طلبات للإستغاثة مرفقة بقصص مؤلمة يندى لها الجبين، من عائلات حطمها العدوان الإسرائيلي كما حطم منازلها، وقتل الأمل بداخلها كما قتل عائلاتها، فأضحت دون مأوى يحميها ومن غير غداء يقويها، وليس لها سوى التقارير الطبية بين أيديها، فتحرك فيها هاجس النأي بالذات، وفكرت في مغادرة بلدها دون رضاها، وقررت هجر غزة.
توجهت العائلات أفواجا صوب معبر رفح الحدودي، وكلها أمل في أن تجد في مصر ضالتها، فقد خفضت سقف تطلعاتها ولم تعد تطلب النصر من العرب، رأفة بهم، وأضحت تسأل سقفا يأويها، ولقمة عيش تسكت بها جوع صغارها، ومساعدة في العبور نحو إخوانها في مصر، فامتلأت طلبات الإستغاثة بصور مرفقة لمنازل دمرها القصف الإسرائيلي، أو لأفراد من عائلاتهم اترقوا إلى بارئهم، أو لأماكن عيشهم الحالية والمتمثلة في خيام مهترئة تفتقر لأساسيات الحياة، كما أضاف البعض صوراً لتقارير طبية من مستشفيات غزة، تشرح حالتهم المرضية المستعصية، خصوصاً المصابين منهم بأمراض السرطان.
غير أن إغلاق معبر رفح من قبل السلطات المصرية حال دون ذلك، ليترك مكانا للمسترزقين، من معاناة الفلسطينيين، لينهشوا لحم إخوانهم ويقصفوا جيوبهم المرقعة، طالبين منهم مبالغ خيالية من أجل السماح لهم بالعبور.
وكان الأمر ليبقى سرا، لولا أن أماطت تقارير إعلامية، اللثام عن الوضع المأساوي الذي يعيشه سكان قطاع غزة جراء إغلاق السلطات المصرية لمعبر رفح الحدودي، كاشفة المبالغ الخيالية أو “الرشاوى”، والمقدرة ب 11 ألف دولار للشخص الواحد، والتي فرض “مسؤولون” مصريون، دفعها مقابل السماح للعائلات بالعبور من غزة إلى مصر.
وكشف تقرير أصدرته عربي بوسط، على منصة إيكس، (تويتر سابقا)، لجوء عدة عائلات إلى مواقع جمع التبرعات لدفع “رشاوى” دخول الأراضي المصرية، مبرزا اضطرارهم لاعتماد الموقع العالمي لجمع التبرعات “GoFundMe”، وذلك لتقديم طلبات مساعدة لتأمين مبالغ ضخمة من أجل دفعها كـ”فدية” أو “رشاوى” لمسؤولين مصريين، كما يسميها البعض، مقابل السماح بعبور عائلات من غزة لمصر، مؤكدا بلوغ الرقم الذي تم جمعه 1.5 مليون دولار.
وأشار المصدر ذاته، إلى اعتماد العائلات في طلباتها على عنوان واحد واضح هو “الإجلاء من غزة عبر معبر رفح”، مبرزا بلوغ الطلبات حتى يوم 16 يناير 2024، مبلغ 1.514.283 دولاراً، ومن المقرر أن يقوم أصحابها بتخصيصها لدفع فدية الخروج من غزة.
وأضاف، أن طلبات المساعدة تأخذ منحى تصاعدياً منذ بداية يناير الجاري، مضيفا أن معظم العائلات التي تطلب المساعدة تأكد على أن تكلفة العبور إلى مصر تتراوح بين 8 آلاف إلى 11 ألف دولار مقابل السماح للشخص الواحد بالعبور، فيما ينخفض المبلغ إلى حدود ألف إلى ألفي دولار للأطفال، ويأتي ذلك، مع تصعيد الاحتلال لعملياته العسكرية وسط وجنوب غزة، إضافة إلى زيادة تدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع.
وحسب المصدر ذاته، ذكرت إحدى العائلات في طلبها أنها مضطرة لدفع ما بين 10 إلى 11 ألف دولار مقابل كل شخص من أجل دخول مصر، فيما تُشير عائلة أخرى إلى أنها تحتاج إلى 90 ألف دولار من أجل الحصول على تصاريح لإجلاء جميع أفرادها من غزة إلى مصر، وتؤكد عائلة ثالثة أنها بحاجة إلى 75 ألف دولار ثمن إخراج أفرادها من القطاع.
وأكدت طلبات أخرى حصول عملية ابتزاز من قبل مسؤولين من الجانب المصري للحدود مع غزة، من أجل السماح بدخول الأراضي المصرية، مشيرة إلى أن التكلفة في تضخم مستمر مع تزايد الرغبة في الانتقال إلى مصر، لا سيما من أجل العلاج أو لمّ شمل العائلات.
ورغم تأكيد العائلات في غزة أنها خرجت من القطاع بعدما دفعت للوسطاء من أجل السماح لها بالعبور إلى مصر، إلا أن السلطات المصرية تنفي وجود رشاوى من أجل تسهيل خروج المضطرين من غزة إلى الأراضي المصرية.
و يُعتبر معبر رفح، الواقع بين مدينة رفح الفلسطينية في قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء في مصر، هو البوابة الوحيدة وشريان الحياة المتبقي أمام سكان القطاع المحاصرين من كل الجهات، من أجل الخروج إلى العالم.
التعليقات مغلقة.