أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

غياب المكتبات العمومية في الحسيمة يفرض على الطلبة استبدال الفضاءات الثقافية بالمقاهي المزدحمة

المداني أفريني

وسط مدينة الحسيمة، وبعد إقدام السلطات على إزالة المركز الثقافي الوحيد، يجد الطلاب أنفسهم مضطرين إلى استعمال المقاهي المكتظة بالدخان والضجيج كمنافذ للدراسة والمراجعة، في ظل غياب فضاءات عمومية مخصصة للتعليم والثقافة.

هذه المعاناة ليست مجرد مشكلة تنظيمية، بل تعكس غياب البنية الأساسية التي تضمن حق التعلم للجميع. فالكتب، المراجع، وفضاءات القراءة التي يفترض أن تكون متاحة مجانًا ويشرف عليها القطاع الثقافي، غابت بشكل كامل، مما دفع الطلبة إلى اللجوء للمقاهي كمراكز موقتة للمراجعة، رغم ما يترتب على ذلك من تكاليف إضافية وتشتت للتركيز.

المكتبة العمومية ليست ترفًا أو خيارًا ثانويًا في مدينة مثل الحسيمة، بل هي ضرورة مجتمعية تربوية، توفر الفضاء الهادئ للتركيز، وتقرب المتعلم من المعرفة، وتساهم في تأصيل ثقافة الاطلاع والبحث العلمي. في جميع المدن ذات البنية التحتية المتطورة، تتوفر مكتبات عمومية تفتح في مختلف الأوقات، وتحتوي على مراجع حديثة ومرافق مناسبة، تفتح أبوابها دون تمييز، وتعد ركيزة أساسية لترسيخ الحق في التعليم.

لكن في الحسيمة، يغيب هذا التصور تمامًا، ما أدى إلى ازدحام المقاهي بالطلاب، وضياع ساعات طويلة وسط أصوات التلفاز والهواتف، مقابل تكاليف مرتفعة لا تتحملها العديد من الأسر. فالتعليم لا يقتصر على المحتوى الدراسي، بل يتطلب بيئة ملائمة تشجع على التعلم الذاتي، المناخ المناسب والمحفز الذي تنقصه مراكز ثقافية، تفتح أبوابها للجميع وتحتضن الراغبين في المعرفة.

هذا الواقع المقلق يقتضي تحركًا عاجلًا من الجهات المعنية، وفقرة عاجلة لإنشاء مركز ثقافي ومكتبة عمومية تخدم المدينة، وتوفير فضاءات معرفية تستوعب الطلبة والمثقفين، وتعيد للمشهد الثقافي مدينته التي تفتقر إليها. تكلفة إنشاء مكتبة أو مركز ثقافي، على أهمية محتواها، تظل أقل بكثير من التكاليف المترتبة على استمرار الاعتماد على المقاهي كمراكز للدراسة، وتحقق نفعًا دائمًا للمجتمع.

الساكنة تطالب اليوم بشكل واضح بإعادة الاعتبار للثقافة والمعرفة، باعتبارهما حقًا أساسيًا وليس امتيازًا، من خلال إنشاء فضاءات علمية عمومية، تضمن للمواطنين حظهم في التعلم والتطوير الذاتي، بعيدًا عن غيابات التجهيل والإقصاء.
السؤال اليوم، في هذا السياق، هو: ما الذي يجعل مدينة كحسيمة تفتقر لمركز ثقافي ومكتبة عامة، وما المسؤولية التي تقع على عاتق الجميع في توفير بيئة تشجع على العلم والمعرفة لأبنائها

التعليقات مغلقة.