عودة نداء الوطن.. كيف تُصاغ معايير الخدمة العسكرية في مغرب اليوم؟
بقلم: حسن هرهار – كاتب رأي صحفي
بين النداء الوطني والالتزام المؤسسي، تواصل الدولة المغربية خطواتها الهادفة لإعادة تثبيت الخدمة العسكرية كرافعة تربوية وتأطيرية لفئة الشباب. فبعد انتهاء فترة الإحصاء الخاص بالخدمة العسكرية، التأمت اللجنة المركزية المكلفة، يوم الأربعاء، بمقر وزارة الداخلية، من أجل تحديد المعايير الدقيقة لاستخراج أسماء الشباب المدعوين لأداء الخدمة برسم فوج 2025–2026، وهي خطوة تنظيمية مفصلية في تنزيل هذا المشروع الوطني المتجدد.
تأتي هذه الخطوة تنفيذاً للتعليمات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، الذي أكد أكثر من مرة على أهمية الخدمة العسكرية في بناء شخصية الشباب، وتعزيز القيم الوطنية، والانضباط، وحس المسؤولية.
في ضوء هذه الرؤية الملكية الواضحة، تعمل وزارة الداخلية، بتنسيق مع مختلف القطاعات، على تهيئة الظروف الملائمة لإدماج فوج جديد من المجندين، انطلاقاً من فاتح شتنبر 2025، وفق آليات شفافة ومبنية على معايير واضحة.
الاجتماع الذي ترأسه قاضٍ رفيع المستوى – رئيس غرفة بمحكمة النقض – بحضور أعضاء اللجنة المركزية للإحصاء، خُصّص لتحديد المعايير التي سيُعتمد عليها لاستخراج لوائح المجندين من الذكور والإناث، والذين تم تسجيلهم خلال فترة الإحصاء المنتهية في 23 يونيو الجاري.
وتتم هذه العملية بمراعاة التصنيف والرتب التي تحددها السلطات العسكرية المختصة، قبل إحالة القوائم النهائية على الجهات المعنية من أجل مباشرة إجراءات الاستدعاء والإدماج الرسمي داخل الثكنات والمؤسسات العسكرية.
ليست الخدمة العسكرية مجرّد مرحلة إدارية أو واجب قانوني، بل هي أيضاً اختبار حقيقي لمدى انخراط الشباب في المساهمة ببناء الوطن والدفاع عن رموزه.
ففي مغرب اليوم، لا تُعدّ هذه التجربة مجرد إعداد عسكري، بل هي أيضاً تجربة شخصية تُعزز من الكفاءة الذاتية، وتُرسّخ ثقافة الانضباط والاعتماد على النفس.
اللافت في هذه النسخة هو الإقبال المتزايد من طرف الشباب، خصوصاً في صفوف الفتيات، على الانخراط في الخدمة العسكرية، وهو ما يعكس تحوّلاً ثقافياً إيجابياً تجاه هذه المؤسسة، التي بدأت تُرى بعين الاحترام، لا التوجّس.
إن إدماج آلاف المجندين في ظروف عسكرية وتأطيرية متطورة لا يُعدّ فقط نجاحاً تنظيمياً، بل هو رهان وطني طويل الأمد على تأهيل الرأسمال البشري المغربي.
من هنا، تبرز أهمية أن تكون معايير الانتقاء موضوعية وشاملة، تراعي تنوع الخلفيات الجغرافية والاجتماعية، وتمنح الفرصة لأكبر عدد ممكن من الشباب لخوض هذه التجربة المفصلية في حياتهم.
من الضروري الإشارة إلى أن الصورة النمطية التي كانت تُلصق بالخدمة العسكرية في الماضي بدأت تتلاشى تدريجياً، بفضل البرامج التأطيرية المتقدمة، والتحفيزات المادية والاجتماعية التي تُمنح للمجندين.
فأداء الخدمة العسكرية لم يعد يُنظر إليه كعقوبة أو عبء، بل كفرصة لبناء الذات والمساهمة في الوطن بروح إيجابية.
اجتماع وزارة الداخلية الأخير لم يكن مجرد محطة إدارية، بل لحظة رمزية في مسار بناء جيل جديد من الشباب المغربي، جيل مسلح بالقيم والانضباط، وقادر على مواجهة التحديات التي يفرضها العصر.
ومع اقتراب فاتح شتنبر 2025، تبقى الأنظار موجهة إلى كيفية تنفيذ هذا الورش الوطني على أرض الواقع، وعلى مدى نجاحه في خلق نموذج مواطن فاعل، مسؤول، ومندمج في مشروع مجتمعي مغربي حديث، قوي ومتوازن.
التعليقات مغلقة.