قراءة “خوخولوجيا” في أحداث سوريا
رضا سكحال
سقط النظام السوري، وسال المداد وتدفق، وتعددت القراءات لما وقع، تارة تسمع بقراءة “جيسو استراتجية” لأحداث سوريا، وتارة أخرى تقع عينك على عنوان أغرب من سابقه، “قراءة سوسيولوجيا لفرار بشار الأسد”…
هرول بشار نحو موسكو، قبلة –بكسر القاف- المغضوب عنهم من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وأقاربها الذين ينهلون من ذات القاموس. وسقطت سوريا في قبضة الرعاع والدواعش، وأعداء الحياة. الذين يأتمرون بأمر الغرب، ويسبحون باسم أمريكا، ولو كبروا، ولو ذكروا أسماء الله الحسنى، اسما اسما، ولو استظهروا القرآن الكريم، أية أية. لن يصدقهم عاقل. ولكم في “أبو محمد الجولاني”، عبرة وعبر، وهو الذي خلع العمامة، والبزة العسكرية، وقص اللحية دون أن يعفو عن الشارب.
وهو الذي ارتدى لباس (الكفار) كما كان يصفهم أيام بايع “الظواهري”، وأمر قواته بالاتجاه نحو قصر بشار الأسد، بدلا من الاتجاه نحو هضبة الجولان لتحريرها من قبضة الصهاينة، وكيف يفعل ذلك وهو الحليف والصديق والحبيب لتل أبيب، سواء كان بوعي أو بغباء، كلاهما يصبان في نفس الواد، واد الخيانة للأمة وللشعب، ولكم/ن حق توظيف المصطلح الأنسب لكم/ن.
سقط النظام، وانتصرت الثورة السورية، وانتصر الجولاني، وانتصرت (إسرائيل)، وسقط معقل أخر من معاقل المقاومة، ولا أصف هنا الأسد بـ”النظام الممانع” ولا بالنظام “المقاوم”، بل كان نظاما “مقامر”.
قامر بمستقبل بلد، بتاريخه، باقتصاده على الرغم من هشاشته، وبمستقبل أجيال السوريين، منذ أن ترك الإمام الإيراني يلعب دور الوساطة، بينه وبين شعبه، ومنذ أن ترك لـ”جنرال يوم “القيامة” حق التصرف بريف حلب، الجنرال الروسي الذي انتبذته موسكو كسفير حرب لها بأرض الشام، منذ أن سقطت سوريا في مؤامرة سميت ب”الثورة”، وليعذرنا في ذلك محترفي السوسيولوجيا، والناهلين من قاموس فكرها، على جرم توظيف مصطلح في غير محله.
فالثورة تعني هدم القديم والتأسيس للجديد، فلا يمكن لعالم جديد أن يتأسس على أنقاض القديم، دون أن يحمل في أحشائه الجديد، سواء تعلق الأمر بالبنية الفوقية أو التحتية، في إطار العلاقة الجدلية بينهما، أي بين البنيتين الفوقية والتحتية.
لكن هذه “الثورة” لم تحمل جديدا يذكر، سوى كونها استبدلت نظاما بدون لحية، بنظام ملتحي، وغيرت الولاء من موسكو نحو أمريكا، مهلا، وأتاحت الفرصة للاحتلال الإسرائيلي لكي يدمر قدرة الجيش السوري بنسبة فاقت 80 بالمائة.
قد يبدوا للقارئ أنني منحاز للأسد، لكن هو إحساس خاطئ تماما، فعلى العكس من ذلك، الأسد يتحمل المسؤولية الأولى والأخيرة، لأنه فشل في إدارة الصراع، وفشل في محاورة المعارضة، وفشل في حماية بلده من المؤامرة التي أريد لها أن تخرب المنطقة في إطار “الخريف العربي”.
وعوض أن يبحث الأسد عن مخرج ديمقراطي، فضل نهج سياسة الأذان الصماء، وساهم في سحق شعبه، بدل من قيامه بإصلاحات ضرورية لقطع الطريق على الرعاع، لكنه أخلف الموعد مع التاريخ.
وحتى منظر البلاشفة، الروسي فلاديمير لينين، الذي قال، “الأنظمة الرجعية لا تتدمقرط، وإنما تسقط”. كان ليغير رأيه في المقولة، عملا “بكل قاعدة لها استثناءها”، خاصة بعد رؤيته لخيوط مؤامرة، يمكن حتى لمن يعاني من ضعف البصر أن يلمح خيط طرفها. ولعل توقيت (انسحاب) ما يصطلح عليها بدولة (إسرائيل) ودخول من يتم تسميتهم “بالمعارضة” إلى أرض الشام، وإسقاط النظام في أقل من 12 يوما، سيفهم أن ما حدث كان مخطط له، وأن القوات التي دخلت دمشق بعدما تهاوي الجيش السوري، باركها المعبد اليهودي.
وقد يتساءل القارئ، لماذا بشار؟ ولماذا سوريا؟
كان بشارا حاكما ديكتاتوريا، نعم، وما في الأمر أي اختلاف، لكنه في المقابل لم يضع يضعه في يد شياطين الإنس، مخربوا الشرق الأوسط، وقاتلي البسمة، تجار الأزمات، وسفراء الخراب، الذين قتلوا حلم العراق، وأعدموا رئيسه، وبعدها سقط العراق منذ أن حقنوا شعبه بمخدر الطائفية. وهم أنفسهم من شوهوا مفهومة العروبة، وجعلوا من المفهوم عارا على قاموس السياسة، فأخلوا بدله “الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، بحجة عدم التمييز العرقي، والإجحاف في حق باقي الإثنينات. وهم أنفسهم الذين اغتالوا “عبد الناصر” اغتيالا رمزيا، ومسحوا بذلك كل إيجابيات الرجل.
وهم……وهم…..الذين زرعوا الشك في أجيال العرب.
وما هو دور سوريا، التي سقطت، حتى يكون الأمر مناسبا للصهاينة بالقضاء النهائي على رفاق السيد الشهيد “حسن نصر الله”، وخنق المقاومة الفلسطينية، لأن سوريا شكلت في الآونة الأخيرة، معبرا أمنا للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية. وعلى جميع المستويات، وما هذا بتبرئة للنظام السوري على ما فعله من تنكيل بشعبه.
لقد فهم الذين حاولوا تفتيت الدول العربية، أن المدخل للسيطرة على الشرق الأوسط، يكون عبر سقوط سوريا، وإخضاعها يعني ضمنيا خنق حزب الله، وضرب أخر ما تبقى من قلاع الممانعة والمقاومة.
أيها العرب، أيها الأمازيغ، أيها الأتراك، أيها الشامتون، أيها السوريون، أيها الفارحون والراقصون، بمناسبة سقوط الأسد، وانتصار “الثورة” الساحق:
لقد خدعوكم، ونصبوا لكم فخا، وأنتم بغباء سقطتم فيه. فصلوا لكم معارضة “إسلامية” باركها حارس المعبد اليهودي، تصلي في اتجاه أمريكا، والقادم خراب في خراب.
على من الدور القادم؟
التعليقات مغلقة.