أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

فاس تتنفس عبق التاريخ.. كيف تواجه المدينة تحديات الحاضر للحفاظ على إرثها العريق؟

بقلم: عيدني محمد – فاس

أصوات من الرباط

تتميز فاس، المدينة العريقة التي تُعرف بـ”عاصمة العلم والدين”، بجذورها الممتدة عبر قرون من الزمن، وتاريخها الحضاري الفريد الذي جعلها تُدرج ضمن التراث العالمي لليونسكو. غير أن تحديات العصر الحديث تفرض على هذه المدينة المجتهدة أن تواجه تحديات معقدة وحيوية، تتعلق بالمحافظة على تراثها، وتحقيق التنمية المستدامة، وتوفير حياة كريمة لمواطنيها. فهل استطاعت فاس أن تتوازن بين الأصالة والمعاصرة، أم أن التحديات تتراكب وتُهدد مستقبلها؟

المعركة من أجل الحفاظ على التراث
تمتلك فاس إرثاً حضارياً فريداً، من المساجد والمدارس العتيقة، والأسواق التقليدية، والأحياء القديمة التي اهتزت عبر قرون من الزمن، لتظل حية في عقول وقلوب ساكنيها وزوارها. ولكن، مع مرور الزمن، ظهرت عوامل مخربة تهدد هذا التراث، من بينها التمدن العشوائي، وتدهور البنية القديمة، وتزايد التهديدات البيئية، التي تستنزف العنصر الأثري بكل ما تحمله من عبق التاريخ.

وفي سياق ذلك، تبذل الجهود على مستوى المؤسسات المحلية والهيئات الدولية من أجل صيانة المدينة، وتهيئتها لتظل شاهداً على الحضارات القديمة، لكن الإشكال يكمن في ضعف التمويل، وظُروف الوضع الاقتصادي الذي لا يتيح دائما استثمارًا كافياً في عمليات الترميم والتأهيل.

التنمية الاقتصادية وتحدياتها
رغم أن فاس تُعقد آمالا كبيرة على السياحة كمصدر رئيسي للدخل، فإنها تواجه توترات ملحوظة، خصوصاً مع نقص الاستثمار وغياب برامج تنموية واضحة تضمن استدامة الموارد، وتوفير فرص عمل حقيقية للشباب، وتقليل الفوارق الاجتماعية. يُضاف إلى ذلك، قضايا الاطراغ الاقتصادي، من ارتفاع معدل الفقر، وازدياد نسبة البطالة بين فئة الشباب، الأمر الذي يتطلب تحركاً عاجلاً من طرف المسؤولين، لخلق بيئة استثمارية جاذبة، وضمان توزيع عادل للثروات.

المشروعات الكبرى ومستقبل المدينة
من بين المبادرات التي أُطلقت في السنوات الماضية، مشاريع الترسانة الكبرى التي تهدف إلى تحديث المرافق والخدمات الأساسية، مثل الطرق، والماء، والكهرباء، والبنية التحتية الصحية، إلا أن الوتيرة تبقى بطيئة، والمعوقات التي تواجهها كثيرة، من بيروقراطية وغياب تنسيق، وافتقاد الرؤية الاستراتيجية الواضحة.

في إصدار قرارات جريئة وواقعية، تحتاج المدينة إلى إدارة رشيدة تضع برامج واضحة، وتعمل على إشراك المجتمع المدني، والفاعلين الجمعويين، والمواطنين، للمساهمة في بناء مستقبل المدينة على أسس متينة تضمن استمراريته، وتحافظ على هويتها التاريخية.

هل فاس قادرة على التوازن بين ماضيها وحاضرها؟
إن الحفاظ على هوية فاس التاريخية، يتطلب جهداً جماعياً، ووعياً اجتماعياً، وتعاوناً مثمراً بين مختلف الجهات المعنية. كما يتطلب، أيضاً، خطة تنموية تتبنى الابتكار، وتوظيف التكنولوجيا، والتشجيع على المبادرات المبدعة التي تساهم في النهوض بالمدينة وجعلها أكثر تواصلاً مع ركب الحضارة الحديثة، دون التخلي عن قيمها وتقاليدها العريقة.

ختاماً
تبقى فاس، رغم كل التحديات، منارة تزداد لمعاناً مع كل محاولة صادقة لترميمها، وتحقيق التنمية المستدامة التي تعود بالنفع على الأجيال القادمة. إذن، علينا جميعاً أن نستثمر ونعمل، لأن فاس تستحق أن تظل رمزا للتاريخ والتقدم في آنٍ واحد.

التعليقات مغلقة.