حاضر الأنثروبولوجي المغربي عبد الله حمودي عشية السبت 30سبتمبر 2017 في الفضاء الثقافي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالدار البيضاء- المقر المركزي ، في لقاء حضره جمهور نوعي وتميز بالتفاعل بين صاحب “الشيخ والمريد” وجمهرة المثقفين والنقابيين. وسير اللقاء الروائي والناقد شعيب حليفي، رئيس مختبر السرديات بالمغرب، حيث أبرز في مستهل اللقاء أن عبد الله حمودي باحث له أثر قوي على الثقافة المغربية.
وأكد حليفي أن قيمة هذا الباحث الأنثروبولوجي تكمن في ارتباطه أشد الارتباط بقضايا المجتمع المغربي في جوانبه الساخنة، ليس فقط بحكم تخصصه ومهنته، وإنما أيضا انطلاقا من هويته وثقافته. وأبرز حليفي أن مؤلفات حمودي يتشابك فيها الفكري بالعلمي والثقافي بالأنثروبولوجي، وذلك في دنو من نبض المجتمع، حيث أن الرهان المعقود في كل ما كتبه قائم على هم النهوض والتقدم والانفلات من كماشة التخلف.
وقد ارتأى عبد الله حمودي أن يبدأ محاضرته بالحديث عن حياته، حيث أبرز ارتباطه بالراية المغربية منذ شاهدها ترفرف وهو صبي ففرح بهذا الحدث الرمزي لكونه لم يكن يرى سوى العلم الفرنسي بألوانه الثلاثة. وقال، في هذا الصدد إنه رفض الجنسية الفرنسية، التي منحت له عندما كان يدرس في بلاد الأنوار، كما فعل الأمر نفسه بأمريكا، معتزا بمغربيته، ورافضا أن تدافع عنه سفارة أجنبية إذا ما زجت به أفكاره أو مواقفه تجاه السلطة في السجن.
وقال المتحدث إن العلم بدون ممارسة لا ينفع في شيء، ولا يستحق أن يحمل إسم علم، خصوصا حينما يروم البحث في أوضاع المواطنين والقضايا التي تؤرقهم. كما أبرز أن كل مشاريعه البحثية تنطلق من تطلعات الناس، وأنه سعى دوما إلى الارتباط بمجتمعه ودراسة مشاكله، معتبرا أن الإنسان بدون اختيارات وميولات هو كالأرض القاحلة لا تنبت شيئا، إلا أنه ألح في المقابل على أخذه دوما مسافة موضوعية مع القضايا التي يدرسها مهما كانت تمس ذاته وتحاول التأثير عليها، حتى يكون وفيا للعلم ويضيء جوانب خفية في مجتمعه تعميه عواطفه عن رؤيتها ويعمل أهل السياسة على إهمالها.
وبين عبد الله حمودي أن الحضارة الجديدة تقوم على الرأسمال اللامادي، الذي يمثله اليوم المهندسون والتقنيون والعلماء والمبتكرون. وأبرز أن باراديغمات إنتاج الثروة والصراع حولها في عصر التواصليات قد تغيرت مما يستوجب معها تغيير التصورات وأشكال التعامل القديمة. ودعا أستاذ الأنثروبولوجيا ورئيس قسم الشرقيات بجامعة برنستون الأمريكية، إلى ضرورة ابتداع نمط عضوي جديد للعمل الثقافي، في ظل التحولات السريعة الجارية التي تحتم على المثقف والباحث أن يعثر على كيفية ملائمة وناجعة لتجسير العلاقة بين العالم والممارس، على ضوء المفهوم القديم للمثقف العضوي.
وأكد المحاضر أن الرأسمال الجديد لم يزل غير مفهوم ولا مستوعب عندنا هنا في المغرب، مع أن له انعكاسات اجتماعية كبيرة تؤثر ليس فقط على مفاهيم العمل والطبقة الشغيلة والباطرونا كما ترسخت عبر عقود، بل يمس في العمق العمل النقابي ويؤثر بالسلب على جدواه إذا لم يتم ضبط هذه التحولات. وأوضح أن الرأسمال المالي حول طريقه اليوم إلى ميدان التواصليات، وصارت خطورته أكبر من خلال سرعة تنقله عبر العالم، لاهثا خلف الامتيازات أينما ظهرت، ومحققا سرعة خيالية في الأرباح أو الإفلاس حسب الميدان الذي يدخل إليه، وهو ما يجعل العمال أكبر ضحاياه من خلال تكريس اللاستقرار في حياتهم العملية وضياع الحقوق على أساس نمط الممناولة الذي صار مهيمنا على العديد من المقاولات في البلدان المصنعة وتلك التي تنتمي إلى العالم الثالث.
وتطرق عبد الله حمودي، في محاضرته، إلي ثلاثة نماذج مقاولاتية، همت الأولى شركات المناولة في مجال الفوسفاط، والثانية في مصفاة سامير، والثالثة في شركة «سيطا» لتدبير الأزبال بالدار البيضاء عبر التفويض. ورصد أن المشترك بينها هو كون الشركات التي تناول هذه المشاريع الاقتصادية باليد العاملة تغدو مجرد جبهة أو واجهة تتناسل خلفها العديد من شركات المناولة الأخرى بشكل يجعلها تتملص مما تترتب عنه المسؤولية فيما يخص حقوق العمال الذين يجدون أنفسهم بدون مخاطب محدد.
ونعت المتحدث هذا النمط الجديد من الشركات القائم على المناولة بالترحال، شأنه في ذلك شأن الرأسمال العولمي المترحل، مما تكون له انعكاسات خطيرة على السلم الاجتماعي. وأوضح أن تحصيل الحقوق أمام هذا الوضع الجديد، الذي يكرس الهشاشة ويفقد العامل قدرته على التفاوض عن حقوقه ويجعله عاملا مؤقتا على الدوام وعرضة لأبشع أنواع الاستغلال، لا يتأتى إلا بالعض على ما هو محلي، وتحميل المسؤولية للمجالس المحلية، مشيرا إلى أن تكوين الرأسمال اللامادي محتكر اليوم من طرف طبقة اجتماعية انطلاقا من تعليم خاص راق لا يمكن الولوج إليه إلا من لدن هذه الطبقة الميسورة، مما يكرس الفجوة الطبقية.
إعداد: علي الجديدي
التعليقات مغلقة.