أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

قول أهل العلم في الاستحباب بالاحتفال بمولد رسول الله ﷺ

بقلم إلياس بنعلي

الاحتفال بمولد سيد الخلق “شهادة محبة” وإقرار بالتعظيم لجناب سيدنا ، وشكر لله تعالى على هذه المنة، وهو ما يعززه قول المولى عز وجل في سورة يونس: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} (سورة يونس، الآية: 58)، والفرح بالنّبيّ أمرٌ مطلوب بنص القرآن الكريم لقول الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} (سورة يونس، الآية:58)، والله عزّ وجلّ أمرنا أن نفرح بالرّحمة، ورسولُ الله هو أعظم الرّحمة مِصداقًا لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (سورة الأنبياء، الآية:107)، وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: “{فضل الله}: العلم، و{رحمته}: النبي “. (الدر المنثور للحافظ السيوطي: 4/367)، قال الحافظ ابن رجب في هذا المعنى: “فيه إشارة إلى استحباب صيام الأيام التي تتجدد فيها نعم الله على عباده، فإن أعظم نعم الله على هذه الأمة إظهار محمد وبعثته وإرساله إليهم، كما قال تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم} (سورة آل عمران، الآية: 164) ، فصيام يوم تجددت فيه هذه النعمة من الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين حسن جميل، وهو من باب مقابلة النعم في أوقات تجددها بالشكر”. (لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، ص:98). 

 

ويوم ولادة الأنبياء ليس كسائر الأيام، {وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} (سورة مريم، الآية: 15) وفي هذا أن يوم الميلاد تذكير بنعمة الإيجاد، وما كان ميلاد سيدنا محمد بأقل شأنا من ميلاد عيسى عليه السلام، بل ميلاد رسول الله أعظم منه، لأنه أكبر نعمة، فيكون ميلاده أيضا أكبر وأعظم، والولادة النبوية الشريفة لرسول الله أجلَّ الولادات على الإطلاق، قال رَسُولَ اللَّهِ عَنْ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ: “فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ” (رواه مسلم)، فتبين من هذا الحديث أن النبي صام يوم الاثنين شكرا لنعمة مولده في هذا اليوم، وإعلامٌ بشرف هذا اليوم، وإخبار بفضله، وهو احتفال بيوم ولادته

 

وُلِدَ الهُدى فالكائِناتُ ضياءُ * وفَمُ الزمانِ تبسُّمٌ وسَناءُ 

يا خيرَ مَن جاء الوُجودَ تحيَّةً * مِن مُرْسَلِينَ إلى الهُدى بكَ جاؤوا 

يومٌ يَتِيهُ على الزَّمانِ صباحُهُ * ومَساؤُه بِمُحمَّدٍ وضَّاءُ 

 

إنّ الاحتفال بالمولد النّبويّ الشّريف تعبير عن الفرح والسّرور بالمصطفى ، كيف لا وقد انتفع به الكافر، ففي السّيرة النّبويّة أنّ أبا لهب قد جوزي بتخفيف العذاب عنه يوم الإثنين بسبب إعتاقه ثويبة لمّا بشّرته بولادته . (شعب الإيمان للبيهقي)، وقال الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي في كتابه المسمى “مورد الصادي في مولد الهادي”: “قد صح أن أبا لهب يخفف عنه عذاب النار في مثل يوم الاثنين لإعتاقه ثويبة سرورًا بميلاد النبي “، ثم أنشد

 

إذا كان هـذا كافرًا جـاء ذمـه *** وتبت يـداه في الجحـيم مخـلدًا 

أتى أنـه في يـوم الاثنين دائـمًا *** يخفف عنه للسـرور بأحــمدا 

فما الظن بالعبد الذي طول *** عمره بأحمد مسرورٌ ومات موحـــدًا 

 

الاحتفال يكون بصوم يوم مولده، ومذاكرة سيرته، واتباع أخلاقه، ومدحه والثناء عليه ، ونصرته دليل على محبته، وأكبر دليل على محبته وإتباعه والسير على هديه، وإظهار الفرح والسرور، وأجاز أهل العلم لبس الثوب الجديد والاستماع إلى الصوت الحسن والمدائح النبوية كما سيأتي تبيانه، ولم يكن المسلمون الأوّلون يُفكّرون في تعيين زمن خاص يذكّرون فيه النّاس بعظمة سيّدنا محمّد لأنّهم كانوا يحتفلون به في كلّ وقت وحين تذكيرًا بشمائله وذِكرًا لفضائله وهَدْيًا على سُنّته وسيرته واتّباعًا لمنهاجه . 

 

و”تعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون لهم فيه أجر عظيم لحسن قصدهم وتعظيمهم لرسول الله ” (فتاوى ابن تيمية ج 23 ص: 134)، “إنما الذي ننكره في هذه الأشياء الاحتفالات التي تخالطها المنكرات، وتخالطها مخالفات شرعية وأشياء ما أنزل الله بها من سلطان.. ولكن إذا انتهزنا هذه الفرصة للتذكير بسيرة رسول الله، وبشخصية هذا النبي العظيم، وبرسالته العامة الخالدة التي جعلها الله رحمة للعالمين، فأي بدعة في هذا وأية ضلالة؟” (الموقع الرسمي للإمام يوسف القرضاوي، فتاوى وأحكام)، و”الاحتفال بعيد المولد ليس عبادة ولكنه يندرج تحت الدعوة إلى الله، ولك أن تحتفل بذكرى المولد على مدى العام في ربيع الأول وفي أي شهر آخر، في المساجد وفي البيوت” (موقع النابلسي، للشيخ محمد راتب النابلسي، الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف)

 

و”إذا كان بنو البشر فرحون بمجيئه لهذا العالم، وكذلك المخلوقات الجامدة فرحة لمولده، وكلّ النباتات فرحة لمولده، وكلّ الحيوانات فرحة لمولده، وكلّ الجنّ فرحة لمولده، فلماذا تمنعونا من الفرح بمولده”؟! (الإمام متولي الشّعراوي، مائدة الفكر الإسلامي: ص 295)، و”أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن السّلف الصّالح من القرون الثلاثة، ولكنّها مع ذلك اشتملت على محاسن وضدّها، فمَن تحرى في عملها المحاسن وتجنّب ضدّها كانت بدعة حسنة“. (ابن حجر العسقلاني، الفتاوى الكبرى 1/196، وحسن المقصد في عمل المولد للإمام السيوطي)، وقال ابن القيم: “والاستماع إلى صوت حسن في احتفالات المولد النّبويّ أو أيّة مناسبة دينية أخرى في تاريخنا لهو ممّا يُدخل الطّمأنينة إلى القلوب ويعطي السّامع نورًا من النّبيّ إلى قلبه ويسقيه مزيدًاً من العين المحمّدية“. (مدارج السالكين، ص498). 

 

و”أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي وما وقع في مولده من الآيات، ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك، هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها، لما فيه من تعظيم قدر النبي ، وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف” (الإمام السيوطي، الحاوي للفتاوي باب: “حسن المقصد في عمل المولد). 

 

الاحتفال بمولد سيد الخلق بكثرة الصلاة عليه : 

 

من الأمور التي تُحيي فينا محبة الرسول كثرة الصلاة عليه، فأسعد الناس من يوفق في عبادته لله بالصلاة عليه، فهي من أعظم وأجل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى مولاه فقد أمرنا سبحانه وتعالى بالصلاة عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّون َعَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (سورة الأحزاب، الآية: 56)، وحفزنا الرسول للصلاة عليه كما في الحديث الذي رواه أبو داود عن أبي هريرة عن النبي قال: “من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد” (رواه أبو داود: الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري). 

 

“اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى أزواجِه وذريتِه كما صليتَ على آلِ إبراهيمَ وباركْ على محمدٍ وعلى أزواجِه وذريتِه كما باركتَ على آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ” (صححه ابن باز، فتاوى نور على الدرب:6/372 

 

والصلاة على رسول من أفضل الأعمال، لأنها عمل الله! {إن الله وملائكته يصلون على النبي}. وإذا وافق عملك عمل الله كفاك! وقد”أتفق العلماء على أن جميع الأعمال منها المقبول والمردود إلا الصلاة على النبي فإنها مقطوع بقبولها إكراما له .” (الشيخ عبد الرحمان بن أحمد بن عبد الله الكاف، جراب المسكين لحفظ بعض من مسائل الدين، ص: 65)، قال بعض الشعراء

 

أدم الصلاة على النبي محمد **** فقبولها حتما بغير تردد

أعمالنا بين القبول وَرَدِّها **** إلا الصلاة على النبي محمد” 

  

و”التهنئة بالمولد النبوي الشريف جائزة لأنها من نعم الله تعالى، ولبس الثوب الجديد إذا كان لا يختص بذلك اليوم وحده جائز لأنها مناسبة سارة، والمدائح النبوية هي من العبادة والقربة إلى الله تعالى”. (محمد الحسن ولد الددو رئيس مركز تكوين العلماء، من برنامج “فقه العصر” قناة “إقرأ” بتأريخ 08-05-2007)، وجاء في الآية الكريمة: {ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين} (سورة المائدة، الآية: 114)، قال الإمام إسماعيل حقي في هذه الآية: “أي يكون يوم نزولها عيدا نعظمه، وإنما أسند ذلك إلى المائدة لأن شرف اليوم مستفاد من شرفها” (روح البيان: 2/446)، فإذا كان يوم نزول المائدة عيد بنص القرآن الكريم فكيف بيوم ولادة سيد الخلق؟! وإذا كان يوم الجمعة عيد للمؤمنين، فكيف ينكر البعض تسمية يوم ولادة سيد الخلق عيدا؟! 

 

مُحَمَّدٌ أَشْرَفُ الأعْرَابِ والعَجَمِ *** مُحَمَّدٌ خَيْرُ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمِ 

محمدٌ باسطُ المَعْرُوف جَامَعَةً *** محمدٌ صاحبُ الإحسانِ والكرمِ 

محمدٌ تاجُ رُسْلِ الله قاطِبَةً ***  محمدٌ صادقُ الأقوالِ والكلمِ 

محمدٌ ثابِتُ المِيثاقِ حافِظُهُ *** محمدٌ طيبُ الأخلاقِ والشيمِ 

محمدٌ خبِيَتْ بالنُّورِ طِينَتُهُ *** محمدٌ لم يزل نوراً من القدمِ 

محمدٌ حاكِمٌ بالْعَدْلِ ذُو شَرَفٍ *** محمدٌ معدنُ الإنعامِ والحكمِ 

محمدٌ خَيْرُ خَلْقِ الله مِنْ مُضَرٍ *** محمَّدٌ خَيْرُ رُسْلِ الله كُلِّهِمِ 

محمدٌ دِينُهُ حَقَّ النّذِيرُ بِهِ *** محمدٌ مجملٌ حقاً على علمِ 

محمدٌ ذكرهُ روحٌ لأنفسنا *** محمدٌ شكرهُ فرضٌ على الأممِ 

محمدٌ زينةُ الدنيا وبهجتها *** محمدٌ كاشفُ الغُمَّاتِ والظلمِ 

محمدٌ سيدٌ طابتْ مناقبهُ *** محمدٌ صاغهُ الرحمنُ بالنعمِ 

محمدٌ صفوةُ الباري وخيرتهُ *** محمد طاهرٌ من سائر التهمِ 

محمد ضاحكٌ للضيفِ مكرمةً *** محمَّدٌ جارُهُ والله لَمْ يُضَمِ 

محمدٌ طابتِ الدنيا ببعثتهِ *** محمَّدٌ جاء بالآياتِ والحِكَمِ 

محمدٌ يومَ بعثِ الناسِ شافعنا *** محمدٌ نورهُ الهادي من الظلمِ 

محمدٌ قائمٌ للهِ ذو هممٍ *** محمَّدٌ خاتِمٌ لِلرُّسُلِ كُلِّهمِ 

 

اللهم صل على سيدنا محمد ما ذكرك وذكره الذاكرون وصل على سيدنا محمد ما غفل عن ذكرك وذكره الغافلون، اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال والآفات، وتقضي بها جميع الحاجات، وتطهرنا بها من جميع السيئات، وترفعنا بها عندك أعلى الدرجات، وتبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة وبعد الممات، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

 

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد صلاة تحل بها العقد، وتفرج بها الكرب، وتمحو بها الخطيئات، وتقضي بها الحاجات

التعليقات مغلقة.