“معظم أساتذة المعاهد الفنية ، ليس لهم أية علاقة بالميدان لا من بعيد و لا من قريب ، مع الأسف”
لقاء مع الفنانة العصامية المسرحية و السينمائية و مترجمة الحوار
عتيقة الساهل : مرحبا بك في ركن من “شرفة الإبداع”
حين ينبض الكلام عطرا ، تمتطي الكلمات ناقة الحياة ، و تشحذ سيفها الصريح من على مرمى “شالة” ، و مسمع “حسان” ، لتروي لنا قصة عشق تفجر منذ نعومة الأظافر ، طوى مسافات الدروب المتعرجة ، سابحا في فضاء الدراما المشدودة إلى خشبة و عوالم لامتناهية لشخصيات عاشتها ، فبادلتها الحياة حياة ، و من على مرأى تموج الصورة وقفت راسمة للغد لوحة فنية تغطي مساحات التيه في فناء الخيال ، لتتولد من تقاطع المسافات فنانة نمت بصمت في الرباط ، حلمت ، و لكنها في حلمها صيرت المستحيل حقيقة واقعة بقوة الإرادة ، فكان الميلاد ، إنها الفنانة العصامية “عتيقة الساهل” حاورناها ، فكان الحوار منفتحا مشدوها بصراحة و عشق للفن لا ينضب ، ناصبا ملئ عينية حقيقة واحدة ، القول الصادق و الحركة الموزونة و تعابير الجسد النابعة من الحياة مفتاحا لولوج قلوب العشاق ، مهما سمت و علت قوة الأدوار .
وصفت فنانتنا المشهد الفني ببلادنا ببراءة فنانة عاشقة للفن ، طموحة لتحقيق ما هو أسمى رسالة قبل أن يكون شهرة على الرغم من سمو ذاك الطموح ، قالت فصدقت القول : “معظم أساتذة المعاهد الفنية ، ليس لهم أية علاقة بالميدان لا من بعيد و لا من قريب ، مع الأسف” ، و في مجال الإخراج السينمائي وضعت فنانتنا أصبعها على أزرار الواقع المأزوم و صرخت بصوت مكلوم فنيا ” مهنة الإخراج بعدما كانت بالعز ، أصبحت مهنة من لا مهنة له”
معها و بها نستشرف الواقع الفني المغربي ، نحاصرها بالأسئلة ، فتحاصرنا بفجائية قوة الصدق النابع من عشق الانتماء للفن و لقوة صدمة الممارسة الشاقة التي تعني في الوسط الفني مجموعة من الأوصاف القدحية التي تعوق الممارسة ، كما وصفتها فنانتنا .
أصوات : تشرفنا بلقاءك في هذا اللقاء الفني الإبداعي الصرف ، و لكن المنفتح على قيم الجمال و الإنسان و الحياة .
و نقول مع محمود درويش : “قل ما تشاء ، ضع النقاط على الحروف ، ضع الحروف مع الحروف لتولد الكلمات ، غامضة و واضحة ، و يبتدئ الكلام” .
بذاك الشعر و الشعور العميق نبدأ ، و نسال في البداية ، من تكون فنانتنا ؟
- عتيقة الساهل ، ممثلة و زجالة و مترجمة حوار ، أعيش بمدينة الرباط ، عملت تكوين في المسرح في المركز الثقافي لفنون الدراما بالرباط “ Centre culturel de l’art dramatique à Rabat ” ، كانت بداية اهتمامي بالفن مند نعومة أظافري ، كان حلمي حينها أن أصبح فنانة .
أنا محظوظة ، لأنني تتلمذت في السينما على يد المخرج السينمائي الكبير “حميد بناني” ، الذي اعتبره أستاذا و أبا بيولوجيا بالنسبة لي ، و في المسرح على يد المخرج المسرحي القدير الأستاذ “سعيد الوردي” ، فهؤلاء بالنسبة لي مدرسة كبيرة أفضل بكثير من المعاهد الفنية .
معظم أساتذة المعاهد الفنية ليس لهم أية علاقة بالميدان لا من بعيد و لا من قريب ، مع الأسف .
أصوات : كيف ؟ هلا شرحت لنا ذلك ؟ ، و هل ما قلته أحكام عامة أم مبنية على وقائع و حقائق يقينية ، تنويرا لمتابعينا ، لأن ما أوردته كلام كبير جدا ؟
- عتيقة الساهل :
نعم هناك فئة كبيرة لا تستحق التدريس بتلك المعاهد ، تضم بين صفوفها أساتذة يشتغلون بالمعرفة ، هناك تجد صحافي يدرس السينما ، أو ممثل يدرس الإخراج السينمائي و الصورة و المونطاج الخ ، أو استاد في التعليم يتعاطى للنقد السينمائي و بعدها يصبح أستاذ سينما .
نعم أنا متأكدة من كلامي ، فالمهتم بالفن من كثرة الحضور للمهرجانات يصبح أستاذا للسينما ، أو فاعلا جمعويا يصبح أستاذ مطرح أو سينما ، هكذا هو المشهد اليوم في المغرب ، حيث نجد ممثل لم يدرس السينما و تجده أستاذا في المعهد السمعي البصري يدرس السينما و الإخراج ، أما مهنة الإخراج فبعدما كانت مهنة “بالعز” أصبحت مهنة من لا مهنة له .
أصوات : نشكرك على صدقك و صراحتك ، خاصة و أننا بصدد تقييم وضع السينما المغربية ،
كيف كانت بداية الهوس الفني الإبداعي ، أي الإرهاصات الأولى لولادة فنانتنا ، بعد الإنسانة ، و سنعود لكل شيء بالتفصيل لاحقا لأننا نريد اختراق فضاءك المغلق ، نرجو أن يتسع صدرك لصراحة الإعلاميين ليتواصوا مع هوس و انشغالات الفنانين و الفنانات .
- عتيقة الساهل :
هوسي بالسينما اشتعل مند كنت طفلة ، إذ كنت أشارك في دور الشباب ، البداية كانت بكتابة الزجل ، و لما كنت أشاهد الأفلام عبر التلفزيون ، فكلما شاهدت دورا تقوم به طفلة في أي فيلم كان ، كنت أتمنى أن أكون أنا تلك الطفلة .
أصوات : هلا أتحفتنا ببعض من إبداعاتك الزجلية التي تتذكرينها ؟
- عتيقة الساهل :
نعم بكل فرح ، أتذكر مرة ، أن الأستاذ كان يطلب منا خمسة دراهم لطبع المنشورات ، الآخرون يطلبون درهم أو درهمين ، لكل أستاذ طلبه ، لأن أغلبية الأساتذة مع الثورة المعلوماتية أصبحوا لا يعتمدون الصبورة في التدريس ، نعم التعليم “غادي” في انحدار سلبي ، و ذات مرة قال لنا أحد الأساتذة “اللي ما جاب خمسة الدراهم راه ما غاديش يدوز عندي الامتحان” ، و نفس الأستاذ طلب مني ذات يوم أن أسمعه قصيدة جديدة من إبداعي ، قلت له :
“اسمع ، اسمع يا شباب ، قاليك جيت نقرا باش نحارب الأمية ، و نوصل و نعاون واليدية ، ساعة حتى من الأستاذ يطمع فيا ، أو ما يعيطينيش أهمية ، يدخل القسم كاعي و قالب وجهو علية ، يقولك آرى خمسة دراهم مساهمة ، باش نشرحو الدرس و يزيدها بالفهامة ، هذا يقولك آرى درهم ، أو هذا يقولك آرى ربعين ، أشنو ناويينا نديرو في الحين ؟!“
كما أنني كتبت كلمات فيلم “ليالي جهنم” و التي أدتها الفنانة “سناء بوزيان” ، و لحنها
الفنان “آيات الله شقارة” ، حفيد الفنان “شقارة” ، و بالمناسبة فهو أيضا يغني الملحون
و قد لحنها معه أستاذ موسيقي إسباني .
أصوات : ممكن أن تقدمي لنا مقطعا من كلمات هذا الفيلم ؟
- عتيقة الساهل :
حاولت ننساه من دهاني ، و قلبي ما هناني ، كواني هداك الغدار ، أوخلا فقلبي شاعلة نار ، و مشا و خلاني ، خلاني نبكي صبح و عشيا ، وهاد الشي بزاف عليا ، و الحب قصتوا محكية ، يا وعدي
أصوات : هل كانت البدايات الأولى من بوابة أب الفنون أم الشاشة الكبيرة ؟
- عتيقة الساهل :
بطبيعة الحال من بوابة أب الفنون ، أي من المسرح ، أنا لست من النوع الذي يطمح أن يصبح مشهورا ، فقط أحببت هذا المجال عن عشق ، و لا أطرق الأبواب كما يفعل الكثير ، إن الممارسة داخل هذا المجال أصبحت صعبة جدا ، فيه الصالح و الطالح ، بل أقولها صدقا ، أصبح الطالح أكثر من الصالح .
أصوات : لكن الطموح واجب و حق مشروع ، و تستحقين الأفضل .
- عتيقة الساهل :
نعم الطموح في حب الأشياء ضروري ، لكن المجال الفني أصبح يعتمد على العلاقات الخاصة و الصداقات ، و أنا طبيعية و صريحة لا أعرف التملق و “التسمسير” ، المجال الفني ممتلئ بالسماسرة ، أقصد أن بعض المكلفين ب “الكاستينغ” يعدون من أكبر السماسرة و ليست لهم علاقة بالفن ، أنا أشجع المخرجين الذين يتكفلون بمهام “الكاستينغ” فلا يتركون للسماسرة أية مساحة للانتعاش ، و في مجال الإخراج هناك ، طبعا ، فئة من المخرجين مثقفين يتكفلون ب “الكاستينغ” بأنفسهم ، و هناك فئة أخرى تعتمد على بعض السماسرة .
أصوات : أرى من خلال ردودك أن فنانتنا متألمة من واقع المسرح و السينما الحالي ، كيف يبدو لك المشهد بصراحتك المعهودة ؟
- عتيقة الساهل :
نعم أنا متألمة ، فالمجال الفني يشهد موجة كارثية من المتطفلين ، و الدليل التلفزيون .
أصوات : كيف ؟ و ما تقييمك للأعمال التلفزيونية المقدمة ؟
- عتيقة الساهل :
هناك أعمال تستحق المشاهدة ، و الكثير منها لا يستحق ذلك ، على الرغم من أنني من مدة ما شاهدت التلفزيون ، فمشكلة التلفزيون أنهم لا يبحثون عن مخرجين مثقفين أكفاء ، بل على العكس من ذلك ، يشتغلون كل سنة بنفس شركات الإنتاج ، و نفس المخرجين ديال الأعمال الرمضانية و غيرها و نفس الممثلين ، و النتيجة حتى المشاهد أصبح يتقزز من تلك الأعمال ، يعني نفس “العصابة” تشتغل و البقية من المهنيين يعانون في صمت قاتل ، و إدارة التلفزيون أصبحت رائحتها ملوثة ، الكل يعرف ما يجري هناك من رشاوى و سمسرة …. ، مع الأسف الشديد هذا يحز في النفس .
أصداء :
تعتبرين القيمين على التلفزيون “عصابة” ، المتتبعين يريدون معرفة تفاصيل الحال ، و ما الدافع الذي جعلك تصفينهم بهاته الصفة ؟
- عتيقة الساهل :
نعم انأ اعرف ما يجري هناك ، عصابة إذا سامحهم الله ، إلا فئة قليلة من تخاف ربها و تقدر الإنسانية ، لكن العصابة هي من تتحكم .
أصوات : أيهما الأقرب إلى قلب فنانتنا المسرح أم السينما ؟
- عتيقة الساهل :
كلاهما
أصوات : أكيد أن لكل فنان نموذج يقتدي به ، فما هو النموذج المقتدى به من طرف فنانتنا ؟
و ما هي الأسماء الفنية التي تعاملت معها (على المستويين المسرحي و السينمائي) ؟ و من ترك بصمته أكثر في فنانتنا ؟
- عتيقة الساهل :
قدوتي هو المخرج السينمائي المثقف الكبير “حميد بناني” ، و أيضا المخرج المسرحي الأستاذ “سعيد الوردي” إضافة إلى مخرجين آخرين بطبيعة الحال .
أصوات: أول عمل مسرحي و سينمائي ترك بصمة في حياتك و مسارك الفني ؟
- عتيقة الساهل :
فيلم “وشمة” لحميد بناني هو أكثر الأفلام تأثيرا في ، كنت أشاهد أفلام “الدرقاوي” و غيره من المخرجين الذين كنت أيضا أتمنى الاشتغال معهم ، و أول عمل مسرحي كان لي مع المخرج العراقي الدكتور “عباس عبد الغني” .
أصوات : من من المخرجين الذين لم تتعاملي معهم ، و تودين التعامل معهم ، لكن الحلم لم يتحقق بعد ؟
- عتيقة الساهل :
أتمنى الاشتغال مع الكثير من المخرجين ، من جيل الرواد الذين شكلوا و يشكلون عمالقة الإخراج دون أن ننسى المخضرمين منهم و الطاقات الشابة الواعدة في هذا المجال .
أصوات : نريد أن نعرف رأيك بصراحة و بعجالة في السينما المغربية ؟
- عتيقة الساهل :
السينما المغربية فيها اجتهاد ، لكن الإمكانيات ضعيفة جدا ، الكثير من المخرجين يضطرون إلى حذف ربع السيناريو لضعف إمكانيات الإنتاج .
أصوات : و كيف هو واقع حال المسرح المغربي ؟
- عتيقة الساهل :
المسرح المغربي ينحدر وضعه إلى الهاوية ، “مات صافي” ، الحاجة التي يموت أهلها تموت ، ما أن فارقنا إلى دار البقاء الرواد في المسرح المغربي مات المسرح ، و حتى مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في قتل المسرح ، هاته المواقع أخذت معظم ، إن لم يكن كل وقت الناس ، لم يعد لهم الوقت ، و يا للأسف ، حتى للذهاب إلى الحمام ، فما بالك متابعة فيلم أو مسرحية ، الآن من يذهب للسينما لمتابعة الإنتاجات الفنية ، لا أحد ، فقط العشاق من يلجون هاته القاعات من أجل الاختلاء ، و من أجل تبادل القبل ، يختبئون هناك ليس إلا .
الدولة بدورها لها قسط من المسؤولية فيما يعيشه المشهد الفني ، لا توجد توعية للشعب للرقي بدوقه الفني ، و ليس هناك تشجيع فعلي للثقافة ، فهم من زرعوا في الناس حب ثقافة البطن ، فقتلت بذلك العقل ، لا وجود لمواد إشهارية تشجع على القراءة و تحث على مشاهدة المسرح أو السينما و غيرها من الفنون الجميلة ، لا وجود إلا للإشهار ذا الطابع الاستهلاكي فقط .
أصوات : كيف حكمت على المسرح بالموت السريري ، لفقدان الرواد ، ألا يوجد خلف لذلك الجيل الذهبي ؟
- عتيقة الساهل :
نعم المسرح كان يحتضر ، و حل فيروس “كورونا” ليتم المهمة و يقضي عليه نهائيا ، هناك مخرجين ممتازين في مجال المسرح ، لكن الوضع هو وضع المسرح المغربي الذي يموت في صمت ، فالجمهور ضعيف جدا ، و المسرح بلا جمهور كارثة ، حاليا يوجد مخرجين مسرحيين ممتازين ، لكن لا وجود للمسرح الذي كان يشجعه الإعلام .
الإعلام له دور كبير في تشجيع الثقافة ، لم تعد هناك مواكبة إعلامية للمسرح و السينما ، بل أصبحت المواكبة الإعلامية للغناء الشعبي ، و غدى سقوط الذوق شيوع الفن التافه المعروض على “اليوتوب” و غيره من مواقع التواصل الاجتماعي ، و الأمثلة على قنوات الصرف الصحي كثيرة ، الإعلام له دور كبير ، من الممكن أن يزيد بالشعب نحو الأمام ، و ممكن أن يدفع به إلى الهاوية ، الكرة بيد الإعلام و الإعلاميين الآن .
المثال قريب ، الإعلام كله تابع “الطراكس” إلى درجة أن الكل أصبح يريد أن يصبح “طراكس” ، و الروتين غطى المشهد الإعلامي ، و هنا تكمن المأساة الحقيقية التي يعتبر الإعلام طرفا أساسيا فيها ، فهو أداة بناء أو هدم .
أصوات : أكيد ، و نحن في جريدة و مجلة أصوات نفتح قلبنا و أبوابنا لجميع الفنانين و من مختلف التخصصات الفنية و الإبداعية ، و كنا مبادرين للاتصال بك فنانتنا ، و فتح صدرنا الرحب لك لتعبري عن مواقفك بحرية ، و تنقلي بصدق و أمانة في التعبير ما تودين نقله للمتتبعين ، و نحن وظيفتنا الإخبار و التبليغ بصدق دون مقص أو خطوط حمراء .
- عتيقة الساهل :
“ربي يخليك” ، نعطيك مثل زمان في مصر ، كان الإعلام يواكب كل ما هو ثقافي و فني ،
و النتيجة الشعب أصبح منفتحا على الثقافة و الفن في مصر ، الفنان في مصر زمان كانت لديه قيمة أكثر من رئيس الجمهورية
أصوات : هل الدراما المغربية بخير ؟
- عتيقة الساهل :
نعم بخير ، و عموما الدراما المغربية هي خليط من أشياء جميلة و متوسطة و ضعيفة .
أصوات : في مجال التمثيل ، من من الممثلين و الممثلات المغاربة يعتبر قدوة لفنانتنا ؟
- عتيقة الساهل :
الكثير من الممثلين و الممثلات لا أحدد ، هناك من يعطي أكثر في مجال الكوميديا ، و هناك آخرون يكونون أجود في مجال التراجيديا ، كل واحد و قدراته .
أصوات : جواب دبلوماسي مقبول ، فماذا عن واقع السيناريو و الإخراج السينمائي و المسرحي ؟
- عتيقة الساهل :
حينما نتحدث عن الإخراج ، نرجع بالضرورة لثقافة كل مخرج ،، هناك مخرجين مثقفين لهم مكانة خاصة ، و هناك في الجهة المقابلة متطفلين همهم الأساسي هو الربح المادي ،
أما المخرج المثقف فهمه الأسمى هو العمل ، و الكارثة الكبيرة أن مهنة الإخراج أصبحت مؤخرا مهنة من لا مهنة له ، بلا ثقافة و لا تكوين سينمائي .
أصوات : نتحدث أيضا عن السيناريو المقدم في الأعمال السينمائية ، كيف ترين واقع السيناريو الآن ؟
- عتيقة الساهل :
السيناريو يرتبط بطاقة إبداعية يفجرها الكاتب ، هناك أعمال في المستوى ، و هناك في المقابل أعمال رديئة ، و المخرج هو من يفصل في مسألة السيناريو ، يقبله أو يرفضه ، بمعنى أن ثقافة و تكوين المخرج هي الفيصل في حسم الأمر .
أصوات : من موقع الفنانة هل تجدين نفسك مرتاحة للواقع أمام قوة الطاقات التي تريد فنانتنا تفجيرها ؟
- عتيقة الساهل :
الحقيقة لا ، لست مرتاحة لأنني لم أحقق كل أحلامي ، لم تمنح لي الفرص لتفجير كل طاقاتي ، الممثل في حاجة لتنوع الفرص ، فالممارسة هي المدرسة العليا .
أصوات : هل لنا أن نعرف أقرب الأدوار إلى قلبك ؟
- عتيقة الساهل :
أنا أريد أن أجرب العديد من الأدوار ، فالممثل الحقيقي هو من يستطيع تقمص جميع الأدوار .
أصوات : أسعد اللحظات المسجلة في الذاكرة ، فنيا بطبيعة الحال ؟
- عتيقة الساهل :
نعم في بلاطو تصوير فيلم “ليالي جهنم” ل “حميد بناني” و أيضا لحظات تحضيرات التصوير أي “ Repérage” ، أتذكر حينها أننا ذهبنا ل “سيدي موسى” في قاع البحر مكان “لالة عيشة البحرية” ، أنا و مدير الإنتاج “عبد الغني بابا” و كاتبة المنتج “البوشعيبي” ، رفقة المخرج القدير “حميد بناني” ، ذهبنا لنعاين المكان المفترض أن نصور به أحد المشاهد ، هناك وجدنا مجموعة من “الشماكرية” من مختلف الأعمار ، وجدناهم هم من يشرفون على تدبير محل “لالة عيشة” ، قالوا لنا مرحبا إن كنتم تريدون زيارة “لالة عيشة” ، مدير الإنتاج شجعنا لنهبط أنا و زميلتي ، و طمأننا في ذلك قائلا لنا لا تخافوا فأنا معكم ، و حتى “الشماكرية” رحبوا بنا ، نزلنا نحن الثلاثة ، لكن المفاجأة أن مدير الإنتاج رجع للسيارة و تركنا بعد أن كان هو من قام بتشجيعنا للنزول ، و عاينا المكان و “الشماكرية” يطلعوننا عليه ، أرسلنا في طلب مدير الإنتاج ليعاين المكان ، لكنه كان خائفا و لم يرد النزول ، و لم يأت إلا بعدما تأكد بأن الأمر ليس فيه خطورة ، و بدأنا في عتابه داخل السيارة على تركه لنا بين يدي “الشماكرية” قائلين له ، هل هاته هي الرجولة ؟ ، ماذا لو قاموا باغتصابنا في ذاك المكان ، تحجج بالمراقبة عن بعد ، و الاتصال بالأمن حالما يسمع الصراخ ، قالت له زميلتي “ما تجي فين تتصل حتى يكونو غتاصبونا” ، أجابها ” ابنتي نتوما يلا غتاصبوكم راكوم بنات غيتعاطف معاكم المجتمع أما أنا راه راجل كلشي يتشفى فيا”
أصوات : أصعب اللحظات و أشدها وقعا على الذاكرة التي مرت منها فنانتنا في مضمار مشوارها الفني ؟
- عتيقة الساهل :
مرتبطة بلحظة “الكاستينغ” ، حينما ترى التصرفات الصادرة عن بعض سماسرة “الكاستينغ” ، تؤلمني تلك اللحظات .
أصوات : الفن رسالة ، فما هي الرسالة التي تحاولين أن توصليها من خلال أعمالك الفنية ؟
- عتيقة الساهل :
أهم رسالة هي ضرورة الإخلاص في العمل .
أصوات : هل تؤمنين بالتخصص ، أي بالإرادة في انتقاء الأعمال التي تساهمين فيها ، أم أن كل الأدوار مقبولة ؟
- عتيقة الساهل :
تقصد أنا من ينتقد .
أصوات : لا لا ، بالمطلق ، أقصد أن لكل فنانة لمسة خاصة بها ، هل تؤمنين بهاته اللمسة ؟ أم أن الفنان يجب أن يكيف نفسه مع جميع الوضعيات الدرامية ؟
- عتيقة الساهل :
لكل واحد قدراته ، ربما يبدع في مجال الكوميديا و لا يقدم الكثير في مضمار التراجيديا ، و العكس صحيح ، و ربما يتفوق في المجالين معا .
أصوات : الفن مرتبط بالحياة ، فكيف استطاعت فنانتنا أن تسخر الحياة للتطور فنيا ؟ و تحقيق ما تأمل الوصول إليه ؟
- عتيقة الساهل :
بطبيعة الحال ، الفن مرتبط بالحياة ، فالحياة تتضمن الفرح و الألم .
أصوات : هل الفن رديف للحرية ؟ و هل ترين الفن التزاما ؟
- عتيقة الساهل :
بطبيعة الحال ، الحرية في مجال الإبداع ضرورية ، و الالتزام في العمل ضروري أيضا
أصوات : نعلم أن بداية التألق ارتبطت بمشاركتك في المسرحية العراقية “جوف الحوت” ، فكيف تقيمين هاته المشاركة ، و ماذا أضاف هذا العمل من جديد لمسارك الفني لاحقا ؟
- عتيقة الساهل :
الفرص في المغرب ضئيلة جدا ، نعم تعلمت من الأستاذ “عباس” ، الذي هو بالمناسبة دكتور في مجال المسرح الشيء الكثير ، لكننني تعرضت من مدة طويلة لعواصف من المشاكل توقفت خلالها عن كل شيء ، حتى نسيت نفسي ، مرضت أمي ، و تعرضنا أيضا لعملية نصب ، هناك أشياء خاصة لا يمكن البوح بها ، هذا الوضع أدخلني في دوامة من الاكتئاب و الابتعاد عن الكل ، حتى الأصدقاء ، و قد امتدت هاته الحالة من نهاية سنة 2016 و إلى غاية صيف 2020 ، كانت صدمات قوية دفعتني للتفكير حينها في أقبح السيناريوهات ، كنت أتألم ليل نهار ، و ضعفت لدرجة أن وزني أصبح 45 كيلوغرام فقط ، و أنا الآن بدأت في التعافي و استرجاع ما ضاع من وزني ، لما كنت أدعى لعمل لم أكن أذهب ، عموما اعتبرت هاته العواصف التي مررت بها مدرسة ، علمتني حقيقة الزمان و الأشخاص ، على الرغم من قوة الألم الذي كان يسكنني ليل نهار .
أصوات : جنبك الله و الأسرة الكريمة كل ألم ، تعاملت مع الفنان “سعيد الوردي” في أعمال فنية ، ما الإضافة التي أضافها لمسارك الفني ؟
- عتيقة الساهل :
الفنان “سعيد الوردي” أستاذ مادة المسرح ، و له تجربة طويلة في هذا المجال ، و قد تتلمذ على يده مجموعة من الفنانين .
أصوات : ماذا ترك في ذهنك “ليالي جهنم” من ذكريات ؟
- عتيقة الساهل :
الكثير من الذكريات ، من البداية الى النهاية ، و الحمد لله ، تعلمت العديد من الأشياء ، من الفنان الكبير “حميد بناني” تعلمت الصبر و الإخلاص في العمل .
أصوات : ورد في حوارنا أنك تتلمذت على يد المخرج “حميد بناني” ، كيف كانت هاته التجربة ، و ما هي نوع الإضافات التي منحك إياها هذا التعامل ؟
- عتيقة الساهل :
كانت تجربتي مع الفنان المقتدر “حميد بناني” هائلة ، تعلمت فيها الكثير ، و سبق لي أن عملت إلى جانبه في ترجمة الحوار ، و تعلمت على يديه طريقة كتابة السيناريو .
أصوات : ممكن أن توضحيها أكثر و تقدمي لمتابعينا الأعمال الفنية التي قدمتها برفقته ؟
عتيقة الساهل :
تعلمت معه اللعب أمام الكاميرا ، لأن اللعب أمامها مغاير تماما للعب فوق خشبة المسرح ، عملت معه مترجمة حوار في “ليالي جهنم” إلى جانب مشاركتي كممثلة ، كما أشتغل معه في ترجمة الحوار لسيناريو لفيلمه المقبل ، إن شاء الله .
أصوات : كيف بدت ترجمة الحوار بالنسبة إليك في أول تجربة مع المخرج “حميد بناني” ؟ و كيف ترين هاته المهمة ضمن الفضاء الإبداعي ؟
- عتيقة الساهل :
نعم كانت أول تجربة لي في هذا المجال برفقته ، و بعدها مباشرة خضت تجربة أخرى مع الفنانة المخرجة “نرجس الطاهري” ، و قد ترجمت لها سيناريوهين اثنين .
أصوات : ذكرت أنك سترافقين المخرج “حميد بناني” في تجربة إبداعية جديدة ، كممثلة و كمترجمة حوار ، ما اسم الفيلم ؟ و هل من الممكن أن تعطينا فكرة عن سيناريو الفيلم (القصة) ؟ و أين وصلت الاستعدادات لبداية التصوير ؟
- عتيقة الساهل :
لا زال التصوير لم يبدأ بعد ، انتهينا فقط من إعداد السيناريو
أصوات : هل من الممكن أن تعطي متتبعينا اسم الفيلم ، و ملخصا عن السيناريو ، إن أمكن طبعا ؟
- عتيقة الساهل :
بصراحة لن نحرق المراحل ، من الضروري الاستشارة مع المخرج للبوح بأسرار المشروع ، و أنا أعدك يوم تصوير الفيلم سأدعوك لتتبع تفاصيله ، كما أنني بصدد التهييء لفيلم قصير سأساهم فيه إخراجا و تمثيلا .
أصوات : ما هو العمل المسرحي الذي أنت بصدد إعداده ، و مع من ستخوضين هاته التجربة الفنية المسرحية إخراجا و تمثيلا ؟
. عتيقة الساهل :
مع المخرج “سعيد الوردي” ، و لدي برفقته عملين فنيين ، الأول مسرحي في مجال التشخيص ، و الثاني في مجال فن البالي (الكوريغرافي) ، و سأتكلف بالماكياج و الملابس ، لكن كورونا أوقفت كل المشاريع .
أصوات : بجرأة و بكل صراحة ، ما هو وضع السينما المغربية اليوم ، مقارنة بنظيرتها المغاربية و العربية ؟
- عتيقة الساهل :
في الحقيقة السينما المغربية متقدمة على نظيرتها العربية رغم ضعف الإنتاج ، و ما يميزها أكثر هو التنوع .
أصوات : ما هو السبيل لتطوير هاته الفنون النبيلة ، أمام اشتداد غزو التكنولوجيا الحديثة التي أثرت على المسرح كما السينما
- عتيقة الساهل :
هذا هو حال الدنيا ، لكل زمن زمانه ، و لا أستطيع أن أقدم حلولا ، الحل يكمن في وعي الناس بأهمية الفن ، و المدخل هو التوعية و تنمية الذوق العام على حب الثقافة و الفن
أصوات : نختم هذا اللقاء الشيق و الجميل مع فنانتنا الجميلة ، بقول محمود درويش أيضا ، و حين أحدق فيك ، أرى مدنا ضائعة ، أرى زمنا قرمزيا ، أرى سبب الموت و البكاء ، أرى لغة لم تسجل ، فهل بقي من اللغة شيء لم نسجله و تود فنانتنا تسجيله في نهاية اللقاء
- عتيقة الساهل :
أولا اشكر طاقم جريدة و مجلة أصوات ، و على رأسها الصحافي الرائع محمد حميمداني ، و اسأل الله عز و جل أن يقي البشرية جمعاء شر الوباء ، و أن تعم قيم السلم و المحبة كل بقاع الكون .
أصوات : أتمنى أن نكون قد تمكنا من الغوص في عوالمك و استشراف المخفي من أسرار الإبداع ، و تعثرات السوق ، و قربنا المتتبع و المتابع من شبقية و عسر امتحان فني يصارع من أجل الحياة و إثبات الذات في واقع معلول بقوة الأمر الواقع قسرا .
التعليقات مغلقة.