أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

على هامش حادثة قطار بوقنادل: كلنا مسؤولون…

زهرة رميج*

لا شك أن لكل واحد من الذين يختارون القطار وسيلة للسفر، قصص كثيرة تدل على غياب الشروط التي تجعل من القطار أكثر وسائل السفر راحة وانضباطا. شخصيا، وبحكم تفضيلي الدائم للسفر في القطار، عشت أحداثا كثيرة تنم عن انعدام المسؤولية واللامبالاة براحة المسافرين وبوقتهم بل وحتى بإنسانيتهم كبشر… فرغم التكلفة المرتفعة لتذاكر القطار، إلا أنه كثيرا ما يتأخر عن موعده ليس فقط بدقائق وإنما بالساعة أحيانا، ولا يراعى فيه عدد المسافرين بحيث يتم تكديسهم كما تكدس صناديق السردين، لدرجة أن المسافر يجد نفسه مضطرا للبقاء في الممر واقفا، لا يستطيع حتى الحركة، طيلة مدة سفره التي قد تستغرق أربع ساعات (في حدود تجربتي)، ويصل هذا التكديس أشده في عطل نهاية الأسبوع والأعياد الدينية، فلا يجد المسافرون –الجالسون منهم والواقفون- نسمة هواء، مما يتسبب في الاختناق، بل وفي أزمات صحية لمن يعانون من أمراض القلب والربو أساسا. أما انعدام نظافة الأرائك والمراحيض، وغياب التكييف الهوائي، فحدث ولا حرج…
هذه اللامبالاة براحة المواطنين وصحتهم وكرامتهم طالما استفزتني وأثارت غضبي. لكن ما يثير غضبي أكثر، هو سلبية المسافرين أنفسهم (وسلبية المواطنين عموما في كل المجالات). الكل ينتقد، ويتذمر، ويحتج، لكن لا أحد يعلن احتجاجه للمسؤولين… ينفسون عن غضبهم فيما بينهم، ثم يختمون “ثورتهم” بالقول بأن المُهِم أنهم وجدوا مكانا في القطار وما عليهم سوى الصبر لعدة ساعات… وترديد عبارات إطفاء الغضب مثل: “كل شي فايت!… اتساع في القلب… إلخ…
حول هذه السلبية، سأكتفي بذكر حدثين.
الحدث الأول وقع في القطار بمناسبة عيد الأضحى. سافرت في القطار الرابط بين الدار البيضاء ومدينة وجدة. حجزت قبل أيام، في الدرجة الأولى تجنبا للمشاكل التي أشرت إليها أعلاه. مرت الرحلة بين الدار البيضاء والرباط على ما يرام… لكن، بمجرد وصولنا الرباط، تغير الأمر تماما، إذ صعدت القطار جماهير غفيرة، وجاء ركاب يطالبونني ومن معي، بإخلاء المقصورة لأنهم أصحابها. ونفس الشيء وقع في باقي المقصورات… ضج المكان بالمشادات الكلامية بين المسافرين، وامتلأ الممر، فما عاد المرء يستطيع التحرك… اتضح أن إدارة سكك الحديد ضاعفت عدد المسافرين في الدرجة الأولى على أساس وجود عربتين في حين لم توفر سوى عربة واحدة. أردت البحث عن مسؤول، لكن ما كان لي حتى أن أتحرك من مكاني… طلبت من المسافرين توقيع عريضة احتجاج، لكن لا أحد استجاب لطلبي! عندما ظهر المراقب أخيرا، اكتفيت بالتهديد. قلت له: “أخبر المسؤولين أن ما حدث سينشر غدا في كل الجرائد!” (هكذا!) قلتها بثقة من يملك زمام المنابر الإعلامية!
عندما وصلنا مدينة مكناس، وجدنا بانتظارنا عربة ثانية، انتقل إليها ركاب الرباط ومن صعد بعدهم، وعاد إلينا الهدوء والهواء النقي من جديد…
الحادثة الثانية وقعت في المقر القديم للصندوق المغربي للتقاعد (شارع فرنسا). كان على المتقاعدين أن يدلوا للصندوق بشهادة تثبت أنهم ما يزالون أحياء، لأن المتقاعد في نظر صندوق التقاعد عليه أن يموت بمجرد انتهاء فترة عمله! (الآن تغيرت الطريقة… بالأمس، توصلت برسالة تخبرني باستخلاص معاش هذا الشهر (أكتوبر) عن طريق حوالة الكترونية تستلزم حضوري، وهذا طبعا، للتأكد من أني ما زلت حية أرزق! موضوع الرسالة نفسه يشعر المتقاعد وكأنهم يتعجلون موته، أو يستغربون بقاءه على قيد الحياة بعد التقاعد. الموضوع هو: “عملية المراقبة السنوية للحياة برسم 2018” عندما أتأمل هذا الموضوع، يبدو لي وكأنهم يقولون باستغراب لكل متقاعد: “ماذا بقاؤك والقوم قد رحلوا؟ ارحل، عليك اللعنة!)
عودة إلى الأهم. كان الزحام إذن على أشده، والعمل يسير ببطء شديد… فجأة، أغمي على أحد المتقاعدين… اصفر لونه، تجمهر الحاضرون حوله … لم تمر عشر دقائق حتى أسلم الروح! كما هي عادتي دائما، كنت أحتج بصوت مرتفع، لكن عندما رأيت الرجل جثة هامدة، ثارت ثائرتي… اقترحت على الحاضرين التوقيع على عريضة احتجاج وتحميل الصندوق مسؤولية موت ذلك الرجل. لكن لا أحد على الإطلاق استجاب لطلبي! كان ألمي عظيما، وخاصة بعدما علمت أنه أستاذ تقاعد في نفس تلك السنة، وجاء من مدينة أكادير من أجل تسوية وضعيته المادية. (لا شك أنه سجل في سجل الصندوق المغربي للتقاعد باعتباره المتقاعد النموذجي الذي لم ينل من الخزينة درهما واحدا بعد مغادرته العمل!)
أكتفي بهاذين المثالين فقط رغم أن الأمثلة الصادمة كثيرة، لأقول بأننا بصمتنا وعدم احتجاجنا على ما يحدث من خروقات في القطارات وغيرها، وما نتعرض له من إهانات بعدم احترام إنسانيتنا وكرامتنا وحقوقنا، بل وتلاعب بحياتنا، نتحمل بدورنا المسؤولية. فإدارة السكك الحديدية، وغيرها من الإدارات، لا تهتم طالما لا يوجد من يشتكي من سوء تسييرها وتدبيرها.
علينا أن ندق ناقوس الخطر باحتجاجنا على كل الاختلالات التي نعيشها في حياتنا اليومية، وأن نتحمل مسؤولية المواجهة، وأن لا نكتفي بالنقد وراء الظهر، أو ترديد تلك العبارة الكريهة: “ما دمت في المغرب، فلا تستغرب”، والتي تكرس فكرة لا جدوى الاحتجاج شفويا أو كتابة من أجل تغيير هذا الواقع. فتغيير الأمور الكبيرة يبدأ بتغيير الأمور الصغيرة، وتغيير المجتمع يبدأ بتغيير الأفراد… والذي يحلم بالتغيير العام عليه أن يبدأ بنفسه.
كانت هذه الكلمة غصة عالقة في الحلق، وها قد تحررت منها اليوم.

التعليقات مغلقة.