فاس: ملاحم الروح والدم في سجل الخلود — الحلقة الأولى
بقلم الأستاذ محمد عيدني
أصوات من الرباط
الحجم الحقيقي للمقاومة يبدأ من جذور التاريخ
تقديمًا لملحمة المقاومة، نسرد في هذه السلسلة من المقالات صفحات تاريخ عاصمة العلم والإيمان، فاس، التي لم تكن يوماً مجرد مدينة عادية، بل كانت لدى شعبها رمزًا للكرامة والصمود، منذ قرون مضت وحتى يومنا هذا. فاس، التي حملت أمانة التراث والمعرفة، عاشت في قلبها نضالات وتضحيات، وقاومت كل محاولات المساس بسيادتها، وأصبحت قصة كفاحها شاهدة على مدى عراقة وعزة هذا الوطن.
فاس عاصمة الرفض: غبار التاريخ يمتزج برائحة المقاومة
منذ أن استقرت أقدام الأجداد في أزقةها، وعراقة تراثها يصرخ بحكايات عن التوحيد، العلم، والصمود. فاس، بحضورها التاريخي، كانت وما زالت مرادفًا للعزة الوطنية، ومهدًا للمقاومة التي تجذر أُساسها في عمق العقيدة والوعي الجمعي.
تاريخ فاس، المدينة التي تربعت على عرش العلم والمعرفة، يعكس بذور المقاومة المبكرة التي كانت تنمو في بيئة من الأُلفة بين الأفراد، وتماسك المجتمع، وتمسك الأئمة والحرفيين بسيادة الوطن. فلقد تجاوزت مقاومة فاس حدود المظاهر، لتكون صرخة ضد كل مظاهر الاستعمار والطغيان، ومبدأ راسخًا في الوجدان الجمعي أن لا استسلام أمام الاعتداء على السيادة.
السياق التاريخي: غيوم الاستعمار تلوح في الأفق
مع بداية القرن العشرين، بدأت رحلة التحدي من فاس، حين بدأت القوى الأوروبية الكبرى تتصارع على النفوذ، وبدأت المعاول تتجه نحو المغرب، الذي كان يحمل طموحات وطموحات الشعب المغامر، على أمل الحفاظ على استقلاله وكرامته.
في ظل هذه الأحداث، كانت فاس دائمًا في مركز العاصفة، إذ لم تكن مجرد متفرجة، بل كانت صانعة للمقاومة. فكل معاهدة، وكل إجراء استعماري، استنهضت عزيمة أهلها، وأيقظت روح التحدي، ليصبح الدفاع عن السيادة، مهمة مقدسة توارثتها الأجيال.
بوادر المقاومة: الروح الفاسية تزداد تأجًا
قبل أن يتحول الرفض إلى ثورة مسلحة، كانت فاس تظهر ملامح التمل، ذلك التمل الذي كان يختصر في تجمعات العلماء، والحرفيين، والتجار، الذين استشعروا خطورة الغزو الثقافي والاقتصادي، وعبروا عن رفضهم بكل الوسائل السلمية الممكنة.
وفي الأسواق، بين مقاهي المدينة، وفي حلقات العلم بمحيط جامعة القرويين، كانت أصوات الصدح برفض الاستعمار تسمع والقلوب تتطلع إلى الغد بحرية وكرامة. إن تلك المظاهر لم تكن سوى شرارات، أضاءت درب النضال الطويل، الذي كان ينتظر اللحظة الحاسمة ليشتعل.
شخصية فاس: أصالة وتشبث بالعناد والحرية
الفاسي، بطبعه، كان رمزًا للكرامة والاعتزاز. شخصية جمعت بين الحكمة والدين والعزة الوطنية، كانت روح المقاومة تتجسد في قوة إرادته، وفي حفاظه على مبادئه. عشق العلم، واعتزاز بالدين، وولاء للوطن، شكّلوا جينات الشخص الفاسي، الذي لم يرضَ أن يُهان أو يُنتقص من حقوق وطنه.
هذه الشخصية النضالية كانت أساسًا لروح المقاومة، إذ كان التوق إلى الحرية، والتمسك بالمبادئ، من أهم سماتها. لذلك، لم تكن مقاومة فاس مجرد حدث عابر، بل كانت استجابة لروح أصيلة، ووجدان مكنون في عمودها الفقري.
خاتمة الحلقة: جذور راسخة في عمق التاريخ
الملحمة التي سطرتها فاس، وقفت شامخة أمام كل محتل، وكانت نبراسًا للطموح والكرامة. مقاومتها لم تكن مجرد رد فعل، بل كانت تجسيدًا لروح وطنية عميقة، انبعثت من تاريخ عريق، ومن قلب شعب يقدّر الحرية والدين والكرامة.
إن العبر المستفادة من هذه الصفحات، تشجعنا على التماسك، وعلى استمرار مسيرة المقاومة، ودفاعنا عن مقدساتنا، لأنها ليست مجرد كلماته، وإنما سجل خالد لجذور عميقة، تقف شامخة أمام العواصف، موجهة رسائل أن شعب فاس لن يقبل بالذل، ولن يركن لغير الحرية والكرامة.
وفي الحلقة القادمة
سنتطرق إلى الشرارة التي أشعلت لهيب المقاومة بشكل واسع، وكيف توحدت جميع فئات الشعب لمواجهة الاحتلال، وما التضحيات التي قدمتها فاس من أجل استرجاع كرامتها وسيادتها
وجدة تحتفي بالاقتصاد الاجتماعي لتعزيز التنمية الشاملة.
التعليقات مغلقة.