دعا المنتدى المغربي للصحفيين الشباب، خلال فعاليات الدورة 15 للمنتدى الاجتماعي العالمي المنعقد بالمكسيك، إلى الرفع من دعم الدولة للإعلام العمومي بما يضمن تحقيق جودة المنتوج المقدم للمواطن، والحد من اعتماده على المداخيل الاشهارية.
وشدد الصحافي عبد الصمد ادنيدن، عضو المجلس الإداري للمنتدى، في مداخلته، خلال اللقاء الذي تمحور حول “النموذج الاقتصادي للمقاولة الصحافية”، بدعم من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، على ضرورة اعتماد قوالب عمل جديدة بخصوص النموذج الاقتصادي للمقاولة الإعلامية من خلال استثمار تقنيات التكنولوجيا الحديثة، والانفتاح على طرق جديدة في إنتاج المحتوى، وتوسيع مجال الحرية ونهج خيار القرب من اهتمامات القراء.
إنقاذ سوق الإعلانات
واعتبر المتحدث نفسه، في اللقاء الذي تزامن مع ذكرى اليوم العالمي لحرية الصحافة، أن التدخل العاجل أصبح ضرورة من أجل إنقاذ سوق الإعلانات المغربية من استحواذ عمالقة الإنترنت، من خلال إلزام الفاعلين (فيسبوك، غوغل، وغيرهما)، على إرجاع نسبة من المداخيل (صندوق خاص بدعم الصحافة كما فعلت فرنسا مثلا)، واتخاذ إجراءات صارمة من طرف الحكومة للحد من لجوء المؤسسات العمومية الوطنية لتحويل إعلاناتها التجارية لفائدة عمالقة الويب الدوليين.
وأضاف ادنيدن، في مداخلته باسم المنتدى المغربي للصحافيين الشباب، أنه على الدولة المغربية إخراج مؤسساتها الإعلامية من مجال المنافسة حول الإعلانات، وتمويلها بالكامل بما أن الأمر يتعلق بخدمة عمومية تقع على عاتق الدولة، معتبرا أنه يجب إشراك المتعهدين الوطنيين لخدمات الهاتف والإنترنت في منح تعويض مالي عن المضامين الرقمية التي يوفرونها لزبنائهم دون الحصول على حقوق استغلالها.
تنظيم ذاتي للمهنة
وأشار المتحدث عينه، إلى ضرورة تعزيز التنظيم الذاتي للمهنة، وإرساء قواعد تعاقدية جديدة لعلاقة المعلن والناشر ووكالة الوساطة في مجال الإعلان، والتشجيع على الاستثمار من أجل إرساء قواعد صناعة إشهارية قوية من شأنها مواكبة وتيرة التطور الذي يعرفه الإعلام بالمغرب، مشددا على إقرار المزيد من الشفافية بخصوص الإعلانات، من خلال خلق هيئة وطنية بين-مهنية مستقلة، تتولى السهر على ضمان حيادية قطاع الإشهار في علاقته بمختلف الفاعلين.
وأكد ادنيدن، خلال اللقاء الذي أشرفت على تنظيمه، تنسيقية جمعيات المجتمع المدني المغربي، مكونة من جمعية مبادرات مواطنة، والمنتدى المغربي للصحافيين الشباب، والمنتدى المتوسطي للشباب بالمغرب، ومعهد “بروميثيوس” للديمقراطية وحقوق الإنسان، وأوراش مواطنة، والمنتدى المغربي للشباب الديمقراطي، على أن الوسائل المادية والمالية، تعتبر من الشروط اللازمة لقيام المؤسسات الإعلامية بوظائفها، إضافة إلى ضرورة الاستقلالية من حيث تدبيرها، وألا تخضع لأي ضغوطات سياسية، أو ضغوطات السوق بالدرجة الأولى، حتى يمكنها أن تحتفظ بحرية واستقلالية خطها التحريري، وأن تكون لها قاعدة مالية مستقرة تمكنها من تنفيذ وظائفها الأساسية.
تهديد التعددية السياسية
وقال “ادنيدن” إن النموذج الاقتصادي للمقاولة الصحافية بالمغرب، عرف صعوبات مع جائحة كورونا، إلا أن هذا لا يعني أن هذا النموذج كان سليما قبلها، مردفا: “المقاولة الإعلامية كانت تواجه مجموعة من الصعوبات، من قبيل ارتكانها بشكل كبير جدا للمداخيل الإشهارية، وهو الأمر الذي نبهنا له كمنتدى مغربي للصحافيين الشباب أكثر من مرة، على اعتبار أن هذا الوضع يهدد التعددية السياسية في بلادن، وتعددية تيارات الفكر والرأي، وهو ما بدا واضحا خلال انتخابات 8 شتنبر، إذ أن الأحزاب الغنية التي تتوفر على موارد مالية كان لها ولوج ملفت لوضع اشهاراتها في المواقع الرقمية، وبالتالي ضمان تغطية لحملتها الانتخابية، وهو ما لم يكن متاحا لأحزاب أخرى حاضرة على مستوى الديناميات الاجتماعية…”.
تحفيزات مالية وضريبية
في سياق متصل، دعا عمر الشرقاوي، أستاذ الصحافة القانونية والاقتصادية بجامعة الحسن الثاني، إلى ضرورة إعادة النظر في مهنة الصحافة وتنظيم المهنة بقوانين خاصة بدل قانون الشغل.
واعتبر الدكتور الجامعي، في مداخلته خلال اللقاء الذي عرف حضورا دوليا وازنا، أن هناك حاجة ماسة لإعمال الشفافية والإنصاف في الاستفادة من الدعم العمومي والإشهار.
وأكد الشرقاوي، على ضرورة تمكين المقاولات الصحافية من تحفيزات ضريبية ومالية من أجل تأهيلها وضمان تجاوز صعوباتها المالية.
الإعلام الجمعوي
في كلمة مماثلة، قال أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاضي عياض، رئيس جمعية مبادرات مواطنة، محمد ياسين عبار، إن مجال الإعلام بالمغرب يتدخل فيه مجموعة من الفاعلين والمؤسسات مما يجعل العمل داخله عرضة لتفسيرات وتأويلات متعددة.
واعتبر الأستاذ الجامعي نفسه، أن الإعلام المغربي لا يعكس التعددية لأنه على سبيل المثال ليس هناك إطار قانوني للإذاعات الجمعوية، معتبرا أن النموذج الاقتصادي للإعلام الجمعوي هو أكثر عرضة للهشاشة مقارنة مع أصناف الإعلام الأخرى.
وأكد “عبار” على ضرورة وضع إطار قانوني للإعلام الجمعوي كما هو الحال في مجموعة من الدول مثل تونس، مشددا على أن الإعلام الجمعوي هو إعلام قرب، وإعلام حلول، يجب دعمه ماديا وقانونيا من طرف الدولة وحماية المشتغلين به.
مراجعة القانون
من جهة أخرى، كشف البرلماني والصحافي يوسف شيري، إلى أن ما يناهز 260 جريدة إلكترونية مشكلة من 3 أشخاص فقط، مضيفا أن 3200 صحافي تسلموا البطاقة الصحافية برسم السنة الحالية، وأن مجموع الجرائد الإلكترونية بالمغرب هو 367 صحيفة، بينها 168 مشكلة من شخص واحد، و54 موقع إلكتروني مشكل من شخصين، و38 مقاولة من أقل من 3 أشخاص، معتبرا أن هذه الأرقام تعبر عن إشكال يستوجب معالجته.
وأوضح “شيري” أن هناك نقاش حول إمكانية مراجعة القانون المتعلق بالصحافة والنشر، لإضافة شروط جديدة، كأن يكون هناك رأسمال ودفتر تحملات ومقومات المقاولة الصحافية من مقر ووجود مادي.
الدعم العمومي
أما فيما يخص الدعم العمومي للإعلام اعتبر “شيري” أنه يعد شأنا عموميا مثل تمويل الانتخابات والمدارس ودور الثقافة، معتبرا أنه تمويل لوسيلة إعلام تؤدي خدمة عمومية وليس استثمارا ربحيا مقاولاتيا.
واعتبر “شيري” أن الكل مطالب بمضاعفة الجهود لتحسين وضعية الإعلام ببلادنا مواطنين، صحافيين ومقاولات، مشددا على ضرورة العمل على تجويد المواد الإعلامية لتحقيق أهدافها الإخبارية، التوعوية والتوجيهية، خاصة فيما يخدم المملكة المغربية واقتصادها المتنامي.
وأضاف المتحدث عينه، أنه يجب العمل على تشجيع المقاولة الإعلامية لإنتاج مواد تحسيسية بالقضية الوطنية لتعزيز آليات الترافع من أجل الوحدة الترابية للملكة.
خطاب الكراهية
من جهته، دعا ياسين ايصبويا، منسق اللجنة الوطنية لمناهضة خطاب الكراهية بالمغرب، إلى ضرورة تحلي المؤسسات الإعلامية اليوم بالممارسات الأخلاقية الصحافية والقوانين والتشريعات الخاصة بالإعلام، خاصة فيما يتعلق بالقضاء على خطاب التمييز والكراهية.
وعبر “ايصبويا”، عن أسفه لحضور خطاب الكراهية في وسائل الإعلام المغربية بمختلف أوجهها، من خطابات اللاتسامح والإقصاء والتشدد والتطرف والتكفير والدعوة للقتل والاغتصاب والتعذيب والاختطاف وغيرها من الممارسات التي تدخل في مسارات تنشئة الجمهور على الحقد والكراهية.
وكشف المتدخل نفسه، أنه من خلال الدراسة العلمية التي قام بها المنتدى المتوسطي للشباب بالمغرب، “يذهب أغلب الصحافيين المستجوبين إلى أنهم غير راضين نسبيا عن قانون الصحافة بالمغرب بنسبة تمثل 31.4%، في حين أن 21.4% منهم راضون نسبيا و21.4% فقط راضين على هذا القانون؛ أما من هو راضون جدا فلا يتجاوز عددهم نسبة 8.6%، وهي نفس النسبة التي وجدناها عند من هم غير راضون نهائيا على هذا القانون.
موازاة مع ذلك، هناك 7.1% فقط من يعتقدون أن وسائل الإعلام تساهم في محاربة خطاب الكراهية بشكل جيد، في مقابل 18.6% لا يعتقدون ذلك بصفة نهائية، في حين هناك 31.4% يرون بأنها لا تساهم نسبيا، تليها 27.1% راضون نسبيا على مساهمة وسائل الاعلام هاته في محاربة خطاب الكراهية، يبقى فقط 15.7% من هم راضون على هاته المساهمة”.
من جهة أخرى، حسب المتدخل عينه، “بينت النتائج أن 30% يرون أن مدونة أخلاقيات مهنة الصحافة لها دور في الحد من خطاب الكراهية، و22.9% يرون بأن لها دور كبير، فيما يذهب 15.7% من المبحوثين الصحافيين إلى أن لها دور كبير نسبيا، أما 22.9% فيرون بأن ليس لها دور نسبيا، في حين يذهب 8.6% إلى أن مدونة الأخلاقيات ليس لها دور نهائيا في الحد من خطاب الكراهية، هذا في الوقت الذي لم يسبق لهاته العينة أن توبعت قضائيا لنشر خطاب الكراهية”.
وأكد منسق اللجنة الوطنية لمناهضة خطاب الكراهية بالمغرب، على ضرورة اهتمام مؤسسات ومعاهد التكوين بإدراج مسالك خاصة بكيفية تدبير المؤسسات الإعلامية وتطوير مناهج التكوين من خلال توفير أدوات علمية للصحافيين من أجل التعامل مع خطابات الكراهية، والعمل على رصدها وتحليلها وإنتاج خطاب إيجابي بديل سواء على الصعيد المحلي، الوطني أو الدولي بحكم التحديات الكبرى، وانتشار خطابات الكراهية بشكل قوي في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي.
التعليقات مغلقة.