أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

قراءة في رائعة الفن المغربي “المثل العالي”

بقلم: الحبيب عكي

 

كثيرة هي القصائد الشعرية والأغاني الدينية التي تتغنى بخصال الحبيب المصطفى (ص) وحبه ومدحه والصلاة عليه والشوق إلى زيارة مقامه الطاهر في خير البقاع. ومن تلك الأغاني رائعة “المثل العالي” للثلاثي المغربي الرائع المرحومون أحمد الطيب لعلج في كتابة الكلمات، وعبد القادر الراشدي في الألحان، واسماعيل أحمد من حيث الغناء، فاجتمع بذلك في الأغنية من العبقرية المغربية ما لم يجتمع في غيرها، واستحقت أن تكون بذلك فعلا من الرائعات ومن الخالدات التي تثير في كل الأجيال كثيرا من الطرب والدندنة الراقية والشوق والمحبة الغالية، ورغم أنها أبدعت سنة 1964 إلا أنها لا زالت حية فتية.. رائعة ساحرة.. محبوبة مهضومة.. محفوظة معلومة.. تعد عن جدارة واستحقاق من “الريبرتوار” الأساسي في معاهد التكوين الموسيقي، ويتناوب على غنائها كل المطربين طلبة وأساتذة.. قدامى وجدد.. مغاربة وأجانب.. أفرادا ومجموعات؟.

 

         تبدأ الأغنية وهي من ثلاثة أو أربعة مقاطع، باستهلال جامع مانع يلخص أهمية الموضوع ومكانة صاحبه ولماذا هو مثلنا العالي، فبعد نداء الرسول (ص) بخصلة غالية وهي خصلة الشفاعة وهي التي يحتاجها ويتشوق إليها كل الخلق، يشهد به المتوسل رسولا بعد شهادته بالله، وهو النور الهادي.. والمثل العالي، عظيم الجاه..  وخاتم المرسلين..، فكيف لا يسأله الشفاعة يوم الميعاد.

يا محمد صاحب الشفاعة والنور الهادي// يا محمد بك كنشهد من بعد الله

يا محمد كون لي شفيع يوم الميعاد // يا عين الرحمة يا النبي عظيم الجاه

ثم تنتقل القصيدة/الأغنية في مقطعها الثاني إلى إبراز خصال المثل العالي في كونه الرحمة المهداة.. والنعمة المسداة، وأهمية رسالته التي جاء بها للإنسان، وهو القدوة الحسنة في الصبر والإيمان.. والدعوة إلى الله وحده لا شريك له.. وخصاله الجامعة المانعة الرحمة والمودة.. والثبات وحسن التدبير…

عطيتي الأمثال في الصبر والإيمان الصادق // فالدعــــــــــوة لوحده العلي القدير

وكنت قدوة لكل مؤمن والمؤمن صادق // بالرحمة والصبر والثبات وحسن التدبير

 

         لتنتقل القصيدة بعد ذلك إلى إبراز أهمية الرسول (ص) بالنسبة للإنسان في الدنيا وفي الآخرة، وهو الذي كشف كل ظلام الدنيا وعدل برسالته وأصلح كل ما كان فيها من السوء والمظالم، على قول الشاعر:”ولد الهدى فالكائنات ضياء//وفم الزمان تبسم وثناء”.

علمت الناس المحبة بالقلب الصافي // الرحمة والخوا والعوين ونكران الذات

بشرتي بالخير بالسماحة والطبع الوافي // وريتي للإنسان طريقو للحسنــــات

لتختم القصيدة ذاتها بالدعاء للأمة عامة ولحفيد الرسول (ص) مولانا السلطان، بأن يوفقه الله وأن يؤيده ويحفظه ويسدد خطاه، حتى يرفع لواء النبي بالدرجة الأولى، وينشر دعوته وخصاله العليا، ثم ليحل ما خبل من الإشكالات ويرفع مقام الأمة ويحقق مناه وهو مناها.

وحفيدك يوفقو الله ويسرح الخبال // ويرفع مقام الحق ومقــام الأمة

ربي يا ربي تأيده وتسدد خطاه // حتى يرفع علام النبي والمثل العالي

وتحفظو حفظ اللسان وتحقق مناه // هو واولادو وأمته يا نعم المتعالي

 

         وهكذا تفتح القصيدة الأغنية أعين القارئ والمستمع على أسئلة جوهرية حول الرسول (ص) ورسالته العطرة، التي تستقيم وتهنئ حياة المرء بقدر ما يجيب عنها إجابة صحيحة ويتفاعل مع إجابته تفاعلا أصح، ومن ذلك:

  • من هو محمد رسول الله (ص)؟
  • ما علاقتنا به (ص) في الدنيا؟
  • ما حاجتنا إليه (ص) في الآخرة؟
  • محمد بين الحكماء والسفهاء، وما عائده على حياتنا ومجتمعنا إتباعا أو ابتعادا؟.

           وتعيننا القصيدة التحفة على تلمس الإجابة بقولها بين ثناياها أن محمد (ص): رسول من الله تعالى.. خاتم المرسلين.. النور الهادي.. والحسن البادي.. عين الرحمة.. عظيم الجاه.. قدوة حسنة.. داعية لله وحده.. عناية المؤمن في الدنيا.. وزاده في الآخرة.. حبيب الله.. البشير النذير.. حماية في الشدة.. وركن في الرخاء .. طبعه الوفاء.. طريق الحسنات.. إلى أن تضع شملة الشمائل على عقدها فتقول بأنه صاحب الشفاعة والنور الهادي. ترى ما هي هذه الشفاعة التي تكررت في القصيدة /الأغنية كلازمة شيقة طروبة؟، لمن توجب؟، وما شروط استحقاقها؟:

 

         الشفاعة – كما يحكي العلماء – هي الوساطة للغير من أجل جلب مصلحة له أو دفع مضرة عنه. وقد جعلها الله شفاعة عامة للأنبياء والملائكة والمؤمنين والشهداء وحملة القرآن والفرط من الصغار، وجعل موضوع هذه الشفاعة رفع درجات المؤمنين في الجنة، وفي من وجبت له النار ألا يدخلها، ومن دخلها أن يخرج منها. وهناك شفاعة خاصة بالرسول (ص) بفضلها يخلص البشرية من حرارة المحشر وعطشه بسقيه عباد الله المؤمنين من حوضه شربة لا يظمؤون بعدها، بالإذن ببدء الحساب بعد طول انتظار، بفتح باب الجنة أمام المؤمنين الذين عبروا الصراط حتى يدخلوها بعده وهو أول الداخلين، وشفاعته لأمته حين يعجز عنها الأنبياء فيصلون إليه (ص) ويقول:” أنا لها..أنا لها، فيسأل ربه ساجدا، فيقول له الله سبحانه تعالى:” يا محمد ارفع رأسك وسل تعطى واشفع تشفع، ويخرج بفضله (ص) من النار أفواجا وأفواجا كلهم وجبت لهم النار، حتى يخرج من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان”؟.

 

         غير أن الشفاعة تستلزم رضاء الله تعالى عن الشافع والمشفوع،  قال تعالى:” مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِه البقرة / 255، وقال أيضا: “ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى” الأنبياء / 28. ثم شرط آخر وهو إذنه سبحانه وتعالى للشافع بأن يشفع في المشفوع، الذي لا ينبغي أن يكون كافرا لأن الله لا يرضى عن الكافر، ولا لعانا كما ورد في الحديث:” لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة”، وغني عن القول أن ما يدعى من شفاعة القبور والأضرحة والكبراء والطغاة، إنما هي باطلة لن يكون لها وجود ولو ادعاها المدعون، قال تعالى:” فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ”المدثر/ 48، وفي آية أخرى:” وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُون”الزخرف/86، وقال أيضا: “وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ”البقرة/48. وأخيرا، ليعلم الجميع أن الشفاعة – كمت ورد في الحديث – إنما تستلزم أيضا إخلاص العبادة لله تعالى، وسؤاله الوسيلة والدرجة الرفيعة بعد الآذان بقوله: “اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد”، فاللهم شفع فينا وفي خلقك حبيبك وحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم.. آمين.. آمين.. والحمد لله رب العالمين.

التعليقات مغلقة.