بعد الإنجاز التاريخي الرياضي للمنتخب الوطني المغربي لكرة القدم الذي أبهر العالم في مونديال قطر 2022، وما حضي باستقبال ملكي رفيع المستوى تثمينا لهذا الحدث غير المسبوق في سقفه الرياضي الوطني، وبعد ما حصل من ارتفاع في مؤشر البحث عن المغرب بمحرك غوغل وغيره في كل أنحاء العالم، شهدت الحركة السياحة بعدد من المدن المغربية، ومنها تلك التي ينتمي إليها لاعبو المنتخب الوطني، فضلا عن أثر تدوينة ملياردير أمريكي مالك شركة تويتر”إيلون ماسك” التي هنأ فيها المنتخب المغربي بعد تغلبه على رفاق “كرستيانو رونالدو” وهي المقابلة التي أهلت الأسود للمربع الذهبي، تدوينة اعتبرها الكثير دعاية سياحية للمغرب لا تقدر بثمن، بحيث نالت تغريدة هذا الأخير خلال ربع ساعة تفاعلا كبيرا وأعاد نشرها 44 ألف وأبدى إعجابه بها 256 ألف زائر.
هكذا توقع مهنيون سياحيون ومتتبعون أن يكون لِما حققه المنتخب المغربي من تميز رياضي، ومعه هذه الالتفاتة من قبل مالك شركة تويتر، أثر كبير على قطاع السياحة الوطنية معتبرين إياها فرصة ذهبية كي ليسترجع هذا القطاع الاستراتيجي في الاقتصاد الوطني حيويته المعهودة بعد ما أصيب به إثر جائحة كورونا، وبكيفية خاصة مدن مراكش وطنجة والرباط وفاس ومكناس وتطوان وأكادير وعدد من المواقع الشاطئية والرملية بالصحراء المغربية.
وبالتالي ما يمكن أن يحصل من دفعة قوية لهذا القطاع مستفيدا من هذه الانجازات الرياضية، وفي نفس الوقت من انجازات الدبلوماسية الرياضية المغربية في قطر، من خلال ما قد يحصل من ارتفاع لعدد السياح الذين سيختارون المغرب وجهة للزيارة في عطلهم، وذلك من اجل التعرف عليه وعلى موطن وبلاد الأسود والمنتخب الوطني لكرة القدم مدنا كانت أم بوادي، ناهيك عن اكتشاف ما تزخر به البلاد من مؤهلات سياحية طبيعية وثقافية وعمرانية تاريخية عالية القيمة الإنسانية والحضارية.
ويتبين من خلال الانطباعات الأولية والصورة العامة أن عددا من المدن المغربية السياحية، شهدت انتعاشا سياحيا هاما ومعبرا على أكثر من مستوى بعد انتهاء مونديال قطر، وعلى اثر ما خلفه المنتخب المغربي لكرة القدم من حضور رياضي متميز أثار ما أثار من اعجاب. ولعل ما سجل في هذا الإطار ارتفاع نسبة الإشغالات بفنادق بعض هذه المدن إلى حدود 80 بالمائة، تزامنا مع شهر دجنبر حيث احتفالات رأس السنة الميلادية مع توقعات نسبة إشغالات إلى 100 بالمائة، وهو ما يعني استرجاع قطاع السياحة المغربية لعافيته.
يذكر أن مدينة فاس وغيرها من المدن التي ينتمي إليها لاعبو المنتخب الوطني لكرة القدم، بحكم رغبة الأجانب من السياح في التعرف عليها من خلال ما تركه هؤلاء من بصمة وأداء رياضي وطني وصورة رفيعة جابت العالم من اقصاه الى اقصاه وقد شاهدها ملايير الناس في ربوع العالم. مدينة فاس هذه بدأت تتعافى سياحيا بناء على عدد السياح المقبلين على المدينة، والذين منهم من يكتشفها لأول مرة والفضل في ذلك إنجاز المنتخب الوطني التاريخي في قطر.
وإذا كانت الجهات الوصية على قطاع السياحة ومعها السلطات المحلية والإعلام والمجتمع المدني الفاعل في الحقل الثقافي الإنساني فضلا عن مؤسسات ثقافية وابداعية غيرها بفاس، قد تعبأت جميعها عبر توظيف جميع السبل الممكنة للتعريف بالمنتخب الوطني وبلاعبيه وأصولهم الاجتماعية ومواطن ولادتهم والمدارس التي تابعوا فيها دراستهم وطفولتهم وهوايتهم الرياضية في خطواتها الأولى، وهو ما أنعش فاس و الحركة السياحية بفاس.
فلماذا لا تكون تازة المجاورة لفاس بهذا القدر من الذكاء الترابي والاجتهاد لاستثمار الإنجاز التاريخي للمنتخب المغربي، من أجل تحريك المدينة وإخراجها من نومها العميق واقتصادها البئيس وتفاهة أنشطتها الثقافية وهدرها للمال العام لا غير، في متاهات وتفاهات وبهرجة ثقافية لا فائدة منها لا على المدى القريب ولا البعيد.
لماذا لم تتم تعبئة الفاعلين السياحيين بالمدينة والمجتمع المدني الفاعل في هذا المجال والباحثين والاعلاميين محليا وجهويا ووطنيا، للتعريف بالتاريخ الرياضي والكروي لتازة مثلا، والتعريف بلاعبيها الكبار الذين قدموا الكثير في مونديال 1986 و2022 من خلال ما كانوا عليه من بصمة وقوة ورفع للعلم الوطني عاليا في هذا الملتقيات الدولية الهامة جدا بالنسبة للاقتصاد والعلاقات الدولية وخاصة مجال التنمية السياحية.
لماذا لم يتم الاحتفاء من خلال اعمال ابداعية مسرحية وشعرية وتشكيلية وفنون شعبية بهذا الحدث وبناء تازة في مجال الرياضة على الصعيد الدولي والذين تألقوا وفي روحهم المدينة تازة، لماذا لم يتم استثمار انتماء اللاعب بوفال التازي مثلا وما خلفه من عطاء قوي، وما خلفته رقصته مع والدته التي جابت العالم من اقصاه الى اقصاه، وقد قدمت رمزية تلك الرقصة خدمة مجانية كبرى للمغرب لا تقدر بثمن في مجال الإشهار.
ولماذا لم يتم استثمار هذا الحدث الكروي وانجازاته ومعه رمزية وأبعاد الاستقبال الملكي للفريق الوطني الذي يضم تازيين، لإنعاش المدينة من خلال تناول الحدث وفق الذكاء الترابي المطلوب، ومعه التعريف بباقي اللاعبين التازيين اللامعين في الفرق الكبرى العالمية وما اكثرهم، الا يمكن أن يكون لكل هذا وذاك من الخطوات أثر في إخراج تازة من عزلتها ولو ظرفيا عوض التفاهات المبنية على الاستهلاك والهدر فقط وليس الانتاج والاضافة والتنمية.
لماذا لم تتم تعبئة وتحفيز الإعلام والثقافة البناءة الوظيفية والأنشطة والفرص المتاحة وسبل الاستثمار والتحفيز من أجل استقبال سياحي في حدود معينة لمن يرغب، لماذا لا يتم حسن استغلال الفرص التي تتاح على قلتها خدمة لهذه المدينة المنكوبة على أكثر من صعيد، وأين هو النبوغ التازي ونخبة تازة من مثقفين ومبدعين وجمعويين متبصرين استشارفيين.
وأين هي السلطات المحلية ورجال الاعمال والمنتخبين والهيئات المنتخبة وأعيان المدينة.
ما الذي أصاب هذه المدينة وأعمى بصيرة أهلها ومدبري شأنها حتى فقدت طريقها بخلاف ما كانت عليه الى عهد قريب، أين هم مثقفو تازة وثقافتها ورجالاتها…، ألم يكن من المفيد بالنسبة للمدينة استثمار حدث المونديال ووجود أبناء تازة ضمن المنتخب الوطني والاستقبال الملكي، عوض ما تجتره المدينة من بهرجة ثقافية لا طعم ولا رائحة ولا لون لها وقد باتت بالية من شدة جر واجترار، لماذا الهرولة بهذا الشكل الفضيع من أجل ما هو ريع أينما وجد وليس صوب ما ينفع البلاد والعباد.
الحديث في الموضوع حقيقة ذو شجون، لكن نعتقد أن الفرصة لم تضع بعد من أيدي المدينة، ومن ثمة نلتمس من الجميع كل من موقعه بلورة تصورات معينة اجرائية لجعل أبناء تازة المتميزين ضمن الجالية المغربية المقيمة بالخارج، في قلب مشروع الاستشراف التنموي للمدينة، ولجعل اللاعبين التازيين في المنتخب الوطني لكرة القدم مثل اللاعب سفيان بوفال التازي في قلب الخطوة، من أجل ربما انطلاقة سياحية دولية ووطنية مباركة بالمدينة، علما أن سوفيان بوفال حاز قدرا كبيرا من اعجاب الجماهير الرياضية الدولية والمغربية في قطر 2022، بفعل أدائه المتميز واختراقاته وتميز أدائه الرياضي الذي خلف جدلا واسعا.
وبعد بوفال هناك يونس بلهندة ومكانة هذا الأخير الرياضية الكبيرة، مع استحضار الأسماء التازية التي كانت ضمن المنتخب الوطني وتركت بصمات رفيعة المستوى، لاتزال عالقة في ذاكرة الجماهير الرياضية المغربية والدولية، من قبيل المدافع الصلب التازي مصطفى البياز، والمتميز عبد الكريم الحضريوي، واللاعب الدولي التازي جواد الزاييري والرائع اللاعب الدولي التازي عادل تاعرابت وغيرهم.
لماذا لا يتم الاشتغال على هذه الواجهة كموراد ناعمة ورمزية تازية وجعل حدث المونديال وتألق أبناء تازة في قلب الرهان والورش التنموي للمدينة، إسوة بالمدن الأخرى عبر ما ينبغي من سبل إخراج وتنزيل من أجل ما من شأنه أن يكون رافعا للمدينة، مساهما ايضا في نمائها وتجاوزها لبؤسها الذي يبدو أنه طال أمده ولا حول ولا قوة الا بالله.
التعليقات مغلقة.