أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

فوضى السامري الثقافي ووهم أغنية “دوزا” لبوز فلو

بقلم: عماد فجاج

في مقال سابق، تحدثت عن ظاهرة السامري الثقافي، هذا الكائن الذي يتوسط بين الماضي والحاضر، يخلق عالما زائفا من المعاني ويقود الجماهير نحو وهم الخلاص. إنه أشبه بمخرج لعرض دائم، حيث يمزج الحقائق بالأكاذيب ليقدم “عجلا جسدا له خوار”، يوهم الجماهير بأنه مصدر الحلول بينما يغرقهم أكثر في فوضى الحداثة. لكن السؤال الذي يصرخ في الذاكرة هو: كيف نكسر هذه الدائرة المغلقة التي تغذيها الأوهام وتبقي السامري الثقافي متربعا على عرش الغموض؟

لنبدأ بالحديث عن أغنية “Doza” لPause Flow، التي تصف حالة النشوة اللحظية، تلك اللحظة التي يبدو فيها كل شيء مكتملا، لكن سرعان ما يتبدد إلى فراغ. حين يقول النص: “بلغت النشوة ذروتها، زغاريد العرس ترتفع في قلب يرقص البدن”، فإنه يضعنا أمام مشهد يشبه تماما عمل السامري الثقافي؛ نشوة كاذبة تنفصل عن الواقع، تغذيها الصور والأفكار دون عمق حقيقي. يمكن إسقاط هذه اللحظة على مفهوم “البيك بانج الثقافي”، حيث يبدأ كل شيء بانفجار ضخم وتوسع هائل، لكنه ينطوي على فوضى داخلية لا تملك أي تماسك.

السامري الثقافي نفسه قد يلجأ لطلب النجدة من “بودا”، وهو ما يمكن اعتباره استعارة للبحث عن الخلاص في التأمل والعودة إلى الداخل. لكن المفارقة تكمن في أن السامري، بطبيعته، لا يستطيع أن يتوافق مع بودا، لأن الأول يعيش على الضجيج والصخب، بينما الثاني يدعو للصمت والسلام الداخلي. هنا، يبرز التناقض بين الاثنين، فالنجدة التي يطلبها السامري ليست سوى محاولة أخرى لخلق وهم جديد يضيفه إلى قائمته الطويلة.

لإنهاء دور السامري الثقافي، علينا أن ندرك أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في شخصه، بل في الأرضية التي يعمل عليها. الجماهير تبحث عن معنى وسط فوضى الحداثة، مما يتيح للسامري أن يزدهر. الحل يبدأ بإعادة تعريف الهوية الثقافية، بعيدا عن الوسائط الزائفة التي تقدم حلولا سطحية. التفكير النقدي هو المفتاح؛ بدلا من الانجراف مع كل فكرة أو صورة براقة، يجب أن نتعلم تفكيك الأفكار والبحث في أعماقها عن جذور المعنى.

الحل الآخر يكمن في العودة إلى الداخل، إلى التأمل. النشوة التي يقدمها السامري ليست إلا فقاعة مؤقتة، تماما كزغاريد العرس التي ترتفع لكنها سرعان ما تخفت. يجب أن نتعلم الإصغاء لأنفسنا وسط هذا الصخب، وأن ندرك أن الخلاص لا يأتي من الخارج، بل من استعادة توازننا الداخلي. وهنا، يكمن تفكيك أسطورة “البيك بانج الثقافي”، التي تجعلنا نلاحق انفجارات زائفة ونعتقد أنها بداية لحياة جديدة، بينما هي في الواقع مجرد استعراض.

في النهاية، السامري الثقافي هو انعكاس لما نسمح له بالوجود. دوره ينتهي عندما نتوقف عن دعمه، عندما نتوقف عن تصديق الوعود الزائفة ونختار بناء واقع حقيقي. النشوة الحقيقية ليست في اللحظة، بل في المسار المستمر نحو وعي أعمق ومعنى حقيقي. ربما كان من كتب هذا المقال مجنونا، لكنه يرى أن الخلاص ليس عند بودا، ولا في “Doza”، ولا حتى في “البيكبانج”. الخلاص يبدأ من الداخل، ومن القدرة على إنهاء العرض الذي أبقانا أسرى أوهام السامري.

التعليقات مغلقة.