“عندما أحكي عن الصحراء المغربية باعتزاز” يقول الفنان عبد الفتاح سامي الصلح، “فأنا أحكي انتمائي لبلدي”، ولهذا تزخر لوحاته ال 15 التي عرضها من 20 الى 22 بدار الثقافة بكلميم بوصف بسيط بساطة الحياة الصحراوية بحيواناتها ونباتها، كأنه يسجل جزءا من ذاكرته خوفا من فقدانها في متاهات الحياة المعاصرة التي لا تنتهي.
هو فنان عصامي، هاجر منذ سنة 1998 وعاش بين إسبانيا (يحمل جنسية اسبانية) وفرنسا، ويشتغل في مجال بعيد كل البعد عن مجال الفن، إلا أنه يمتلك موهبة فاضت ألوانا ونطقت بالصحراء وامتدادها وبمشاعر وطنية فياضة لا مجال فيها للسكون.
فمن عالم الميكانيك (دبلوم ميكانيك السيارات حيث يشتغل حاليا بمصنع السيارات بوجو سيتروين بباريس)، قدم الصلح الى عوالم الفن الخيالية، ليرسم لوحات تستجيب في مجملها لحاجة نفسية داخلية تتمثل في الحنين للأرض الذي أفرغه بعشق صوفي في إبداعاته.
وترجم الفنان، الذي ينحدر من جماعة لقصابي تكوست بكلميم، مشاعره الوطنية الجياشة في لوحتين أنجزهما بمناسبة ثورة الملك والشعب وعيد الشباب، هما عبارة عن صورتين للمغفور له الملك محمد الخامس (بخلفية الصورة العلم المغربي) وأخرى لصاحب الجلالة الملك محمد السادس تجسد إحدى زيارات جلالته لمدينة العيون.
وفي دردشة مع وكالة المغرب العربي للأنباء، على هامش المعرض الذي نظمه اتحاد الفنانين التشكيليين المغاربة، قال سامي الصلح إن لوحاته (15 لوحة أربعة منها على الخشب والبقية على النسيج) لم تقارب فقط الجانب الوطني، بل تجاوزت ذلك إلى طرح مواضيع اجتماعية ودينية (طاعة الوالدين) وطبيعية بالتركيز على الطبيعة الصحراوية وكل ما تحمله من جمالية تنطق بذاتها، ودينية (صورة الكعبة المشرفة)، وكذا تراثية وفنية بحضور تيمة الخيمة لرمزيتها في الحياة الصحراوية، وكذا الموسيقى وآلاتها.
وفعلا، تتضمن اللوحات وصف الصلح للأماكن (الفضاء الصحراوي) والحيوانات التي تعيش فيه (الجمل والغزال وغيرهما) إلى جانب مخلوقات أخرى، موضحا أنه حاول أن ينقلها بتلقائية كما رسخت في ذاكرته دون إضافات… إنها الصحراء الأم كما سكنته وسكنها.
وينقل الصلح، وهو أيضا نائب الكاتب العام وممثل اتحاد الفنانين التشكيليين المغاربة بأوروبا، في أعماله إلى عوالم طبيعية خلابة بالصحراء، حيث الطيور والأشجار الوارفة والغزلان، وتتغنى فيها الألوان في تناغم أبدع الفنان في نقله بالفرشاة.
وتستوقف المتأمل في فن الصلح لوحة يمكن وصفها بالمركبة تركيبا لا يفك رموزها إلا الخبراء في المجال الفني، إلا أن الجلوس مع الصلح يقود الى النفاذ الى جوهر فكرة اللوحة التي ترمز بكل بساطة الى عمق العلاقات بين المغرب وإفريقيا، مجسدة بالألوان والرموز موقع المغرب داخل القارة الإفريقية وما يربطه بها من مبادلات انسانية وتجارية عريقة.
وبحضور تيمة البحر أيضا في إحدى اللوحات، يحضر السؤال التقليدي الذي طالما شغل المهتمين برسومات الصحراء وكذا بأدب الصحراء شعرا ونثرا عن علاقة الانسان الصحراوي بالبحر، ليدهش الصلح عبر لوحته التي تحيل على شاطئ “كسمار” بمدينة طرفاية المغربية، بالقول إن الفن شاهد على نبض الحياة بعفويتها، فما الفن في نظره إلا توثيق لتفاصيل الحياة الجزئية التي يعيشها الانسان، ومنها لحظات الدهشة والرهبة التي تثيرها رؤية البحر.
ويستخلص من اللوحات وكذا من حديث عبد الفتاح سامي الصلح كثير من العبر عن طبيعة الحياة اليومية وكفاح المهاجر المغربي من أجل شق الطريق وبناء الذات في بلاد المهجر بعيدا عن الأهل والأحبة، كما تحمل نبرات صوته عشقا للأرض التي أنجبته والتي نهل من تربتها ومن ناسها البسطاء أشياء كثيرة منها الحب الحقيقي، إنها قرية لقصابي تكوست.
ويواصل الصلح مساره في الإبداع بلمسات فرشاته الخاصة وببساطة بعيدة كل البعد عن التكلف، فلوحاته تلقائية وتعكس بصدق بيئتها الصحراوية.
عبد الله البوشواري : م.و.م.ع.أ
التعليقات مغلقة.