقمي 19 و24، ويعتبر زائداً إن كان بين 25 و30. أما إذا تعدى الرقم ثلاثين، فنحن تجاه حالة بدانة صريحة.
وأصبح الأخصائيون حديثاً يهتمون برقم ثان للدلالة على زيادة الوزن (لتغطية حالات الضخامة العضلية التي يجب ألا تعتبر نوعاً من البدانة)، ألا وهو محيط الخصر، الذي يجب أن يكون دون 100 سم للبالغين الذكور، ودون 90 سم للإناث. وأما طرق التنحيف الصحية التي على البدينين اتباعها للحصول على وزن صحي، فتشمل شرب الماء قبل كل وجبة للحصول على بعض الحس بالشبع، وتناول فطور صباحي جيد غني بالبروتين لتجنب الجوع أثناء النهار، وجعل الوجبات الأخرى صغيرة ومتعددة وتحوي ما هو صحي من الطعام، والأكل ببطء ومن الطاولة (لا أثناء الوقوف أو المشي)، والتوقف عن الطعام قبل الشعور بامتلاء المعدة.. كل ذلك إضافة لتطبيق التمارين الرياضية التي لا يقل تأثيرها عن تبني هذه العادات الحميدة لتخفيف الوزن.
* طعام القلب الصحي
باختصار، على الذين يرغبون بحماية قلوبهم أن يكثروا من شرب الماء وتناول الخضار والفواكه الغنية بالفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة والألياف، والحبوب الكاملة، وينتخبوا من اللحوم السمك والدواجن (بعد نزع الجلدة)، ويركزوا في الدهون على الوحيدة والمتعددة اللا إشباع مثل الزيتون وزيت الزيتون وزيت الذرة، ويحدوا قدر المستطاع من تناول الدهون المشبعة الحيوانية كتلك المتواجدة في اللحم الأحمر ومشتقات الحليب الكامل الدسم، ويستبدلوها بالدهون النباتية كتلك الموجودة في المكسرات وبعض الفواكه والحليب الناقص الدسم، ويلغوا نهائياً الدهون المحولة (المهدرجة) التي تكثر في وجبات المطاعم السريعة. كما عليهم تقليل ملح الطعام إلى حدود 1500 مغ يومياً (حوالى 2/3 ملعقة شاي)، وتخفيف السكريات (المتواجدة في كل المشروبات المحلاة) والنشويات المنقاة (كالخبز الأبيض) قدر الإمكان.
* الانقطاع عن التدخين
كل ما أوردنا من توصيات لن يكون لها كثير معنى إذا بقي الإنسان يتعاطى التدخين، فالنيكوتين المتواجد في السجائر والسيجار والغليون والشيشة سم زعاف بالنسبة للشرايين (ومنها شرايين القلب) التي يصيبها التدخين بالتضيق والانسداد، وهو السبب الرئيس لمرض القلب الإكليلي في اليافعين. وننصح مدمن التدخين بطلب مساعدة الطبيب والجمعيات المختصة إلى جانب الأقارب والأصدقاء. ولنتذكر أن التدخين من الدرجة الثانية (التعرض للدخان) خطر كذلك على كل من يبقى على تماس ومقربة من المدخن، كما أن السيجارة الإلكترونية لا تخلو من أخطار، لاحتوائها النيكوتين.
* تجنب أسباب الشدة النفسية
لا شك أن للقلق المزمن وعدم الاستقرار النفسي والاكتئاب، آثاراً قوية في ارتفاع الكولسترول وتشنج الشرايين، وبالتالي التسبب بمرض القلب، وعلى المرء أن يتجنب ما بوسعه التعرض للأزمات النفسية والعاطفية، إذا أراد لقلبه السلامة من العطب. انتخب العمل الذي ترتاح إليه والذي يبعدك عن المنغصات، واسع جهدك أن يكون جو بيتك هادئاً خالياً من المشاحنات، ولا مانع – إن تراكمت عليك الهموم – أن تستعين بالطرق التي ثبتت فائدتها في هذه الأحوال كالتأمل والتنفس العميق ورياضة اليوغا.
وعدم التردد في طلب العون الطبي من اختصاصي بالأمراض النفسية إذا احتاج الأمر.
التعليقات مغلقة.