أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

في اليوم العالمي للغة العربية: فلسطين عربية

أحمد بشير العيلة

ترى؛ كيف نحتفل نحن الفلسطينيين باليوم العالمي للغة العربية؟ هل مازال في الروح المنهَكة من المذابح لساناً ليحتفي ويتباهى بهذه اللغة العظيمة. هل ترانا قادرين على جمع جسدنا البشري الذي تلذذت آلة الحرب الصهيونية في تفتيته ليتمكن من القدرة على الصراخ بالعربية. هل نتجاوز تلك الأمة التي خذلتنا؟ أم لا شأن بهويتنا اللغوية بالأقزام العابرة من هذه الأمة؟

أسئلة كثيرة تداهمنا نحن حراس العربية وقادحي الدلالات في معجمها أدباً وشعراً وسرداً. خاصة وأننا لم نجد ظهيراً ونحن نتقدم بجرأة من أجل الحفاظ على وجودنا العربي، وكياننا العربي ولساننا العربي. ودفعنا في ذلكَ دماً كثيراً أنكره بعض العمومة علينا. لقد قاومت عربيتنا نحن الفلسطينيين وحدنا تلك الذئاب المفترسة المنطلقة من العبرية المتوحشة.

نحن في فلسطين لم نقاوم احتلالاً وحسب. بل قاومنا وحدنا مشاريع باهظة في الإبادة. فمثلاً وقفنا لعقود خندقاً أمامياً شرياً من أجل الدفاع عن مقدرات أمة بأكملها خذلتنا في كل معاركنا. لكن إصرارنا على المقاومة باسم الأمة وللأمة يدخل في مرتبة الوعي السامي الذي يتجاوز الطارئين من النظام العربي.

ويؤكد على أن الحفاظ على هوية وقيم الأمة هو حفاظ على هوية وقيم الفلسطيني. لأن فلسطين هي أرض رباط تحمل الدم الفلسطيني وحده مسؤولية الرباط من أجل الإسلام والرباط من أجل العروبة. ولا نرتجي مِنةً من أحد، فهذه سنة إلهية على أرض فلسطين نتباهى بأنها منحة لنا وشرف عظيم وليس محنة ولا بلاء.

ولعله من الدلالات الخفية أن يصادف اليوم العالمي للاحتفاء باللغة العربية في 18 ديسمبر اليوم 348 من حرب الإبادة على قطاع غزة. فظهور الرقم 48 يفتح لنا باباً كبيراً للوجع، فقد بدأ العدو الصهيوني منذ ذلك العام البغيض في حرب الإبادة. ليس ضدنا نحن الفلسطينيين بل وضد العرب والمسلمين. ويأتي هذا اليوم وقد سال دمٌ كثير منذ ما يقرب من ثمانية عقود، والمذابح هنا لم تقتصر على البشر وحسب. بل هناك مجازر ومذابح ضد المسميات العربية لكل شبرٍ في بلادنا، لقد ذبحت العبرية آلاف الأسماء العربية لشوارعنا وقرانا ومددنا وتلالنا.

لقد أعلنت العبرية ضدنا مشروع استيطان لغوي ضخم، لم نرَ – للأسف –  مِن إخواننا العرب من أشار إلى خطورته ووقف ضده، وقد تم إلغاء كل التسميات العربية لمناطقنا، وفتح الصهاينة مياه لغتهم السوداء على ترابنا الفلسطيني الذي تلوثَ بالعبرية البغيضة. لقد أقعت وبالت ذئاب العبرية فوق رمالنا وحياضنا ونهشت خرائطنا ومزقت حرفنا العربي، وسمحت لحبر التلمود أن يندلق بكراهية على جلد التاريخ العربي في فلسطين، ووقفنا وحدنا في فلسطين نقاوم ثقافة عبرية استيطانية. فالعبرية تذبح أطفالنا وتدس السم في لحوم تاريخنا، ونقف وحدنا بعربيتنا أرقى من دمامل لغتهم حاملين الضوء في وجه الظلام العبري.

إن عربيتنا السامقة تقاوم أقزام العبرية المتوحشين الآتين من خلف صفحات التلمود الدموي، قاومنا كل مشاريع الاستيطان اللغوية ومازلنا نقاوم تلك العبرية التي لوثت أرضنا وشواطئنا وأسماءنا. إن العبرية تركض في جسدنا الفلسطيني الضوئي قطيعاً من الجرذان الخارجة من الأقبية المهجورة فيما وراء الأساطير، يوجهها حاخامات كريهو الرائحة لتعض وتسمم جسد فلاحٍ فلسطيني يبكي وطناً.

إننا نحتفي بشموخ غير اعتيادي باليوم العالمي للغة العربية – اللغة السماوية الوحيدة على الأرض- ونعتبر هذا اليوم مناسبةً مهمةً للتركيز على أهمية اللغة العربية في قضيتنا الفلسطينية، حيث تمثل اللغة العربية جزءًا أصيلاً من الهوية الوطنية والتاريخ والحضارة، وأحد أهم عناصر البقاء الفلسطيني.

لذا؛ فالحفاظ على أسماء المدن والقرى والأماكن باللغة العربية وإعادة أسمائها العربية هو أمر بالغ الأهمية، فهو يمثل صراعًا من أجل الحفاظ على الهوية الفلسطينية في ظل محاولات طمسها وتغييره.

إن أسماء الأماكن العربية في فلسطين ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني. فهي تحمل في طياتها تاريخًا وحكايات وأساطير تعكس هوية الشعب وتراثه. وما محاولة تغيير وطمس هذه الأسماء العربية بأخرى عبرية إلا جريمة حرب فعلية علينا أن ندفع الدم من أجل عروبتها.

لذلك نعد الحفاظ على الأسماء العربية شكلًا من أشكال المقاومة الثقافية. فهو يواجه محاولات الاحتلال لتغيير المعالم الجغرافية والتاريخية لفلسطين. وهو تأكيد على استمرار الوجود الفلسطيني على أرضه وتثبيتاً للحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. وهو يثبت عمق الجذور الفلسطينية في هذه الأرض.

وفي هذا اليوم العالمي للحفاظ على اللغة العربية. أضع كل وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية العربية أمام مسؤولياتها في مقاومة مشاريع الاستيطان والإحلال العبري للأسماء العربية. وأعتبر أن تداول الأسماء والمسميات والاصطلاحات العبرية في مقالاتنا وكتبنا وإعلامنا يتجاوز مجرد الجهل بالأسماء العربية إلى الاتهام التاريخي بالتواطؤ والخيانة. فالحفاظ على اللغة العربية من أرقى صور المقاومة ضد المشروع الصهيوني.

التعليقات مغلقة.