فاس: في خطوة جريئة جماعة عين الشقف تطرح موضوع علاقة المجالس بالمجتمع المدني في إطار الديمقراطية التشاركية
أصوات: مكتب الرباط
تخليدا للذكرى 60 لعيد الشباب المجيد والذكرى 70 لثورة الملك والشعب واستحضارا لمعاني الذكرين معا بما تحملانه من قيم ودلالات وطنية كبرى، دفاعا عن الوطن وعن وحدة المغرب الترابية وتسليطا للضوء على الوشائج المثينة التي تربط العرش العلوي برعاياه الأوفياء من طنجة للكويرة، نظمت جماعة عين الشقف بشراكة مع فعاليات المجتمع المدني بالجماعة، يومه السبت 19 غشت الحالي، بمقر الجماعة، ندوة ثقافية فكرية، أطرها الأستاذ محمد الفقيهي، الأستاذ بكلية الحقوق ظهر المهراز بفاس، في موضوع “الديمقراطية التشاركية المفهوم وطرق التصريف والتنزيل” والتي عرفت حضورا نوعيا، والتي أدارتها باقتدار وسعة الأستاذة أمينة الدخيسي، عضور المجلس.
محور هام جدا ومتشعب أحسنت جماعة عين الشقف في اختياره، لما يحمله من دلالات استثنائية من حهة نقاش هذا المحور الدستوري الهام وارتباطه بالتدبير الجماعي داخل أسوار الجماعة لمناقشة قضية تتعلق بشكل العلاقة المفترضة بين المؤسسات المحلية والمجتمع المدني والمواطنين وفق ما نص عليه دستور 2011 بدلالته وأعماقه العميقة والبناءة.
كما تنبع من الإيمان بحرص جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، والتزامه لفائدة الشباب من أجل مساهمتم في الدينامية المجتمعية، وتعزيز مشاركتهم السياسية والاقتصادية، التي تقدم الحق في تقديم العرائض كحق دستوري، منصوص عليه في الفصل 15 من دستور 2011، كأحد أهم المكتسبات الدستورية الهادفة إلى ضمان إشراك المواطنين المغاربة بشكل مباشر في العملية السياسية في البلاد.
وفي هذا السياق وقف الأستاذ المحاضر على دلالات المفهوم باعتباره وسيلة لنقل مطالب المواطنين مع توفير الضمانة القانونية المنظمة والمؤكدة على هذا الحق، وإلزام المؤسسات الرسمية بتقديم الجواب والاعتماد أو التعليل في حالة الرفض.
كما وقفت المداخلة حول القانون التنظيمي رقم 44-14 المتعلق بتحديد شروط وكيفية ممارسة الحق في تقديم العرائض للسلطات العمومية، والقانون التنظيمي رقم 64-14 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع الصادر سنة 2016.
وعلى مستوى البلديات المحلية، فإن الحق في تقديم العرائض تمّ التنصيص عليه في البند 139 من الدستور وتمّت المصادقة عليه من طرف مختلف القوانين التشريعية المتعلقة بالبلديات المحلية.
على الرغم من منح الحق في تقديم العرائض إلا أن الواقع يؤكد شح الاستفادة من هذا الحق فما السبب في ذلك؟
أكد المحاضر كما النقاش على أنه وعلى الرغم من الزخم الذي صاحب تنزيل دستور 2011، إلا ان ما تلاه تميز بشح في ممارسة هذا الحق، وهو ما عززه الأستاذ المحاضر بالأرقام والمعطيات الإحصائية.
كما تم الوقوف على العوائق التي تعرقل تنزيل هذا الحق الدستوري، والتي تتوزع ما بين التعقيدات الرسمية الكثيرة التي تعطّل تنفيذ الإطار القانوني المنظم لممارسة هذا الحق، إضافة إلى غموض هذه الألية من طرف السلطات العمومية، فضلا عن التعقيدات التي قيد بها القانون التنظيمي ممارسة هذا الحق، وعدم معرفة فعاليات المجتمع المدني والمواطنين لكيفية ممارسة هذا الحق، وهو ما وضع فعالية نظام العرائض باعتبارها وسيلة للمطالبة بحق المواطنين موضع تساؤل.
على السلطات أن تعمد إلى تقديم المعلومات بشكل فوري وأكثر شفافية
من أجل تجاوز العراقيل التي تصاحب تنزيل هذا الحق، فالمطلوب من السلطات العمومية أن تعمل على توفير المعلومات بشكل فوري وأكثر شفافية في موضوع العرائض المتوصل بها.
المطلوب تبسيط المساطر وتجنّب العيوب التي تسببت في عدم قبول العرائض المقدمة حتى الآن، وأيضا عرض البيانات المتعلقة بالعرائض على المستوى المحلي مع تدقيق المواضيع المثارة في سياق هاته العرائض، سواء تلك التي تم قبولها أو التي تم رفضها وتوضيح أسس الرفض.
كما أن المطلوب هو المزيد من التواصل وتنزيل هذا الحق كممارسة والتوعية بممارسته، وهو ما أقدمت عليه جماعة عين الشقف في محاولة جريئة تستحق عليها كل الثناء والتقدير، وهو ما عبر عنه الجمع الحاضر لتلك المحاضرة والذي وقف حول أهمية المحتوى والتقدير لجرأة المجلس في طرح موضوع تذبيري يتجاوز الديمقراطية التمثيلية إلى الديمقراطية التشاركية باعتبارها من أهم الأسس التي تميز الديمقراطيات المعاصرة.
دستور 2011 اعتبر المشاركة أساسا لتعزيز الديمقراطية
أقّر الدستور المغربي لعام 2011 أهمية سياسات المشاركة معتبرا إياها خطوة أساسية نحو تعزيز الديمقراطية في المغرب، مقرا بأهميتها لترسيخ علاقة سياسية جديدة بين الدولة والمواطنين، في إطار التقاسم العادل للسلطة، وتأسيس نوع جديد من المواطنة قائم على الفعالية وتوفير الإمكانات للمواطنين من أجل المساهمة بشكل مباشر في الحياة السياسية للبلاد.
وعلى الرغم من أهمية الخطوة الدستورية والفلسفة التي رامت تحقيقها إلا أن القانون التنظيمي رقم 44-14، قيد هاته الممارسة وبالتالي حد من إمكانية ممارستها من جهة عدد التوقيعات المطلوبة لدعم العريضة.
وإلى جانب التوقيعات يلزم ذات القانون أن يتضمن ملف العريضة الورقي أرقام بطاقات الهوية الوطنية ونسخا منها، وهو ما يحد من عدد الراغبين في التوقيع على العريضة بسبب التوجس من المؤسسات العمومية، إضافة إلى ضرورة تسجيل المواطنين في اللوائح الانتخابية حتى يتم اعتماد توقيعهم في العرائض المقدمة.
شروط حدت من ممارسة هذا الحق الدستوري وحالت دون تحقيق مشاركة وازنة من المواطنين عبر هذا الحق.
يضاف إلى ذلك طبيعة المواضيع المثارة والتي من الممكن أن تعرض العريضة للرفض، علما أن شروط قبولها تبقى غامضة حيث نص المشرع على أن قبولها مرتبط بخدمة “المصلحة العامة” وأن تكون “قانونية” و “مكتوبة بوضوح”، وهو ما يترك للسطات العمومية حق تقدير “المصلحة العامة” و”القانونية” و”الوضوح”.
هدف الديمقراطية التشاركية تحقيق أكبر مشاركة في وضع ومراقبة السياسات العمومية
نظريا يبقى أن اعتماد هذا الحق ضروري لتحقيق نوع من التوازن بين المؤسسات والسلطة التطعيمية أو الرقابية أو التوجيهية من خلال الاقتراحات المؤدية لتجويد السياسات المحلية وممارسة سياسة القرب من المواطنين في الإعداد والتنزيل، وجعل المواطن مشاركا في هاته العمليات، وإدماج المواطنين في العملية السياسية للبلد.
ووقف المحاضر أيضا حول تعريف العريضة وفق النص القانوني، والتي عرفها ضمن القانون التنظيمي رقم 44-14 خاصة في الفصل 2 منه بكونها ” كل طلب مكتوب يتضمن مطالب أو اقتراحات أو توصيات يوجهه بصفة جماعية مواطنات أو مواطنون مقيمون بالمغرب أو خارجه إلى السلطة المعنية، قصد اتخاذ ما تراه مناسبا في شأنه من إجراءات في إطار احترام الدستور والقانون”.
فالغاية إذن تقسيم السلطات ما بين المواطنين والدولة، من خلال منح المواطنين الحق في تقديم موضوع ما إلى السلطات العامة المخولة بتطوير واتخاذ حلول للمواضيع التي يطرحها المواطنون، وهنا الأمر يقف في حدود وضع جدول الأعمال لا غير، على الرغم من أهمية الخطوة في التخفيف من تكلفة النشاط الاحتجاجي؛ ذلك أن وجود طريقة شرعية وقانونية لتقديم مطالب المواطنين يفرض على الجهات الحكومية الاستجابة.
وحاول المشرع من خلال القانون التنظيمي رقم 44-14 تقديم بعض الضمانات من أجل متابعة المبادرة من قبل السلطات العامة، في حالة القبول، مع إلزام السلطات العمومية باتباع جدول زمني محدد للإجابة على مبادرة المواطنين، وتعليل القرار في حالة رفض اعتماد العريضة.
موضوع هام وخطوة تستحق الثناء والتقدير لجماعة عين الشقف
ما يمكن قولة أن جماعة عين الشقف مشكورة قدمت موضوعا هاما للنقاش المجتمعي وعرضت الإمكانات الدستورية الممنوحة ليس للمجتمع المدني فحسب ولكن لعموم المواطنين لممارسة حق المشاركة في العمل السياسي من خلال العرائض التي توجه للمؤسسات العمومية والتي يبقى البث فيها ضروريا وضمن الآجال القانونية المحددة قانونا، سواء بالقبول الذي يعني اعتمادها ضمن جدول أعمال المجالس، أو تعليل الرفض في الحالة المعاكسة، وهو ما يجعل المواطن شريكا فعليا في التنمية.
وهو ما زكاه النقاش الذي تلا العرض والذي وقف على كل الجوانب الإيجابية في المسعى وأيضا العراقيل التي تم التطرق إليها سواء تلك المتعلقة بالعدد المطلوب لقبول العريضة، أو تقديم نسخة من بطاقة التعريف الوطنية والتسجيل في اللوائح الانتخابية، مؤكدة على أهمية المشاركة المواطنة في البناء والتنمية.
الأستاذ محمد عيدني: الفلسفة الملكية لمبدأ الديمقراطية التشاركية أقوى من القانون التنظيمي الذي عطل ممارسة هذا الحق
مداخلة الأستاذ محمد عيدني، مدير مجموعة أصوات ميديا، كانت متميزة حيث وقف على أهمية المحور المطروح للتداول، وأيضا العراقيل التي تعوق تنزيل هذا الحق وتنزيل الفلسفة الملكية السامية التي من أجلها دعا جلالته لاعتماد الديمقراطية التشاركية مبدأ دستوريا تم التنصيص عليه ضمن ديباجة دستور 2011، والذي لم يستطع القانون التنظيمي أن يساير أهدافه السياسية والاقتصادية والتنموية، وهو ما أوجد خللا بين الطموح الدستوري والتقييد لممارسة هذا الحق من جهة القانون التنظيمي.
النائب الأول لرئيس جماعة عين الشقف: المجلس يعمل على التقيد بهذا المبدأ الدستوري وجميع الاقتراحات التي تخدم عين الشقف مرحب بها دون تمييز
التعليقات مغلقة.