عودة ترامب وتأثيراتها على السياحة العالمية
الزوبير بوحوت
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بداية 2025، من المنتظر أن يدخل الاقتصاد العالمي في فترة من الانكماش، وعدم اليقين بالنضر لسياساته الحمائية وقراراته المفاجئة.
ومن المتوقع أن يعيش الاقتصاد العالمي مجموعة من التوترات التجاريةـ، التي سيكون لها تأثيرات كبيرة على الفاعلين الاقتصاديين الرئيسيين، مثل الصين والولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة.
وفيما يخص القطاع السياحي تمثل هذه البلدان 51 % من السياحة المصدرة بحلول عام 2030، وقد تلعب دورًا حاسمًا في استمرار تعافي القطاع السياحي بعد جائحة كوفيد. حيث من المتوقع أن تصدر الصين 251 مليون سائح، وألمانيا 151 مليون، والولايات المتحدة 146 مليون، والمملكة المتحدة 130 مليون، مما يجعل إجمالي عدد السياحة المصدرة ( tourisme émetteur) في هذه البلدان، 678 مليون سائح، أي أكثر من نصف إجمالي حجم السياحة العالمية الذي يُقدر بـ 1.328 مليار مسافر في سنة 2030.
وقد تؤدي اختيارات ترامب الحمائية وردود أفعال الفاعلين الاقتصاديين الكبار إلى تعريض آفاق النمو السياحي العالمي للخطر، وهو قطاع حساس للغاية تجاه التقلبات الاقتصادية العالمية، حيث أصبحت التوقعات الآن أقل تفاؤلاً للسنوات القادمة.
و تظهر التحليلات الأولية للمؤشرات الاقتصادية العالمية، التي تشمل تطور الناتج المحلي الإجمالي العالمي والصادرات الدولية ووصول السياح، ديناميكيات متباينة على مدار العقدين الماضيين.فقد كانت فترة أوباما (2008-2016) مميزة بانتعاش اقتصادي قوي بعد الأزمة المالية، مما أدى إلى نمو في الصادرات وعدد السياح الوافدين على المستوى العالمي ، في حين أن ولاية ترامب (2017-2020)، التي كانت ترتكز على الحمائية، قد تميزت بإبطاء هذه الديناميكيات، مما أدى إلى اضطراب في التجارة العالمية. أما في عهد الرئيس بايدن، فقد شهد الاقتصاد انتعاشًا سريعًا بعد الجائحة، رغم أنه كان محدودًا بسبب التباطؤ الخارجي، ولا سيما في الصين.وفي الوقت الذي يبدو فيه أن الحمائية المحتملة في فترة ترامب 2025-2029 ستعيد توزيع أوراق النظام الاقتصادي العالمي، من الضروري أن يستعد قطاع السياحة للتعامل مع بيئة أكثر تعقيدًا بين مخاطر الركود والنمو المعتدل.
الاقتصاد العالمي بين الحمائية والأزمات الاجتماعية
في مقال بعنوان “ثمن الحمائية لدونالد ترامب”، نشره مركز الدراسات المستقبلية والمعلومات الدولية (CEPII)، قام أنطوان بوييه، مدير المركز، وليزا ماتي سال ويو زينغ، الاقتصاديان في نفس المؤسسة، بتحليل تداعيات التدابير الحمائية التي يعتزم دونالد ترامب، الذي أُعيد انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة في عام 2024، تنفيذها. هذه السياسة، التي تشمل فرض رسوم جمركية عالمية بنسبة 10% و60% على المنتجات الصينية، تهدف إلى حماية الصناعة الأمريكية، لكنها قد تؤدي إلى تعطيل الاقتصاد العالمي من خلال تقليص التجارة العالمية بنسبة 3.3% وتقليص الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 0.5%. ويحذر الاقتصاديون من مخاطر اندلاع حرب تجارية شاملة، تؤثر على الولايات المتحدة والصين وأوروبا، في وقت تزداد فيه الشكوك الاقتصادية العالمية وتقلبات الأسواق.
تستهدف سياسة ترامب الجمركية بشكل أساسي الصين، حيث ستكون الرسوم الجمركية المشددة ضارة بالصادرات الصينية في حين تضر أيضًا بسلاسل الإمداد العالمية. وقد تؤدي هذه الحرب التجارية الممتدة إلى ردود فعل من بكين، مما يزيد من حدة التوترات الاقتصادية العالمية. في هذا السياق، سيكون على الفاعلين الاقتصاديين الرئيسيين مثل الاتحاد الأوروبي تعديل تحالفاتهم الإستراتيجية، وهو ما سيؤدي إلى زيادة التقلبات في الأسواق، خصوصا أسواق المواد الخام، مع تعميق انقسام التدفقات التجارية العالمية، مما يجعل التوازن الاقتصادي العالمي أكثر تعقيدًا.
وسيكون لهذه الديناميكيات تأثيرات خاصة على ألمانيا، التي تمثل المحرك الاقتصادي لأوروبا، والتي تمر بفترة من الركود والاضطرابات السياسية الداخلية. فقد أدى إقالة وزير المالية كريستيان ليندنر إلى إضعاف الائتلاف الحاكم، مما يشير إلى إمكانية إجراء انتخابات مبكرة في 2025. وعلى الصعيد الاقتصادي، تواجه الشركات العملاقة مثل فولكس فاجن انخفاضًا في الطلب على السيارات الكهربائية، مما أدى إلى إغلاق العديد من المصانع. وفي هذا السياق، قد تزيد السياسة الحمائية الأمريكية من تعقيد الوضع في اقتصاد يعتمد بشكل كبير على الصادرات. ومع ذلك، تتمتع ألمانيا ببعض المزايا، مثل التحول الطاقي والابتكار، والتي يجب عليها الاستفادة منها للحفاظ على قدرتها التنافسية في بيئة عالمية تتسم بالشكوك المتزايدة.كما قد تضعف سياسة ترامب أيضًا الميزان التجاري للمملكة المتحدة من خلال تقليص وصول صادراتها إلى السوق الأمريكية. كما قد تؤدي هذه الوضعية إلى فرض رسوم جمركية جديدة، مما يعوق الاستثمارات الأمريكية ويزيد التضخم، مما يعرقل الانتعاش الاقتصادي للمملكة المتحدة.
بين عامي 2009 و2024، تأثرت صادرات المملكة المتحدة بالسياسات الاقتصادية للإدارات الأمريكية. فتحت إدارة أوباما (2009-2016)، ارتفعت الصادرات بنسبة 2.8% بفضل سياسة التجارة الحرة. أما في عهد ترامب (2017-2020)، فقد انقلبت هذه الاتجاهات مع انخفاض قدره 2.8% بسبب التدابير الحمائية، في حين شهدت الصادرات انتعاشًا بنسبة 5.5% في عهد بايدن (2021-2024)، نتيجة لسياسة تجارية أكثر انفتاحًا.
وفي هذا السياق العالمي المضطرب، تمر فرنسا أيضًا بأزمة سياسية كبيرة. في 5 ديسمبر 2024، استقال ميشيل بارنييه بعد الإطاحة بحكومته من خلال اقتراح حجب الثقة التاريخي، مما زاد من عدم الاستقرار السياسي في البلاد. هذه الأزمة، التي اندلعت بسبب استخدام المادة 49.3 في مشروع قانون الميزانية، لها تأثيرات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك زيادة معدلات الاقتراض وضعف المالية العامة، وفقًا لوكالة موديز. هدا وقد يعاني القطاع السياحي، الذي يعتبر حيويًا للاقتصاد الفرنسي، من آثار هذه الحالة من عدم الاستقرار، مما قد يثني الزوار الأجانب ويقلل من الاستثمارات في البنية التحتية، ومن ناحية أخرى، من المنتضر ان تتأثر السياحة المصدرة أيضًا، حيث يرى الفرنسيون انخفاضًا في قدرتهم الشرائية، مما يحد من السفر إلى الخارج .
عشرون عامًا من التأثير الأمريكي على الناتج الإجمالي العالمي
منذ عام 2008، مر الاقتصاد العالمي بأزمات كبرى أثرت بشكل عميق على تطوره، بما في ذلك الأزمة المالية لعام 2008 وجائحة كوفيد-19. في عهد باراك أوباما، سمحت السياسات التحفيزية الطموحة، مثل برامج الدعم للشركات والاستثمارات في البنية التحتية، بتعافٍ تدريجي بعد الركود الذي شهدته 2008. وقد بدأ الناتج الإجمالي الداخلي العالمي في الانتعاش منذ عام 2010 بنمو بلغ 5.36% ، واستمر في التعافي بمعدلات تراوحت بين 3.26 % و4.35 % طوال ولايتين من حكمه. وتميزت هذه الفترة بالخروج من الركود وتعزيز القواعد لنمو اقتصادي أكثر استقرارًا.
مع وصول دونالد ترامب إلى السلطة في 2017، شهد الاقتصاد العالمي مرحلة أولية من الاستقرار بفضل السياسات الحمائية والتخفيضات الضريبية.وقد دعمت هذه التدابير نموًا قدره 3.82% في 2017 و3.63% في 2018، قبل أن يشهد تباطؤًا إلى 2.84% في 2019. ومع ذلك، أدت جائحة كوفيد-19 في 2020 إلى ركود عالمي عنيف، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بمقدار ناقص 2.69%. وقد عرقلت هذه الأزمة الصحية سلاسل الإمداد وحدت من التجارة الدولية، مما أضعف الأداء الاقتصادي العالمي رغم جهود التعافي.
أما تحت رئاسة جو بايدن، بدءًا من 2021،فقد أظهر الاقتصاد العالمي مرونة لافتة. ففي مواجهة الركود الناجم عن الجائحة، اعتمدت إدارته خطط تحفيز ضخمة، مما أدى إلى نمو قياسي بلغ 6.47% في 2021. رغم أن الديناميكية تباطأت مع نمو 3.46% في 2022 و3.21% في 2023، استقر الناتج المحلي الإجمالي العالمي عند 3.18% في 2024.وقد مكنت هذه الجهود من إحياء القطاعات الأكثر تأثرًا بالجائحة، مع متوسط نمو سنوي بلغ 4.08%، مما عزز التعافي الاقتصادي العالمي.اما بالنسبة للولاية الثانية لدونالد ترامب بين 2025 و2029، تشير التوقعات الاقتصادية إلى نمو معتدل ومستقر، مع معدلات تتراوح بين 3.23% و3.09%.
الصادرات العالمية من 2008 إلى 2023: الديناميكيات المتناقضة في فترات رئاسة أوباما وترامب وبايدن
ومنذ عام 2008، عكست الصادرات العالمية الديناميكيات الاقتصادية للولايات الرئاسية المتعاقبة.فتحت قيادة باراك أوباما، أدى الانتعاش بعد الأزمة المالية إلى دفع نمو متوسط بنسبة 4 % في الصادرات العالمية، حيث بلغت ذروتها في عام 2014 قبل أن تشهد تراجعاً طفيفاً.فقد شهدت صادرات الصين توسعاً مثيراً بنسبة 11%، بينما سجلت أمريكا الشمالية وأوروبا تقدمًا أكثر تواضعًا بنسبة 5% و2% على التوالي. وتميزت هذه الفترة بزيادة مستمرة في التبادلات التجارية الدولية، مدفوعة بالطلب العالمي والنمو الصناعي الصيني.
من ناحية أخرى، كانت فترة رئاسة دونالد ترامب، نقطة تحول مع ركود الصادرات، نتيجة رئيسية للحرب التجارية مع الصين وجائحة كوفيد-19. فبعد زيادة كبيرة في عامي 2017 و2018، انخفضت الصادرات العالمية، حيث سجلت نمواً متوسطاً قارب الصفر طوال فترة ولايته. بينما حافظت الصين على بعض المرونة مع نمو بنسبة 14%،كما تأثرت أوروبا وأمريكا الشمالية بشكل أكبر، حيث شهدت انخفاضات كبيرة بسبب التوترات التجارية والقيود المرتبطة بالجائحة.
وتحت رئاسة جو بايدن، أدى الانتعاش الاقتصادي ما بعد الجائحة إلى انتعاش في الصادرات، مع نمو متوسط قدره 3% بين 2021 و2023.فقد سجلت أوروبا انتعاشًا ملحوظًا بنسبة 4%، مدفوعة برفع القيود الصحية، بينما استفادت أمريكا الشمالية من زيادة بنسبة 8% بفضل الطلب المتزايد في القطاعات الرئيسية، وفي المقابل، على الرغم من أن الصين لا تزال فاعلا رئيسياً، فقد شهدت تباطؤاً في نموها ليصل إلى 1%، مما يعكس التحديات المستمرة المرتبطة بالتوترات التجارية والسياسات الصحية. وقد أظهرت هذه الفترة انتعاشًا عالميًا ديناميكيًا، ولكن مع محدودية بسبب العقبات الهيكلية والجيوسياسية.وتشير التوقعات لفترة ولاية دونالد ترامب الثانية (2025-2029) إلى انتعاش معتدل في الصادرات العالمية. ومن المتوقع أن تواصل التوترات التجارية التأثير على النمو، لكن من المتوقع أن تظل الصادرات مستقرة، مع توقعات نمو تتراوح بين 2 إلى 3% سنويًا. هدا وقد تستفيد أمريكا الشمالية من زيادة الطلب في بعض القطاعات التكنولوجية والطاقة، بينما قد ترى الصين، على الرغم من كونها لا تزال فاعلا رئيسيًا في التجارة العالمية، تباطؤًا أكبر في نموها بسبب السياسات الاقتصادية الداخلية والعلاقات الدولية المتوترة.وقد يوفر هدا الاستقرار المعتدل بيئة أقل تقلبًا، مما يعزز نموًا منتظمًا، ولكن دون ديناميكيات النمو السريع التي لوحظت في فترة أوباما.
التطور المتناقض للسياحة العالمية (2008-2024): بين الأزمات والانتعاش ما بعد الجائحة
بين عامي 2008 و2024، شهد قطاع السياحة العالمي تطورات بارزة نتيجة للعوامل الاقتصادية والصحية.فتحت رئاسة باراك أوباما، تقدم القطاع بشكل منتظم، رغم التراجع في عام 2009 بسبب الأزمة المالية. فقد ارتفع حجم الوافدين من 930 مليونًا في 2008 إلى 1.239 مليار في 2016، مع نمو سنوي متوسط يتراوح بين 4% إلى 7%، مدفوعًا بالانتعاش الاقتصادي العالمي.
أما فترة ترامب (2017-2020) فقد شهدت نموًا معتدلاً حتى عام 2019، تلتها انخفاض حاد بنسبة 73% في عام 2020 بسبب جائحة كوفيد-19.فقد تراجع حجم الوافدين من 1.326 مليار في 2017 إلى 398 مليون في 2020.
أما تحت إدارة جو بايدن، فقد شهد قطاع السياحة العالمي انتعاشًا مذهلاً، حيث بلغ العدد الإجمالي للوافدين عام 2022 917 مليونًا، بزيادة قدرها 121% مقارنة بالسنة الماضية ، وفي عام 2024، من المنتظر أن يصل العدد الإجمالي للوافدين 1.489 مليار .
ومع إعادة انتخاب دونالد ترامب في انتخابات نوفمبر 2024 (سيبدأ ولايته في يناير 2025) تشير التوقعات الاقتصادية إلى انتعاش معتدل لقطاع السياحة. فمن المتوقع أن تنمو الصادرات العالمية بنسبة 4% سنويًا، وأن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 3.2% خلال هذه الفترة. ومن المرجح أن تؤثر هذه العوامل بشكل إيجابي على نمو السياحة، رغم أن العلاقات الدولية المعقدة والسياسات التقييدية قد تعرقل انتعاشًا سريعًا كما كان الحال في فترة بايدن.
التعليقات مغلقة.