أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

في الـــذكرى الواحدة و الخمسون لحـرب أكـتـوبـر الـمجـيـدة 06 أكـتـوبـر 1973 م .

أوطاط الحاج / “محـمـد الحـمـراوي”

السادس من أكتوبر 1973م الموافق ليومه السادس من أكتوبر 2024م ، 51 سنة مرت على آخر حرب بين جيوش عربية والجيش الإسرائيلي وهي الحرب التي عرفت
في الأدبيات السياسية والأدبيات العسكرية إما باسم “حرب أكتوبر” أو “حرب رمضان” من الجانب العربي وباسم “حرب أيام الغفران” من الجانب الإسرائيلي.

وهي حرب ستبقى خالدة كونها حققت بعض الإنتصارات العسكرية للجندي العربي على الجبهتين السورية والمصرية، لأول مرة على الآلة العسكرية الإسرائيلية، المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية طلب الرئيس نيكسون تخصيص 2.2 مليار دولار مستعجلة من الكونغرس لصالح إسرائيل ورد عليه الملك فيصل السعودي الذي اغتيل شهورا بعد ذلك بقطع البترول عن الغرب كله .
حيث تم تقسيم خطوط المواجهة فتم تخصيص خط جبل الشيخ بالجولان للمغاربة لدرايتهم وخبرتهم في الحرب البرية.

كان الاتفاق الأولي هو أن يبدأ الهجوم على الجيش الإسرائيلي في الواحدة ليلا إلا أن ذلك الإتفاق تم تأجيله الى غاية الواحدة بعد زوال يوم 6 أكتوبر 1973 حيث كان شهر رمضان حينها شرعت الطائرات المصرية تقصف العدو الإسرائيلي في الجبهة السورية والعكس من ذلك شرعت الطائرات السورية في قصف العدو بالجبهة المصرية وفق اتفاق مسبق بين الطرفين بعد اشتعال الحرب وتحقيق الجيش المغربي والسوري لانتصارات ميدانية التحقت فيالق صغرى كويتية وسعودية وقطرية، غير أنها ظلت في الإحتياط ثم قدمت القوات العراقية وكانت أكثر عددا وعدة إلا أنها ظلت على الحدود في حالة استنفار قصوى.
إلا أن ثمة إحساس ” بالخيانة ” من قبل سلاح الجو السوري الذي توقف عن الضربات الجوية لتعزيز القوات البرية المتشابكة مع المدرعات الإسرائيلية استغل سلاح الجو الإسرائيلي هذا الفراغ وهذه ” الخيانة ” لتي قام بها شقيق الكولونيل السوري ” حلاوة ” – قائد لواء المدرعات – حيث كان لاجئا سياسيا بإسرائيل في الوقت نفسه تلقت إسرائيل مساعدات عسكرية من الأسطول السادس الأمريكي فقامت حوالي 90 طائرة بتوجيه ضربات جوية للقوات المغربية والسورية أسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى حيث أصيبت في اليوم الثامن من الحرب بجروح نتيجة شظايا قنابل انفجرت حيث ردت القوات الإسرائيلية عبر هجوم جوي كاسح وهجوم ميداني لقوات “غولاني” العالية التدريب فاستعادت جبل الشيخ وأجزاء مهمة من هضبة الجولان وتقريبا كل مدينة القنيطرة السورية والسبب هو تراجع الطيران السوري عن حماية المنجزات المتحققة على الأرض من قبل القوات المدرعة المغربية والسورية …


إن الدور الذي لعبه الجنود ” المغاربة ” قد كان حاسما في تحرير مدينة القنيطرة وجزء مركزي وازن من جبل الشيخ لكن القيادة العسكرية السورية لم تحم ذلك النصر كما كان مخططا له من قبل بسبب عدم صعود أي طائرة عسكرية سورية لحماية ظهر أولئك الجنود المغاربة مما اعتبر خيانة لهم …
عمليا انطلق التنسيق بين القيادة المصرية والسورية لتنفيذ تلك الحرب في شهر يناير 1973م حيث تم اتخاذ القرار على أعلى مستوى بين الرئيس المصري حينها / أنور السادات، والرئيس السوري حينها / حافظ الأسد ويمكن هنا تسجيل أن الجانب السوري قد عبر من خلال كتابات بعض ضباطه نشرت بعد اتفاقية” كامب ديفيد ” للسلام بين أنور السادات ومناحيم بغين برعاية من الرئيس الأمريكي جيمي كارتر عن امتعاضهم من عدم قبول الرئيس المصري طلبا لحافظ الأسد بتأجيل قبول اتفاق وقف إطلاق النار لأسبوع فقط، حتى ينفذ الجانب السوري هجوما مضادا ضد الجيش الإسرائيلي لاستعادة جبل الشيخ نهائيا ومدينة القنيطرة بالجولان مما اضطر القيادة السورية بدورها للمسارعة بقبول اتفاق وقف إطلاق النار والدخول في ما وصف ب “ حرب استنزاف ” انتهت بتوقيع اتفاق مع الجانب الإسرائيلي للإنسحاب من تلك المدينة في آخر ماي 1974م .


فما الدور الذي لعبه الجنود المغاربة في هذه الحرب على الجبهتين معا ؟. الحقيقة إنه كان دورا أكبر على الجبهة السورية بسبب أن عددهم كان أكبر هناك وأنهم التحقوا بسورية أسابيع عدة قبل بدء الحرب مما يعني أنهم كانوا مشاركين في “ السر الحربي” للمعركة منذ البدايات مثلما أن الوحدة المغربية التي شاركت في الجبهة السورية كانت عبارة عن لواء كامل للمدرعات بدباباته ومدفعيته وسلاحه الخاص وضمت 5 آلاف جندي وضابط مغربي بقيادة الجنرال / أحمد الصفريوي وهو اللواء الأكبر الذي كان يتوفر عليه المغرب حينها بشهادة الفريق / سعد الدين الشادلي رحمه الله
التجريدة المغربية التي قضت مدة غير يسيرة على الجبهة السورية وتدربت هناك على مناورات عسكرية ميدانية بالتنسيق مع القوات السورية والمجموعات الفدائية الفلسطينية، كانت تضم أفضل لواء مدرعات يتوفر عليه المغرب حينها الذي كان متواجدا بقصر السوق (مدينة الرشيدية حاليا ولا يزال بهذه المدينة إلى اليوم واحد من أرفع وأقوى وأحدث أولوية المدرعات المغربية إضافة إلى تلك الموازية قيمة المتواجدة بأقاليمنا الجنوبية الصحراوية) وكان ضباط وجنود ذلك اللواء المغربي من المدرعات من خريجي مدرسة “الدارالبيضاء” بالكلية العسكرية بمكناس، التي تعتبر عمليا تكرارا لكلية ” سان سير الفرنسية الشهيرة على مستوى منهجية التكوين الرفيع والصارم مع الإختلاف في الإمكانيات المادية طبعا لكن منهجية التدريس مشابهة وبالمنطق العسكري فقد كان ذلك اللواء العسكري المغربي للمدرعات ” زبدة ” الجيش المغربي حينها لهذا السبب لم تتعب القوات الإسرائيلية قط في رمي مناشير باللغة العربية والفرنسية عليهم تحثهم فيها على عدم الدخول في أية معركة ضدهم لأن القضية ليست قضيتهم وأن المغرب بعيد ولا تحاربه إسرائيل.

والسبب في ذلك يقين القيادة العسكرية الإسرائيلية أن مستوى التكوين العسكري لأولئك الجنود والضباط المغاربة جد عال ومختلف عن المدرسة المشرقية السوفياتية التي تعتمد مبدأ الكم العددي في أي مواجهة عسكرية والشحن النفسي الإيديولوجي، بينما المنهجية الغربية الفرنسية، التي تنتمي إليها تكوينا الجندية المغربية هي منهجية تقنية كيفية وليست كمية وأنها احترافية. ولقد تأكدت النتيجة ميدانيا أيام 6 و 7 و 8 أكتوبر 1973م حين توغلت تلك القوة المغربية بمدرعاتها ومدفعيتها، عبر مناطق “ مجدل شمس” و “الجهة الشرقية لجبل الشيخ” والمنبسط المفضي إلى مدينة القنيطرة السورية. لقد حققت تلك القوات تقدما نوعيا سريعا خاصة في اتجاه جبل الشيخ بتكامل مع تقدم الوحدات السورية من الجهة الغربية لجبل الشيخ وتمكنا معا في ظرف قياسي من استعادة كل جبل الشيخ الإستراتيجي واحتلال موقع الرقابة والرصد والإتصالات الإسرائيلي على قمته و” إنزال ” العلم الإسرائيلي ورفع العلم السوري. مثلما تقدم الجنود والضباط المغاربة 5 آلاف بأسلحتهم الثقيلة صوب مدينة القنيطرة حيث حرروا أكثر من ثلثيها ودخلوا بدعم للقوات السورية وبتنسيق كامل معهم في حرب شوارع مع أقوى القوات الإسرائيلية حينها “ غولاني” وتمكنوا من أسر عشرات الجنود الإسرائيليين لكن ما الذي جرى بعد ذلك؟.
كان مفروضا أن يحمي الطيران السوري ذلك النصر الميداني المغربي والسوري، لكن الطائرات تلك لم تحلق أبدا على مدى يومين وحين كانت الصواريخ الروسية والتشيكوسلوفاكية تقتنص الطائرات الإسرائيلية في سماء سيناء والطائرات المصرية تقصف المواقع المحصنة الإسرائيلية في الجبهة الشرقية قناة السويس ظل الطيران السوري غائبا مما طرح أسئلة كبرى من الشك حول رائحة ” خيانة “. بدليل أنه اعتقل ضباط سوريون بعد ذلك وقدموا أمام المحاكمة ومنهم من تمت تصفيته في ما اعتبر مسرحية لدر الرماد في العيون وحين غاب الطيران السوري ظل الطيران الإسرائيلي في الجبهة السورية يفعل ما يريد حيث أباد عمليا القوات المغربية والقوات السورية وفصائل القوات الفدائية الفلسطينية وفي يومين فقد المغرب عددا كبيرا من خيرة ضباطه وجنوده على ربى جبل الشيخ وفي “مجدل شمس” وفي محيط مدينة القنيطرة وإلى اليوم هناك مقبرة كبيرة في القنيطرة وفي ضواحي دمشق تضم رفات أولئك الجنود المغاربة الأبطال بأسمائهم وصفاتهم ورتبهم وأصدرت الحكومة السورية عملة كتب عليها “ التجريدة المغربية ” وأطلقت على واحدة من أكبر ساحات العاصمة دمشق إسم “التجريدة المغربية ” ولا تزال النسوة في الجولان وفي مدينة القنيطرة إلى اليوم حين تردن أن تحكين لصغارهم عن معنى البطل الذي يجب الدخول بسرعة لأنه قادم في الشارع، فإنهن يقلن لهن في ما معناه : “ أدخلوا أو سأنادي الجنود المغاربة ” عنوانا على الرجولة والقوة والصلابة ورغم كل هذا الإرث النبيل والمواقف التضامنية المساندة وبعد ثبوت ” خيانة ” الطيران السوري لأولئك الجنود المغاربة الأبطال (الشهداء والأحياء منهم) لم يخجل الرئيس السوري الراحل في دعم البوليزاريو ضد وحدة المغرب الترابية، وما سجل من موقف للرئيس العراقي / صدام حسين رحمه الله في قمة فاس العربية معروف ومدون حين واجه الرئيس / حافظ الأسد بالقول : ” كيف لا تخجل أن تدعم البوليزاريو والمغرب قدم لك أرفع أبنائه في الجندية وسال دمهم في الجولان لتحرير بلادك ” ؟! وفي تلك القمة قرر صدام منح المغرب البترول بأثمنة تفضيلية هذا هو التاريخ .
“وختاما”
أظهرت حرب السادس من أكتوبر سنة 1973م اهمية نجاح التخطيط الاستراتيجي بين القيادة المصرية والسورية وفن التمويه أثناء الاعداد للحرب حتى ان جولدا مائير – رئيسة الوزراء الأسبق لاسرائيل – صرحت علنا : ( سمعنا ورأينا ولكن لم نفهم ).

التعليقات مغلقة.