أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

في فهم الحراك الرقمي عند الشباب المغربي

سعيد بنيس

أضحى الشعور بالإحباط المجالي شعورا عميقا لدى عدة شرائح من المجتمع سيما شريحة الشباب مما نتج عنه عودة ظاهرة الهجرة : السوفت والهارد و تفاقم الشعور بالحكرة الترابية وإعادة التقسيم على أساس مغرب متقدم يستفيد من التنمية ومغرب متخلف لا يستفيد من التنمية. يمكن تفسير هذا الشعور بتلاشي الطبقة الوسطى مما يشكّل خطرا على الاستقرار الاجتماعي في المغرب. فالطبقة الوسطى تعيش تصلُّبا في مناخ تسود فيه فرملة الحركية الاجتماعية نتجت عن تفاوت في تكافؤ الفرص في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية، واستحالة مؤشرات الرقي الاجتماعي التي كان يمثل التعليم والتكوين محركها الأساسي، فصارت الطبقة الوسطى تشعر أنها فقيرة، في حين تزداد الطبقة الفقيرة فقرا.


فظهور حالة من الاحتباس المجتمعي يمكن أن تأثر على مسلمات العيش المشترك والرابط الاجتماعي واندلاع الاحتجاجات وتوغل ثقافة العنف والكراهية وتوارد وقائع العنف الجنسي والإجرام .. كل هذه التحولات المجتمعية أفضت إلى مصفوفة من المتطلبات والحاجيات الجديدة للمغاربة التي على أساسها تتم الممارسة السياسية، من قبيل حاجيات جماعية تمت إلى القيم المادية مثل التشغيل و الصحة و التعليم و المواصلات و البنيات التحتية و السكن و الأمن والماء والكهرباء …وحاجيات نخبوية ترتبط بالقيم غير المادية من قبيل المطالبة بالمناصفة، وإلغاء عقوبة الإعدام، والحريات الفردية، وحرية العقيدة، والمساواة في الإرث، والحق في اللغة، والحق في الثقافة … بموازاة هذه الحاجيات الجماعية والنخبوية ظهرت حاجيات فردية تحيل على قيم الحياة التي تجسدها مسيرات العطش وغلاء المعيشة ونسبة الوفيات (الرضع – النساء الحوامل) و عودة بعض الأوبئة (السل و الليشمانيا والأمراض التناسلية …) ووقع التقلبات المناخية وعدم التكافؤ في توزيع الثروات و الحق في العيش الكريم.


كما أن رغبة الأفراد والشباب في تجاوز جميع البنيات السياسية والمدنية والنقابية والمؤسساتية والتحرك دون مواجهات مباشرة مع السلطة بالارتكاز على ثقافة « بارطجي » كأداة للإقناع والتوافق والانخراط الفردي والجماعي أفضى إلى ممارسة سياسية افتراضية ، فصارت هذه الممارسة الرقمية هي الضامن لاستمرارية الممانعة والتعبئة. في المقابل سيعرف المستقبل نفورا سياسيا للشباب إذ سيصبح الانخراط في الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني من تمثلات المحضور ما سيؤدي إلى تبخيس العمل السياسي والمدني بسبب اقتحامه من طرف فاعلين غير مؤهلين. في هذا السياق، سيتمخض رأي عام سيزداد ازدراء للسياسة والعمل المدني على أساس أنهما ضرب من” التجارة” أو من” الاغتناء “

من هذا المنطلق، سيتمكن الحراك الرقمي للشباب من إعادة تصويب الوعي الاجتماعي والتفكير في غزو جميع الفضاءات المجتمعية وخلق نوع جديد من التنشئة الافتراضية الذي يتأسس على يقظة رقمية مواطنة يسود فيها الموقف على الفاعل. لهذا يظل الاستنتاج العام هو أن الافتراضي أصبح هو الجسر الجديد للممارسة السياسية للشباب المغاربة و آلية رئيسية للضغط والتأثير.

التعليقات مغلقة.