تقرير: محمد عيدني
أنفاس واقفة تنتظر بشائر الخير، ودعوات ترفعها الحناجر عبر الدموع، تراتيل لحماية وصون من رب العالمين، ومواكبة إعلامية لا مثيل لها وكأنما نحن في معارك حقيقية، نرصد كل صغيرة وكبيرة فيها، لكننا في الواقع لسنا سوى أمام حدث إنساني بامتياز هز مشاعر العالم قبل المغاربة ودعوات وصلوات بالحفظ و المدد الرباني تحملها أعناق مشرئبة، وأياد أفراد الوقاية المدنية مع أعوان السلطة و المواطنين نبشا في كل ركن يحمل بشائر الفرج العظيم، ويبقى الطفل “ريان” عنوان ملحمة، بشقين متناقضين، الاحتضان و النبش عن قيمة الحياة في حفرة غمرت ذاتا صغيرة، وإهمال لسنا لنحاسب أطرافه، و لكن لنصرخ من مرارة المصاب أن يتولى الله الطفل “ريان” بقوته، و أن يحفظه دخرا لكتاب جديد، فتح التحم فيه العالم، وشملت الدعوات فيه كل البيوت، ومحت العداوات، حينما التأم الدمع و الدعاء الجزائري مع المغربي و التونسي و الموريتاني و المصري و العراقي وهلم جرا … في سمفونية توحد هدمت الحدود وكسرت أغلال الساسة لصالح قيمة الحب والحياة.
احتلت ضواحي مدينة شفشاون بشمال المغرب والتي تبعد عن العاصمة الرباط بحوالي 500 كلم، المشهد الإنساني والإعلامي العالمي، حيث عيون العالم كلها ترصد جهود إنقاذ الطفل “ريان” ذا الخمس سنوات من العمر منذ أكثر من يومين، والصغير النحيف الجسم لوحده داخل عمق أكثر من 30 مترا مجوفة يقعر و يستبسل مؤمنا ببراءة الطفولة و قوة الأصوات التي ترافقه، وعناية الله التي تحرسه، يجاهد الجوع و العطش والخوف والذعر وآلام السقطة والتي من المؤكد تركت آثارها على جسده المتخن بالجراح.
الكل في المشهد الخارجي يقاوم ليل نهار لإيجاد منفد لنخليص ذاك الجسم النحيف المحاصر، ومع كل إشراقة أمل موصل إلى “ريان” تفشل المحاولة، لكنها لا تسقط همم الرجال ودعوات النسوة والصبيان والصبيات بأن يحفظ الله الأيقونة “ريان”، أكثر من 23 مترا هو عمق تم حفره لكن لم يتم الوصول إلى الأيقونة، حتى العاشرة صباحا.
الكل يتابع تفاصيل الأحداث يتمناها ملهاة تسعد الكل ولا يتمناها تراجيديا تدمي القلوب وترسم الندوب على محيا من حلم بتخليص ذاك الجسد المعلق بين أدرب ضيقة، هي كل ما تبقى من دفئ ظل الطريق، نتيجة سهو أو إهمال ليس مهما النبش في المصدر، لم ينم المغاربة ليلتهم، ولا أهل الدوار، ولا أطفال العالم والجوار، وهم يترصدون كل لحظة خبرا سعيدا يحمله الهدهد بشائر فرح وسعادة، تطوي رحلة القلق و تفتح نسائم عطر ممزوج بألف أهلا وسهلا ومرحبا بعصفور طالما غرد و شدا وتنقل بين المروج بلا قيود، لكنه الآن مكبل بأغلال حفرة زرعت وتركت لتقتل الابتسامة و العذوبة و الملوحة و الحياة.
مواقع التواصل الاجتماعي عجت بالدعوات ومواكبة إعلامية قل نظيرها، من مختلف المنابر الإعلامية المكتوبة والمرئية و المسموعة و الالكترونية الوطنية و العالمية، إجماع إعلامي قل نظيره قصر المسافات وفتح نوافذ إنسانية طالما اعتقناها مغلقة لكن “ريان” البراءة فجرها و أحيا ينبوعها.
العائلة تبكي وتتذرع إلى الباري بالحفظ مشبعة بالأمل
في قرية “أغران” الجبلية بضواحي شفشاون، التي أضحت بين عشية وضحاها قبلة لكل عشاق الحياة نشأ الطفل “ريان” حاملا براءة الطفولة، وحالما بكل قيم الجمال التي يخطها في رواحه ومجيئه، شاديا بين مرجانها وغديرها أنشودة العشق الكبير، وموزعا بسمة الأمل المتقدة حياة.
لن تنسى أسرة “ريان” ذلك الثلاثاء الأسود، حيث في لحظة سهو، اختفى الطفل فجأة عن الأنظار، في مشروع حفرة كما لو أن القدر أعده له، ليبقى سيزيف يشدو مع ّريانّ أسطورة العذاب الأبدي، المشبع بالحلم و التفاؤل بقوة بالنصر العظيم، هل كشفت كاميرا الهاتف حقيقة وقوع الطفل في القرار، أم كشفت تلك الكاميرا تخلفنا وقصورنا واستهانتنا بالمخاطر بقوة الغبن والتخلف و قصر النظر الذي يقتل حبا ويدبح مودة، و يشعل النيران فرحا، والد “ريان” تائه يبحث عن أجوبة على أسئلة حارقة هم مصدرها، ووالدة يغمى عليها من أثر الصدمة و تأنيب الضمير، كيف لا، وفلذة كبدها فارق حضنها واحتواه التراب رغما عن قوة عشقها وحبها له الذي غفلت عنه لحظة فتاه وطواه البئر و التراب.
الكل يجاهد من أجل “ريان”
تتواصل عمليات الحفر في محيط البئر بحذر خشية حدوث انهيار في التربة، على شكل نصف دائرة تحيط بالبئر، وست جرافات تمخر عباب الأرض بحثا عن مخرج ينجي تلك الجثة الحالمة، كل محاولات النزول للبئر باءت بالفشل، لكن الإرادة ما هانت ولا وهنت، بل قويت بإصرار الكل، عناصر الوقاية المدنية يسابقون الزمن و الأوكسيجين غزا الحفرة لينعش الجسد الهزيل.
الأكيد و المؤكد أن “ريان” باق على قيد الحياة وتجاوب مع منقدين اقتبربوا منه لكن حجرا حال دون اقترابهم من جثته المنهكة، والأكيد أيضا أنه لا يقو على الحركة بفعل واقع السقطة، وما تركته من كسور أو ما شابه، وكاميرا أنزلت للبئر تمكن من تتبع أخباره وحالاته، مد “ريان” بالأوكسيجين والماء و الحليب و جهاز راديو ليؤنسه داخل البئر.
متابعة حكومية
تتابع الحكومة المغربية جهود الإنقاذ عن كثب، حيث كشف الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أن وزير الداخلية قدم تقريرا في المجلس الحكومي عن الموضوع، ظهر اليوم الخميس، أن عناصر الإنقاذ وضعوا مجموعة سيناريوهات لإخراج الطفل ريان من البئر بتوجيهات من وزيري الداخلية والصحة والحماية الاجتماعية وتحت إشراف رئيس الحكومة، من بينها توسيع قطر الثقب، وإنزال أحد رجال الإنقاذ، ثم الحفر بشكل مواز مع سطح البئر الذي يبلغ قطره 45 سنتيمترا، من أجل إيجاد منفذ للوصول إلى الطفل.
مواكبة إعلامية هائلة وتضامن قل نظيره:
تتابع الحدث لحظة بلحظة عدة مواقع إلكترونية، وتصدر وسم “أنقذوا الطفل ريان” مواقع التواصل الاجتماعي، وانطلقت حملات تضامن في عدد من الدول لدعم أسرته وتشجيع جهود الإنقاذ.
إن إنقاذ الطفل “ريان” أصبحت قضية المغاربة جميعا، و قضية العالم والإنسانية جمعاء من مصير طفولة تغتصب باسم المحبة بالإهمال و الحشو الموغل في الحفر دون مراعاة سوء المآل، دول شقيقة عديدة كالجزائر ومصر لم ينم عيون أبنائها منذ البارحة، ولم يتوقفوا عن الدعاء والصلاة من أجل الطفل “ريان”.
هيئة الإذاعة والتلفزة البريطانية BBC، قالت أن الطفل “ريان” أصبح ابن المغرب وعموم الشرق الأوسط، حيث قالت، إن الطفل “ريان” القابع في ظلمة بئر جاف لمدة تفوق 40 ساعة أصبح ابن جميع ساكنة المغرب والشرق الأوسط.
وأضافت أن الحمولة الإنسانية لقصة الطفل “ريان” المأساوية جعلت كبريات المحطات والقنوات بعموم منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط تتابع هذا الخبر أولا بأول، حيث أن هناك اعدادا رهيبة من المشاهدين والمشاهدات يتسمرون أمام شاشات التلفزيون والهواتف لمتابعة عمليات الإنقاذ.
العين الإماراتية ، عنونت مقالتها بعنوان “أنقذوا ريان.. القصة الكاملة لطفل يحارب الموت داخل بئر لأكثر من 49 ساعة”، حيث قالت “يدب الأمل من جديد، وتتسارع الحركة أعلى الحفرة، حيث يستعد شاب نحيل البنية لمحاولة نزول جديدة علها تنجح هذه المرة، من أجل انتشال الطفل الصغير ريان الذي سقط في بئر ضيقة عمقها 62 مترا في إقليم شفشاون بالمغرب”.
فرانس 24 قالت “سباق مع الزمن في المغرب لإنقاذ طفل عالق في بئر منذ حوالى يومين”.
أما “سكاي نيوز عربية” فقالت “مأساة طفل مغربي تشعل الأجواء.. سقط في بئر عميقة”.
روسيا اليوم عربية قالت “سقط في بئر عمقها 60 مترا.. مغاربة يدشنون حملة لإنقاذ الطفل ريان والسلطات تستنفر!”، مضيفة “ربطت فرق الإنقاذ هاتفا مع حبل وأنزلته إلى قعر البئر، حيث أظهر الفيديو الملتقط أن الطفل بخير ويجلس بشكل سليم رغم ضيق الحفرة. وتطوع أحد شباب المنطقة بالنزول إلى البئر، لكنه وصل إلى مسافة 20 مترا فقط لضيق المكان وصعوبة التنفس”.
تستمر حتى الآن محاولات إنقاذ الطفل ريان ذو الخمس سنوات والذي سقط أمس الثلاثاء في بئر ضيق يتجاوز عمقه 60 مترا، بجماعة تمروت في إقليم #شفشاون. حسب مصادر من عين المكان، الطفل مازال على قيد الحياة رغم قضائه ما يزيد عن 26 ساعة داخل البئر. pic.twitter.com/FRh0P1aq8K
— 2M.ma (@2MInteractive) February 2, 2022
التعليقات مغلقة.