عام وراء عام
اليمن: صلاح الطاهري
عام بأكمله ينصرم ويزيد عمرنا عاماً، وتنقص أعمارنا عاما، بأيهما نبتهج أو نبكي، هل بالعام الذي زاد ومر واضاف إلى رصيد عمر حياتنا رقما، أم بالعام الذي نقص وخصم من المتبقي من عمرنا رقماً؟
عام يرحل بكل خيباته وهزائمه وأحزانه ومواجعه دون انتصار أو نافذة للنور والسلام؛ عام يرحل ليفسح مكاناً لعام جديد لا ندري ماذا ينتظرنا فيه، وماذا يحمل لنا.
أكثر من جيل في بلدنا العربي الواحد يحمل ذات الهم والخيبات والخذلان، ونفس القلق والإحباط، فلا زالت الهموم كما هي، بل تضاعفت أكثر من ذي قبل، والتطلعات كما هي، والاحلام كما هي، حتي أن أحلامنا الصغيرة تتآكل بفضل قسوة الأيام وحدتها فلم تعد الأيام عظيمة هادرة كما كانت.
مع مرور الأعوام تنتهي أحلام ورموز، فلم يعد حلمنا العربي والقومي كما كان، ولم يعد مبدعونا كما كانوا ولا كتابنا ولا قادة الرأي ولا حتي علماؤنا ورجال الدين فينا، ولا حتي ظروف حياتنا اليومية بأسعارها وأخلاقها وتعاملها.
فثمة تغير حاد يحدث في وطننا العربي كله من أقصي الشرق إلى أقصي الغرب، وهو تغير يمس عصب حياتنا وأطرافها؛ قيم تتبدل وتعقيدات حياة تتراكم وأزمات تحتدم ونزاعات تتوسع، ولا يبدو في الأفق حلم واضح بالخلاص، إلا أمل واحد لاطريق غيره، وهو أن يستمر جيل كامل من النخب الوطنية في التضحية وينسي أحلامه وأمانيه ويهب عمره لجيل قادم ويعصر سنين أيامه كي يعلم الجيل القادم، ويوسع مداركه وآفاقه ويرقي ذوقه ووجدانه.
وليدرك ويعلم الجيل القادم ”أن الإقتصاد هو مخ السياسية “، وأن من يطعمك يمكنه أن يقهرك، وليعرف هذا الجيل بأن حياة الشعوب هي ارتقاء في كل شيء، حتى الفن هو ارتقاء وثقافة، والثقافة هي التي تمنح الإنسان قدرة على فهم أوسع وأعمق لحركة الحياة حوله.
جيل بأكمله عليه أن يعوض عن قصور مؤسسات التعليم التي تكتض بالطلاب، وعن غياب المؤهلين في مواقعهم الحقيقية مدركا خطورة ترك جيلنا القادم فريسة لأجهزة التلفاز ومنصات التواصل الاجتماعي المفتوحة ووسائل الإعلام اليومية تأكل عقله وتشكل ثقافته ورؤيتة الهشة أكثر مما تنميه وتطوره.
جيل بأكمله مطلوب منه أن يفتح حواراً ونقاشاً مع الجيل القادم ويعلمه أن الحوار هو جسر انتقال الأفكار بين العقول الناضجة المتحضرة، وأن الإقناع العقلي هو الفارق الحقيقي بين عقل الإنسان وقوة الحيوان.
التعليقات مغلقة.