خالد الشرقاوي السموني
شكلت قضايا الجالية المغربية في الخارج أولوية لدى جلالة الملك محمدالسادس ، و من أبرزالمؤسسات التي عزز بها الملك دور هذه الجالية، إحداثمجلس الجالية المغربية بالخارج، الذي هو عبارة عن مؤسسة استشاريةمستقلة مهمتها متابعة وتقييم السياسات العمومية اتجاهالمهاجرين وضمانحقوقهم ومشاركتهم في التنمية بكل أشكالها .
و في هذا الصدد ، أرى أنه من المفيد الإشارة إلى ما جاء في خطاب جلالةالملك محمد السادسيوم 06 نونبر2005 بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء ، عندما أعلن عن أربعة قرارات هامةتستجيب للمطالب السياسية ذات الأولويةبالنسبة للجالية المغربية المقيمة بالخارج ، ويتعلقالأمر هنا بتمكين مغاربةالخارج من أن يكون لهم ممثلون في البرلمان وإحداث دوائرتشريعيةانتخابية بالخارج وفتح المجال أمام الأجيال الجديدة للتصويت والترشيحفيالانتخابات وأخيرا إحداث مجلس أعلى للجالية المغربية بالخارج.
غير أن هناك صعوبات قانونية و تقنية شكلت عائقا مرحليا لتنزيل قرارالتمثيلية البرلمانيةللمغاربة المقيمين بالخارج ، بيد أن الأولوية اقتضت تعيينمجلس لتمثيل الجالية كمرحلة أولىفي انتظار تهييئ الظروف الموضوعيةللمشاركة السياسية داخل البرلمان . وهذا ما نقومبتوضيحه :
أولا : مسألة تمثيل الجالية المغربية بالخارج في البرلمان
إن الخطاب الملكي بتاريخ 6 نوفمبر2005 القاضي بمشاركة المغاربة المقيمينبالخارج فيالانتخابات وإحداث المجلس الأعلى للجالية المغربية في الخارج، قد أعاد نوعا من الثقةالسياسية لدى المغاربة بالمهجر، مما جعلهم يعبرونعن ارتياحهم للخطاب الملكي ، كما أن الحركةالجمعوية للمغاربة بالخارج ، نظمت لقاءات فكرية وسياسية وندوات صحفية وموائد مستديرةداخل وخارجالمغرب ، فضلا على أن الأحزاب السياسية هي الأخرى، انخرطت في هذاالسياق ،وأجرت لقاءات مع مجموعة من الفعاليات المدنية والسياسية بأورباوالولايات المتحدةالأمريكية… وقد عكس هذا الأمر الاهتمام المتزايد لإعلامهاالحزبي الذي انفتح على قضاياالمغاربة في الخارج.
لكنه بعد دراسة قامت بها جهات معنية حول موضوع التمثيلية البرلمانيةللمغاربة المقيمينبالخارج داخل البرلمان ، تبين أن هناك صعوبات قانونية وتقنية تحول دون تحقيق ذلك ، وهيأسباب موضوعية في نظرنا ، منها ما هومعلن و منها ما هو غير معلن ، مرتبطة بمسألة التقطيعالانتخابي ، ونسبةالتمثيلية في كل دولة من دول الخارج من حيث عدد المغاربة المقيمين ، ونمطالاقتراع ، و الجهة الموكول لها مراقبة الانتخابات خارج الوطن ، وكذا الجهةالقضائية التيلها الحق في البت في المنازعات الانتخابية ، و كيفية تدبيرالحق في استفادة الأحزاب السياسيةالمشاركة في الانتخابات من وسائلالاعلام أثناء الدعاية الانتخابية ، و الهيئة التي ستراقب مدىاحترام الحقفي الاستفادة من وسائل الإعلام بطرقة عادلة و متكافئة.
وعلى الأساس، تم نهج مقاربة تدريجية قصد تهيئ الظروف المواتية و إعدادالقواعد القانونيةمن أجل تحقيق مشاركة سياسية برلمانية ناجحة فيالمستقبل للمغاربة المقيمين بالخارج معإعطاء الأسبقية لإحداث مجلسللجالية المغربية بالخارج.
ثانيا : إحداث مجلس الجالية المغربية بالخارج
قرر جلالة الملك محمد السادس إحداث مجلس الجالية المغربية بالخارج، بتاريخ 21 دجنبر2007، مهمته تتمثل في ضمان المتابعة والتقييم للسياساتالعمومية للمملكة تجاه مواطنيهاالمهاجرين وتحسينها بهدف ضمان حقوقهموتكثيف مشاركتهم في التنمية السياسيةوالاقتصادية والثقافية والاجتماعيةللبلاد، و أيضا الاضطلاع بوظائف الإحاطة بإشكاليات الهجرةواستشرافهاوالمساهمة في تنمية العلاقات بين المغرب وحكومات ومجتمعات بلدانإقامةالمهاجرين المغاربة.
و نشير في هذا الخصوص أن احداث مجلس للجالية جاء استجابة لما حققهالعديد من المغاربةالمقيمين بالخارج من نجاح مهني وكفاءة علمية وتفوق فيمجال الفنون والثقافة وكذلك فيالعمل السياسي في بلدان الاستقبال، منشأنه أن يجعل منهم جماعات للضغط تساعد علىالدفاع عن مصالح المغربالوطنية في الخارج على مستوى العمل الدبلوماسي الموازي. كما أنأنهمأصبحوا يشكلون كتلة لإنتاج قيم الديمقراطية والتقدم والتنمية، مما سيجعلمن تمثيليتهمداخل مجلس الجالية فرصة مواتية لإدماج هذه القوة الجديدةفي ديناميكية المغرب الجديدالذي يبحث لإشراك مواطنيه في مقاربةتشاركية تأخذ بعين الاعتبار قيم دولة القانون.
كما لم يعد يخفى اليوم الدور الفعال الذي تمارسه جمعيات المغاربة المقيمينالخارج من أدوارفي الدفاع عن مصالح دولها الأصلية والمغرب بحاجةللدفاع عن حقوقه في المحافل الدوليةخصوصا لدى البرلمان الأوروبيكالدفاع عن الحقوق المشروعة للمغرب ، كقضية الوحدة الترابية، أو تدبيرملفات الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي.
فإحداث مجلس للجالية المغربية بالخارج شكل مرحلة جديدة من أجل تحقيقالمواطنة الحقةلمغاربة الخارج مثلهم مثل سائر المغاربة الموجودين على الترابالوطني، خصوصا أن جلالةالملك يولي اهتماما خاصا لهذه الجالية ويعطيتعليماته للحكومة لكي تأخذ انشغالاتها بعينالاعتبار وبشكل أفضل.
فضلا على أن الدستور الجديد لسنة 2011، ولأول مرة في تاريخ المغرب، ترجم انشغالاتالجالية المغربية، عندما حرص على تكريس حماية حقوقهاالسياسية والاقتصادية والاجتماعيةوالثقافية، حيث يشكل الفصل 17 منالدستور على الخصوص ثورة جديدة للدولة في تعاملهامع المواطنينالقاطنين في الخارج ، خاصة حقهم في المواطنة الكاملة، والفصل 18 الذييؤكدعلى ضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين بالخارج فيالمؤسسات الاستشارية، و هيئاتالحكامة الجيدة التي يحدثها الدستور أوالقانون.
كما أسندت لهذا المجلس مهمة الاضطلاع بوظائف الإحاطة بإشكالياتالهجرة واستشرافهاوالمساهمة في تنمية العلاقات بين المغرب وحكوماتومجتمعات بلدان الإقامة في أفق تطويرهاوالرفع من مستواها. وقد توجاهتمام جلالة الملك برعاياه المقيمين بالخارج وحرصه على العنايةالموصولةبهم بإفراد جزء هام من فصول دستور فاتح يوليوز2011، لهذه الفئة خاصةما جاءالفصول 16 و17 و18 و163 .
وخصت هذه الفصول أفراد الجالية المغربية بمكاسب هامة ومكانة متميزةتستجيب لتطلعاتهموكرست لهم عددا من الحقوق الثقافية والاجتماعيةوالتنموية، فكان بذلك الدستور الوحيد علىمستوى العالم الذي خصصأربعة فصول كاملة للجالية المقيمة بالخارج.
لقد أصبح بإمكان المغاربة المقيمين بالخارج في عهد الملك محمد السادس، المشاركة في تنميةبلدهم بالموازاة مع بلد الاستقبال ، والدفاع عن المصالحالوطنية ، و تقديم خبراتهم خدمة لصالحالمغرب ، و المساهمة في تقويةعلاقات التعاون بين دول الإقامة والمملكة المغربية ، و جلبالاستثمارات وإنجاح الأوراش التي تشهدها بلادنا.
و إذ ننوه بمجهودات الجالية المغربية في الخارج، وقدرتهم على الإبداع فيجميع الميادين،وتشبثهم بثقافتهم الأصلية، فإننا ننوه أيضا بالمجهودات التي يقوم بها مجلس الجالية المغربيةبالخارج على عدة مستويات خدمة لمصالحهذه الجالية .
التعليقات مغلقة.