قال الرئيس الأول لمحكمة النقض والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ، مصطفى فارس، اليوم الاثنين بمراكش ، إن القضاة أمامهم اليوم تحدي تكريس الثقة في ظل عالم متسارع ومفاهيم متغيرة وإشكالات معقدة تثير الكثير من اللبس والغموض.
وأضاف في كلمة خلال افتتاح أشغال المؤتمر الدولي الأول حول العدالة المنظم تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس حول موضوع “استقلال السلطة القضائية بين ضمان حقوق المتقاضين واحترام قواعد سير العدالة “، أن القضاة مطالبون أمام هذا التحدي بالتبصر والتجرد والشفافية ، وبتدبير التوازن والتعاون بين السلط ومواجهة التأثيرات المختلفة بكل حزم ويقظة خدمة للعدالة وتجسيدا للقيم والأخلاقيات القضائية.
واستطرد قائلا “نحن أمام رهان إيجاد عدالة قوية مستقلة مؤهلة ومنفتحة على محيطها الوطني والدولي تواكب كل هاته المستجدات بتفاعل إيجابي وتعاون مع باقي الفاعلين”.
وسجل الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ، أن المجتمعات المعاصرة مدعوة في إطار سعيها إلى بناء أنظمة ديمقراطية ناجعة ومتينة، إلى استحضار ضمن مقوماتها إصلاح منظومة القضاء وتعزيز استقلاليته على اعتبار أنه يشكل الدعامة الأساسية التي يفترض أن تحمي الديمقراطية وتقويها من خلال فرض سيادة القانون وإعطاء بعد قوي لمبادئ المسؤولية والمحاسبة والحكامة والتخليق.
وأكد ، في هذا السياق ، على قوة القضاء ونزاهته كواقع عملي يؤثر بشكل مباشر في زيادة النمو الاقتصادي ويؤسس لفضاء آمن للاستثمار يضمن به الاستقرار الاجتماعي والأمني والحقوقي وينتج آفاقا أرحب للتنمية البشرية في أبعادها المختلفة.
وشدد فارس على أن السلطة القضائية “كانت وستبقى دائما صمام الأمان ، سلطة صراعها لن يكون مع أي سلطة أخرى وإنما معركتها الحقيقية هي سمو الحق وسيادة القانون وصون المكتبسات ومكافحة الفساد بكل صوره وأشكاله وضمان الحقوق والحريات”.
وأشار من جهة أخرى ، إلى أن هذا المؤتمر يعقد بمناسبة الذكرى الأولى لحدث تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية في حلته الجديدة بعد دستور 2011، والذي يعد نموذجا مغربيا متفردا لسلطة قضائية بتركيبة متنوعة منفتحة واختصاصات متعددة وأدوار مجتمعية كبرى ذات أبعاد حقوقية وقانونية متميزة وبروح إصلاحية عميقة.
وبعد أن استعرض المؤشرات الايجابية حول حصيلة عمل القضاء الجالس منذ إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أكد السيد فارس، أن “هذه المؤشرات تبعث رسائل ثقة تؤكد للجميع أنه لا تخوف على مستقبل استقلال السلطة القضائية ببلادنا وتطالبنا باهتمام أكبر بالعنصر البشري من مسؤولين قضائيين وقضاة الذين يحتاجون إلى الكثير من الدعم والتشجيع مع العناية بأطر وموظفي كتابة العمود الفقري للعدالة وللسلطة القضائية”.
ويعرف هذا المؤتمر ، المنظم من قبل رئاسة النيابة العامة على مدى ثلاثة أيام، مشاركة مجموعة من وزراء العدل ورؤساء مجالس عليا للقضاء ورؤساء نيابات عامة، إضافة إلى منظمات وهيئات حقوقية ومهنية وخبراء وأكاديميين من عدد من الدول.
وتميزت الجلسة الافتاحية لهذا المؤتمر، الذي يأتي في إطار الاحتفال بالذكرى الأولى لتنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمملكة المغربية وما تلى ذلك من إقرار لاستقلال النيابة العامة، بالرسالة السامية التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس للمشاركين والتي تلاها السيد عبد اللطيف المنوني، مستشار صاحب الجلالة، فضلا عن إزاحة الستار عن الطابع البريدي الذي أصدره بريد المغرب تخليدا لهذه الذكرى.
ويكتسي موضوع المؤتمر أهمية بالغة وراهنية على صعيد مختلف الأنظمة القضائية التي تسعى إلى تعميق دورها في صون الحقوق والحريات وفي ترسيخ الأمن القضائي اللازم للدفع بعجلة التنمية وحماية المجتمع، كما يشكل فرصة سانحة للمشاركين على اختلاف أنظمتهم القضائية لتشخيص ما يعترهضم من تحديات وتقديم ما يرونه من إجابات شافية وحلول مبتكرة لمواجهتها على ضوء المبادئ الكونية التي يتقاسمونها.
ووضعت رئاسة النيابة العامة، بهذه المناسبة، مع مختلف الشركاء الساهرين على إنجاح هذا المؤتمر الأول من نوعه في المغرب، برنامجا مكثفا، ينكب على مناقشة محاور تهم تطور استقلال السلطة القضائية في عالم متغير، وحكامة الإدارة القضائية وتعزيز نجاعتها، وإنماء القدرات المؤسسية لمنظومة العدالة وتخليق منظومة العدالة.
وتشهد فضاءات المؤتمر، أيضا، مشاركة مسؤولين برئاسة النيابة العامة من أجل تقديم تجاربهم المميزة في تطوير عمل النيابة العامة وتفعيل دورها في حماية الحقوق والحريات وتعزيز الولوج إلى المؤسسة القضائية، ومن أجل عرض حصيلة عمل مؤسسة رئاسة النيابة العامة في صيغتها الجديدة بعد سنة على اعتماد نظام قضائي جديد بالمملكة واستقلال مؤسسة رئاسة النيابة العامة.
كما يشكل هذا المؤتمر مناسبة لاطلاع المسؤولين القضائيين برئاسة النيابة العامة على تجارب دولية وعلى الإشكاليات التي رافقت أوراش تنزيل استقلال السلطة القضائية بدول أخرى.
التعليقات مغلقة.