فاس: بين بريق الواجهات ووجع العمق.. سقوط العمارة يكشف المستور
عيدني محمد فاس
أصوات من الرباط
اهتزت مدينة فاس مؤخرًا على وقع فاجعة سقوط عمارة في حي ابن دباب، مخلفة وراءها خسائر في الأرواح وصدمة في نفوس الساكنة. لم تكن هذه الحادثة مجرد خبر عابر، بل كانت صرخة مدوية كشفت عن حجم التدهور العمراني والمعماري الذي ينهش في صمت أجزاء واسعة من المدينة، خاصة في عمقها الشعبي وأزقتها الضيقة.
فاس، المدينة العريقة التي لطالما تغنى بجمالها وتراثها، تبدو اليوم وكأنها تعيش ازدواجية صارخة. فبينما تتلألأ الواجهات التي تم ترميمها وتزينت بها الشوارع الرئيسية، يئن العمق تحت وطأة الإهمال والتصدعات التي تنذر بانهيار وشيك.
المدينة القديمة، التي صنفتها اليونسكو تراثًا عالميًا، لم تسلم هي الأخرى من هذا التدهور. فالمباني التاريخية تتداعى، والأسوار تتصدع، والأزقة الضيقة تعج بالنفايات والأوساخ. أما في الأحياء الشعبية، فالوضع لا يختلف كثيرًا. منازل متلاصقة، مبنية بمواد هشة، تعاني من نقص الصيانة والإهمال، مما يجعلها عرضة للانهيار في أي لحظة.
أسباب هذا التدهور متعددة ومتشابكة. فمن جهة، هناك الإهمال الذي طال هذه الأحياء لعقود، وغياب أي تدخل جدي لترميم المباني والحفاظ عليها. ومن جهة أخرى، هناك البناء العشوائي الذي تفاقم في السنوات الأخيرة، والذي أدى إلى تشويه النسيج العمراني وزيادة الضغط على البنية التحتية الهشة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: أين دور المسؤولين؟ أين هم البرلمانيون الذين يمثلون المدينة؟ أين هي الوزارة الوصية على قطاع الإسكان والتعمير؟ أين هي الجماعة الحضرية التي يفترض أن تسهر على سلامة المواطنين والحفاظ على جمالية المدينة؟
إن ما يحدث في فاس اليوم هو بمثابة جريمة في حق تاريخ المدينة وتراثها، وفي حق سكانها الذين يعيشون في خوف دائم من انهيار منازلهم فوق رؤوسهم. فهل يكفي ترميم بعض الشوارع وتزيين الواجهات لإخفاء هذا الواقع المرير؟ وهل يمكن اعتبار ذلك كافيًا لتهدئة ضمائر المسؤولين؟
إن مدينة فاس تحتاج اليوم إلى خطة استعجالية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. خطة تهدف إلى ترميم المباني المتداعية، وتوفير الدعم المالي والتقني للسكان من أجل ترميم منازلهم، ومكافحة البناء العشوائي، وتفعيل القوانين والأنظمة المتعلقة بالترميم والحفاظ على التراث.
إن مستقبل فاس، المدينة العريقة، على المحك. فهل سيتمكن المسؤولون من تحمل مسؤوليتهم والتحرك لإنقاذها، أم أنهم سيتركونها تنهار وتتحول إلى مجرد ذكرى في كتب التاريخ.
التعليقات مغلقة.