أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

“فوكوشيما” اليابانية ، متلازمة الإنسان و الجشع و غضب الطبيعة.

محمد حميمداني

عشر سنوات مرت على الزلزال والطوفان “التسونامي” القاتل الذي ضرب اليابان، سنة 2011، والتي يحيي اليابانيون، اليوم الخميس ذكراه الحزينة، والتي انشطرت آلاما أكثر جراحا مع انشطار الإشعاعات النووية التي ضربت المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد، وما خلفته من فواجع عانقت سماء سمفونية الحزن المتحرك ولا زالت صورها لم تندمل بعد وحياة العديد من الأسر بالموقع معلقة.

ذكرى جمعت عصافير الصباح، وسيرت حشودا من الناس عبر متاهات الذكرى، وهم يحملون ورودا وباقات حياة، مهداة لمقابر احتوت أشلاء الحياة، وشواطئ ابتلعت كل الأحلام، وتركت أحبة مفصولين ما بين قاع البحر وقاع الذكريات السوداء التي تلف ساكنة الشواطئ من الأحياء.

توحدت كل الشرائح الاجتماعية في صور جنائزية للذكرى و الذاكرة، وبصمت المقابر المطبق، توحدت لغة الصمت دقيقة وزمنا اكتوى بناره الأحبة القريبين والبعيدين مهما سمت المسافات و تعمقت الجراح ، فسار الإمبراطور “ناروهيتو”، ورئيس الوزراء “يوشيهيدي سوغا”، وكل اليابان جنبا إلى جنب من أجل الحياة.

وقف الجميع أمام محطة “فوكوشيما دايشي” اليابانية، خشوعا للمصاب الجارف للأحلام، وأملا في مستقبل غامض قد يعيدهم إلى ذكريات الأحزان الغابرة، مع اتساع دائرة العشق في دواخلهم لسلطة المكان على الرغم من لعناته ، فبدأوا رحلة الاستقرار في أثون المجهول المغطى بخطر التلوث الإشعاعي ضمن دائرة الموت المحيطة بالمحطة، شمال العاصمة طوكيو.

السؤال المركزي هو كيف سيصبح للحياة معنى من خارج الذكرى الأليمة، ومن قلب تفاعلات التأثير الإشعاعي والحياتي والنفسي؟، فهل نبض الحنين بالحياة، ونجحت عمليات تبريد المفاعلات والتخلص من المياه المشعة، من تبريد الآلام والجراح والتخلص من الذكريات المميتة التي حملت البحر إلى المكان، وجرفت كل الأحبة كما الفرح والأحلام.

حينما قرر 14 ألف مواطن ركوب التحدي والعودة إلى الموطن ورفض التهجير، من مناطق كانت تشع حياة وحركة ونبضا بحوالي 88 ألف مواطن قبيل حلول الضيف غير المرحب به، الذي رج الأرض في 11 مارس 2011، بقوة غضب وصلت إلى 9 درجات على مقياس “ريختر”، وما حمله معه من ضيوف ثقال الظل هجروا المحيط ليسكنوا الأجساد ويشيدوا داخلها متاهات للنسيان وللأمل الذي يولد من قلب المعاناة الكبيرة، مهما كانت قوة تقاسيم الموت المصحوبة بعزف الناي الحزين.

ربما يكون انصهار قلب المفاعل النووي، هو انصهار لقلب إنساني أبدع في بناء كل أدوات الذمار والقتل، وما “هيروشيما” و”ناكازاكي” إلا أصدقاء ألم ل “فوكوشيما”، وما انطلاق غاز الهيدروجين داخل مبنى المفاعل إلا صرخة بضرورة إعلان المصالحة مع الطبيعة و احتواء لغة الموت التي تحتوينا، وتردي كل بسمة أمل، وابتسامة في محيا شبقية القتل الممتد في الجغرافيا والاستغلال المتوحش تحقيقا لرأسمال المالي على حساب الرأسمال البشري، والذي ينتج انشطارا بشريا و طبقية أكثر خطورة من انشطار وانفجار مبنى “فوكوشيما” وجيرانه من خلاصات الجشع الإمبريالي.

18.000 ألف من القتلى رقم ضخم بالفعل، يضاف له ما يقارب نصف مليون نازح هارب من غضب الموت المتنوع والموزع ما بين ثورة البحر والإشعاع، وحصار الحياة الممتدة ما بين ارتطام جدار المد الذي وصل إلى 40 قدما من مياه البحر بالساحل الشمالي الشرقي لليابان وبعنف، واندفاع المياه بقوة داخل محطة “دايتشي” في طوكيو، وما تلاه من حدوث انصهارات داخل ثلاث مفاعلات، وما أعقب كل ذلك من انهيارات في محطة “فوكوشيما دايتشي” النووية، وبالتالي نزوح ما يقرب من نصف مليون شخص.

فهل تكفي الأشغال الهائلة التي تنجز على مستوى المنطقة، من انتهاء من تشييد الطرق وخطوط القطارات وغيرها من البنية التحتية، والمساكن الرئيسية بتكلفة تزيد على 30 تريليون ين (280 مليار دولار)، في منح الساكنة ثقة بالحياة التي جرفها صخب الأرض، وزكاها زئير “تسونامي” القادم من أعماق البحر والمجهول، والذي فجر كل شيء في داخل الكيان الإنساني هناك، كما فعلها في السابق البطش البشري بكل من “هيروشيما” و”ناكازاكي”، فعلى الرغم من مشاريع الحياة ، فالأرض لا تزال فارغة في المدن الساحلية الواقعة شمالاً في محافظتي “مياغي” و”إيواتي”، حيث تسارعت الخسائر، في مشهد تقابل بين صور الموت والحياة في متلازمة الإنسان والجشع وغضب الطبيعة.

التعليقات مغلقة.