عملية “البيجر”: ردة فعل نفسية أم خطة عسكرية؟
رضا سكحال
طرح جميع المهتمين والمتتبعين للأوضاع الملتهبة بالشرق الأوسط، سؤالا إشكاليا، تمحور حول الحدث الأخير الذي هز جنوب لبنان.
كيف انفجرت أجهزة “البيجر” في وقت واحد، مخلفة العشرات من الإصابات في صفوف مقاتلي حزب الله؟
لا وجود للصدفة في هكذا أحداث، ولا يمكن القول بأنه حادث عرضي مفصول على المستوى الزمكاني.
لقد أحرج حزب الله اللبناني دولة الاحت-لال، وذلك بعدما جعل عدة مناطق من شمال فلسطين المحتلة، والمتاخمة للضاحية الجنوبية، حيث معقل حزب الله، تبدوا خاوية على عروشها. بسبب القصف الذي يشنه بشكل شبه يومي، ردا على مجازر الاحت-لال في غزة، وردا على اغتيال القيادي في ذات الحزب “فؤاد شكر”.
لن ندخل في تقييم سياسي ونفسي واقتصادي لهذه الضربات التي شنها حزب الله على شمال فلسطين المحتلة، ولن نفتح صفحة بيضاء، نقيم من خلالها مدى نجاعة الفكر العسكري لحزب الله بكل خططه وضرباته وتصريحات قائده.
بل سنحاول كشف عملية معقدة استهدفت حزب الله في عقر داره، كرد على وجع (تل أبيب) المستمر، وكرد على أنين كتمه (بيبي) حتى لا تنهار سمعة الكيان المزعوم، وحتى لا يفقد “أسطورته” التي بناها على أشلاء المدنيين والأبرياء.
لهذا كان لا بد من رد يحفظ ماء وجه رئيس الوزراء الذي مرغه مجرد فصيل بسيط بغزة في الوحل، وجعله من جيشيه أضحوكة العالم، ولولا يد أمريكا الطويلة التي كسرت “مبدأ مورنو”، لكان “بيبي” وجيشه وغفيره في الصفحات الأولى لمزبلة التاريخ.
ولهذا تدخلت الموساد، لإحياء تاريخ الدم والاغتيالات، فالمعطيات الأولية تشير إلى أن هذا الجهاز الاستخباراتي قد تمكن من الوصول إلى أجهزة اتصال حزب الله “البيجر”، قبل تسليمها لأعضائه.
وكشفت “سكاي نيوز” نقلا عن “كناعنة” محرر الشؤون الإسرائيلية في ذات الجريدة، أن “الموساد الإسرائيلي استطاع اعتراض شحنات أجهزة البيجر قبل أن تصل إلى حزب الله”. حيث تمكن في الغالب من زرع مادة متفجرة تسم PETN . وتعتبر من أكثر المواد الانفجارية قوة في الوقت الحالي.
حيث أن مجرد كميات صغيرة منها، تستطيع إحداث انفجار ضخم. وقد تم زرع هذه المادة قرب بطاريات أجهزة البيجر، قبل إرسالها لتصل لبنان.
لكن، يبقى السؤال المحيل كيف يتم تفجير هذه الأجهزة؟
في الحقيقة فالعملية جد معقدة، وما يمكن طرحه هنا أو هناك، لن يتعدى باب التخمين، الحقيقة توجد لدى جهاز الاستخبارات (الإسرائيلية)، وفي أوراق تحقيقات حزب الله.
مجرد تخمين
الأقرب للمنطق، أن الموساد تمكن من اختراق هذه الأجهزة قبل إرسالها، وبعد زرع مادته المتفجرة، وحين تأكد من وصولها لمقاتلي حزب الله، رفع من درجة حرارتها بطريقة ما، حتى اشتعلت مادة البنتريت، فانفجرت، ومن المرجح أن العملية تمت على دفعة واحدة.
إذ يمكن لها أن تنفجر عند درجة حرارة 190 مئوية، وهي درجة يمكن الوصول إليها عند تسخين البطاريات.
هذا ولم تعلن (إسرائيل) بشكل رسمي عن مسؤوليتها في هذا الحادث، كما فعلت ذلك في عديد من عمليات الاغتيال والاستهداف لقادة المقاومة.
فهل سيعاقب حزب الله إسرائيل على هذا الفعل؟ وكيف سيكون رده؟
وهل ستوسع (إسرائيل) دائرة الحرب؟ وتجر حزب الله إلى حرب مباشرة؟ في وقت ما يزال فيه جيشها غارقا وعالقا في وحل غزة.
وهل تعتبر هذه العملية مجرد رد فعل نفسي من رئيس وزراء هزم بقوة الواقع والأرقام، ليحفظ ما تبقى من ماء وجهه؟
خصوصا وشمال فلسطين المحتلة يعيش الفراغ، في ظل وجود جيش الدفاع الذي لا يقهر.
الأيام القادمة ستكشف الكثير من المعطيات المرتبطة بهذا الحادث، ولنا عودة للموضوع.
التعليقات مغلقة.