في قلب الصحراء، مدينة تعلن الحداد في عيد الأضحى
تحرير: سيداتي بيدا
أصوات من الرباط
خلال ليلة العيد، وبينما كانت معظم مدن المملكة تحتفل وتُزخرف شوارعها وتستمتع بأجواء الفرح والمرح، كانت مدينة السمارة تعيش على وقع الحزن والانغلاق، كأنها أُغلقت أمام مناسبة ينتظرها الجميع بشوق. خرجت برفقة أطفالي في محاولة بسيطة لإضفاء لمسة من البهجة على هذا المشهد الكئيب، لكن الجولة كشفت لي عن واقع يُصرّ على التغييب والتنمية، وعن مدينة لا تتعدى ساحة فارغة تفتقر لأبسط مقومات الحياة.
طفتُ بأطفالي في أنحاء المدينة، من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، ولم أعثر على مكان يُحيل إلى متنفس عام أو ساحة للاحتفال. لا ألعاب، لا مقاعد، لا ظلال، ولا نقطة مياه، حتى المرافق العامة كانت غائبة. وكان المكان الوحيد الذي التقى فيه الناس هو الساحة المقابلة للمسجد، وهي عبارة عن رقعة إسمنتية تشبه المنفى الجماعي للنساء والأطفال والرجال، حيث اصطفوا بسياراتهم، في محاولات يائسة لانتزاع لحظة فرح من بين أيدي الواقع المرير.
أطفالُي، بعد انتظار طويل، طلبوا العودة إلى منازلهم. لم يفعلوا ذلك لأن هناك حلوى تنتظرهم أو ألعاب تُحيي فرحهم، بل لأنها أصبحت الملاذ الوحيد لهم، حيث يقضون الوقت أمام الشاشات والهواتف الذكية، التي تحولت إلى متنفسهم الوحيد بعد أن فشلت المدينة في توفير بديل حقيقي. في مدن أخرى، يُشجع الأطفال على التفاعل خارج منازلهم، ويُمنعون من الإفراط في استعمال الشاشات، لكن هنا، أصبح التلفزيون والهواتف ضروريين أكثر من أن يكونوا أدوات للترفيه، فهم غاية بحد ذاتها.
هذا الواقع يُناقض تمامًا ما ينص عليه الدستور المغربي. فالفصل 31 يُحمّل الدولة والجماعات مسؤولية توفير فرص ترفيهية وثقافية متاحة للجميع، كما يُؤمن الفصل 32 حقوق الطفل ويُلزم السلطات بضمان رفاهيته، بينما يُشدد الفصل 33 على ضرورة مشاركة الشباب والأطفال في الحياة العامة والتمتع بحقوقهم الثقافية والترفيهية.
لكن، على أرض الواقع، تفتقد السمارة لهذه المبادئ. رغم ما تزخر به من طاقات وكفاءات، فإنها تعيش تهميشًا متكرّرًا، وتفتقر للبنيات التحتية اللازمة لدعم حياة الطفل والمواطنين بشكل عام. تبدو المدينة وكأنها تُترك وحدها، تتخلى عنها المؤسسات وتركن إلى الصمت.
المسؤولية لا تقتصر على جهة واحدة، بل تتقاسمها مختلف المؤسسات: الجماعات المحلية مسؤولة عن توفير المنشآت العمومية، والمندوبيات الجهوية للشباب والثقافة مطالبة بتقديم برامج تلبي احتياجات السكان، والمجالس المنتخبة يجب أن تخصص ميزانيات لوجهات تليق بكرامة الطفل والمواطن خاصة في المناسبات الوطنية، أما المجتمع المدني، فيجب أن يُعبّر عن صوت يطالب ويُعزز الحق في الحياة الكريمة.
حضور مناسبة دينية واجتماعية كعيد الأضحى من دون أي نشاط موجه للأطفال، يعكس إهمالًا واضحًا، وينمّ عن عدم فهم لضرورة الفضاء العام في بناء الانتماء والفرح الجمعي. هو خلل في التقدير، يفضح أن الاحتياج إلى الفرح هو من أبسط حقوق الإنسان، وأن غياب الفضاء المضاء يُعطّل تطور الجيل وتكامله.
ما يحدث في السمارة، ليس مجرد إهمال عابر، بل هو علامة على مرض مزمن يُسمى “اللامبالاة”. حين يُقصي الفرح من حياة الأطفال، يُقبر مستقبل المدينة والأجيال القادمة، لأنها لا تتطور في الإسمنت فقط، بل بالرعاية، بالحكمة، وببضع لحظات من الأمل والابتسامة.
حتى تتغير المعادلة، يبقى على الإعلام أن يلعب دوره بقوة، ليس كمرايا عاكسة للواقع، بل كضمير حي يبعث الأمل في هذه المدينة التي تستحق حياة تليق بكرامة سكانها.
التعليقات مغلقة.