بخلاف ما أثبتته من فاعلية ودور وأثر في علاقتها بمؤسسات ومجالات عدة خلال العقود الماضية، باتت سبل التدبير وأساليبه غير كافية ولا قادرة على تحقيق ما هو منشود من نتائج وتجويد وأداء…لدرجة تحولها الى عنصر سالبفيسير الأمور وتفاعلها. ومن هنا التغيير موضوعاً وإشكالاً وما هو عليه من إثارة وجدل في التدبير وأوراشه خلال السنوات الأخيرة، رغم ما يسجل من ردود فعلٍ وتباينِ رأيٍ وتفاعل علماً أن التغيير ليس خصماً في موضع ما يجب الانتصار عليه، بقدر ما هو حليف لمن يروم النجاح من الأفراد والمؤسسات.
وفي هذا الاطار وعلاقة بما هو تربوي باعتباره مجالاً بتماس مع انشغالات وقضايا تجويد ومصاحبة وغيرها، يسجل أن حديث الممارسين على تباين مهماتهم حول التغيير وثقافته وآليات صنع النتائج لا يزال بخجل كبير. مع أهمية الاشارة لِما يمكن أن تسهم به الادارة من أوراش تواصل واستطلاع ورأي واهتمام، ناهيك عن ندرة فرص تفاعل هؤلاء مع ما هو بموقع هام من القضايا لإنجاح ما هو مشاريع ذات صلة وتحقيق ما هو مواكبة.
إن أي نمو هادف في أية مؤسسة أو مجال لا يمكن أن يحصل ويستقيم معاً دون تغيير يجعل من داخل الشيء منطلقاً باتجاه محيطه، علماً أن جودة أي نظام وتدبير هو نتاج ما تم إحداثه من تغيرات تخص ما هو تفكير وبيئة وعلاقات ومعلومة وغيرها، فضلاً عما ينبغي أن يتحقق من دور للفرد والجماعة معاً ومن سؤال لهما حول سبل انتقال من أداء واقع الى أداء منشود. وبقدر أهمية ما هو نظرية ودراسات في إغناء الممارسة وتنوير الممارسين، بقدر ما أبانت أن مصير الأفكار والبرامج هيبعلاقةمعما يتاح لها من فرص شخصية لتجريبها وتكييفها،لدرجة الحديث عن تعرض كل شيء للتلاشي دون هذا وذاك. مع ما هناك من جدل بين طبيعة التغيير المعقدة وترابط إطار تفكير منطقي ومنهجيمن خلال ما هو تحليل وعرض وأجرأة… ولعل من أسئلة سياق التغيير الذي ينبغي أن يكون جهداً جديراً بالمحاولة، ما يطرح بالموازاة حول مثلا إذا كان الفرد أو الجماعة يعرفان الأفضل فلماذا عمله أو عملها ليس أفضل مما هو عليه.
وفي علاقة بين التغيير والتطوير والقيادة وبين التربية والتعليم مثلا كوعاء مدرسي، وعلى أساس ما يسجل من موجات تدبير و(اصلاح)بين فترة وأخرى، تعَوَّد الممارس في المجال من خلال مساره وخبرته على تباين أدواره، أنه يكفي انتظار بعض الوقت لتمر هذه الموجات وليعود لممارسةٍ وتدبيرٍ وفق مكتسب سابق بميكانيكية ووظيفية ضمن ما هو فردي من فهم وقناعة وقدرة وكفاية. ومن هنا ما يسجل حول طبيعة الممارسة الفردية وما يترتب عنها من عزلة وبالتالي من صعوبة تغيير وتطوير وتجويد، علماً أن النتيجة النهائية لأية مقاربة وظيفية فردية هي أن يصبح التغيير مرادفاً لتحسن ذاتي لا غير، مما يجعل من كفاية ومهمة منظومة ونظام ما أمراً صعباً لدرجة الاستحالة.
ومقابل ما يسجل من ميل للتربويين مدبرين وغير مدبرين الى ما هو عمل فردي مستقل، أبانت الدراسات عن رغبة الأفراد في مجالات بطبيعة انتاجية الى ما هو عمل جماعي، عبر انخراطهم في غايات وحداتهم ومؤسساتهم ورغبتهم في تحقيق التميز. بخلاف ما لا يزال يطبع التربوي من فعل وتفاعل كمؤسسات ومن فردية تحول دون استثمار ما يمكن أن يسهم به عمل الفريق من قيمة مضافة، رغم أن الممارسين هم بشعور مشترك ومساحة من الحديث حول التغيير والتجويد والتطوير وأدوار القيادة وغيرها. وبقدر شعور التربويين بتقاربهم وتقاطعهم في عدد من مهامهم وأنشطتهم بقدر ما يدعو ذلك أحياناً لقلق واحباط، ذلك أنه قد يكونون بجاهزية لفائدة التغيير من خلال نقاش حقيقي وعميق، إلا أنهم يفضلون العزلة والابتعاد بنوع من هروبهم الى الأمام، علماً أن ما يحملونه من أفكار قد يكون بمادة غنية إنما عقيمة الفعل بالمقابل من منظور التغيير. وفي هذا الاطار تكون الادارة القيادة- الحلقة الأهم بعد المدرسين في المجال التربوي في غالب بلاد العالم – بتحديات معبرة، لعل منها سبل استثمار رغبة عمل الجماعة وتحقيق تغيير دون اقصاء لمِا هو فردي وما يراه البعض مناسباً. مع أهمية الاشارة في هذا الاطار الى أنه من المستحيل تدبير وقيادة جهد جماعي يروم التغيير دون دفع المعنيين لطرح أسئلتهم حول ما هو معتقدات وممارسات.
لقد كان التغيير الموجه لِما هو تربوي مثلاً دوماً مجزءًا، لدرجة الحديث عن التغيير (الاصلاح)كموجات كثيراً ما لا تدوم طويلاً بعيداً عن أية رؤية بمعالم واضحة تجاه مستقبل الكيان التربوي والفضاء التعليمي، ناهيك عما ارتبط بهذه الموجات من ورشات بجرعات محددة من برنامج ما، دون أي اكتراث بسؤال استمرارية الأمر وتوافقه مع سابق جهد وتدخلات لسنوات. بحيث لا ينتظر من المعنيين سوى أجرأة ما لم يحظ بما هو كاف من استيعابوفهم ومهارة وغيرها، لدرجة أنه قبل انخراط هؤلاء في مسلسل تغيير ما، تكون المدرسة بمكوناتها قد انتقلت الى رهانات وقضايا أخرى. وعليه من المفيد الانتقال من النظر للتغيير باعتباره أمراً دورياً متوقعاً الى وعي به كفرص هادفة مدروسة أكثر عمقاً لفائدة تطوير وتجديد وتجويد دائم ومستمر.
مع أهمية السؤال في هذا الاطار حول كم من رهان تغيير(اصلاح) دخل وخرج دون نتائج، وليس السبب مسألة فهم وتجريب بل لعدم أخذ العنصر البشري بعين الاعتبار كمكون أساسي وبنية في التغيير. ومن هنا ما ينبغي من انسجام بين التغيير ومضامينه ووجهاتهالمستهدفة، وبين ما هي عليه قناعة المعنيين حول طرائق اشتغال بل وإشراك لهم في عمل الإعداد دون تراتبٍوحرجِتباينِ رأيٍ ومعلومةٍ وغيرها. ليبقى التغيير هو ذلك الذي باتجاه مستمر وشامل لأركان منظومة ما، ولعله أيضاً الذي يرفع من ايقاع تجويد وأداء في مستواه الوسطي، ويقلل من التفاوت ويعتمد ثقافة تشاركٍ في التحليلِ وفي فهمِ سيرِ نجاحِ أمورٍ وفشلِ أخرى، على أساس أن التغيير لا يعتمد مفهوماً ثابتاً للنجاح بقدر ما يعتمد ويروم سعياً دؤوباً ليصبح المرء أفضل.
وإذا كان التغيير مسألة مبادرة عملاً بقوله تعالى”لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، وتناغما مع ما جاء عند المتنبي”على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم”، فإن أجرأة هذا التغيير كثيراً ما يكون ما هو فردي فيها أمراً صعباً وغير كاف، وبالتالي أهمية وجود فريق عمل وفق تدبير زمني محدد يقود المبذول من الجهد لتحقيق المنشود من النتائج. وفي هذا الاطار بقدر شعور أعضاء الفريق بأن هناك علاقة تراتب وهرمية ضمن ما هو إشراف لا غير، بقدر ما يتناول هؤلاء واجب أجرأة التغيير على أنه عمل تشارك، علماً أن التغيير مهمة أساسية من مهام القيادة من خلال تجاوزها للمألوف عبر تخطيط وتطوير وتحسين مستمر، لبلوغ تجويد ونوعية وتميز وتفوق فضلاً عما هناك من مواكبة وادراك لحاجيات ومتغيرات عبر التتبع.
وما التغيير في عمقهسوى جهد يروم استئصال لامبالاة وسلبية في بيئة عمل ما كما بالنسبة للإدارة مثلاً، والتي بقدر ما يسجل من صعاب في حياة الانسان اليومية ومن حاجة وتحول مجتمعي في زمن رقمنة وعولمة، بقدر ما يقالحول الادارة ومواردها وسير خدماتها ودرجة مواكبتها علماً أنها بمسؤوليات ومهمات ذات تحديات متداخلة. وإذا كانت وجهات قياديي الادارة الايجابية تأخذهم الى السمو والأفق والانجاز، فإن وجهاتهم السلبية تدفع بهم الى التدني والفشل، ويظهر أن مقابل ما هو مطروح لهؤلاء من تحديات لتحقيق التجويد والفاعلية والانتاجية والتنافسية وغيرها، في ارتباط بعلاقات وقيم متغيرة وكفايات وكلفة موارد بشرية كذا غياب روح عمل الفريق ناهيك عما هورغبة وسلوك وحماس..،أمام كل هذا وذاك باتت ادارة الأشياء في اعتقاد باحثين أسهل من إدارة الأفراد وإدارة الآخر أسهل من إدارة الذات، على أساس ما يسجل من تحديات في علاقة بالعمل. لدرجة أنه عندما يتم الدفع بشخص منتج الى مجال تدبير ما فإننا نفقد شخصاً كفؤاً أكثر مما نكسب مدبراً محنكاً، ذلك أن مهمة الادارة ترتكز على مؤهلات مفقودة أكثر مما ترتكز على مؤهلات موجودة.
لقد بات التغيير أمراً مثيراً للجدل خلال العقدين الأخيرين، في أفق إعادة هندسة أنشطة وموارد المؤسسات عموماً كذا تفاعلاتها وأدوارها وكفاياتها وانتاجيتها. مع أهمية الاشارة لِما سجل من محدودية نتائج في تجارب عدة من خلال ما حصل من مبادرة فشلت في بلوغ توقعاتها، ولعله ما فسر بغياب قيادات ذات قدرات ابداع وتحفيز عبر أشكال تدبير منتجة ومنافسة، وبالتالي أهمية تكوين قادة لأمور مؤسسات على أساس مهارات من أجل تغيير نحو الأفضل.
ويكاد يكون الحديث عن إدارة التغيير عموماً أمرا غير دقيق على أساس أن قيادة التغيير هي الأهم، فقد ينتهي بالفشل ما يمكن أن يقوم به مدبرون لشأن إدارة من أجل التغيير ،خلافاًلِما يمكن أن يسهم به قادة عمل أكفاء والذي غالباً ما يكون هاماً ودائماً. وإذا كان مديرو ومدبرو المؤسسات بما في ذلك التربوية على درجة من كفاءة تنظيم وتخطيط وتتبع ومصاحبة وحل اشكالات…ضماناً لسير العمل، فإن بناء رؤية وعمل من لا شيء لدرجة الابداع يتطلب منظومة مهارات هي في الحقيقة مهمة قيادة لا غير، ومن هنا أهمية الانتقال من مهارات الادارة الى مهارات القيادة ،لتحقيق تغيير نعتقد أنه بدون انفتاح المؤسسات عليه يصبح كيانها محفوفاً بمخاطر عدة ومتداخلة.
إن التغيير المؤسَّس والمعبر والكبير في نفس الوقت رهين تحققه بمشاركة العديد من المعنيين وبفعالية، ولعله أيضاً ما يسهم في تجاوز قيود تعرقل أجرأة رؤية ما تروم التطوير، ما ينبغي أن يكون هؤلاء المعنيون على علم به من خلال فهم اتجاه نظامهم ومنظومتهم ومؤسستهم. وهذا هو ما يوحد شعورهمبالهدف والرهان ويساهم في التغيير والاهتمام به ذاتيا وموضوعياً، علماً أن النجاح يولد النجاح والتغيير الهادف يحتاج الى وقت وجهد معاً. وللإبقاء على قناعة وحماس التغيير في وسط ما ومؤسسة ما ومجال ما، لابد من دليل على أن الخطة تروم ما هو جيد، وهذا هو ما ينبغي أن يتوفر في أية عملية تغيير لإثبات أن الأمور تسير في اتجاهها الصحيح، من خلال ما هو مرئي ظاهر وواضح وأكثر ارتباطاً بما بذل من جهد ، بل مع كل تقدم وتحسن في وضعية وتغيير يتراجع ما هو سلبي من ردود فعل ويزيد الضغط للالتحاق بالرؤية والمسار.
إن أجرأة تغيير ما في مجال ما هو أهمية تلقي شيئاً ما ملموساً يمكن استثماره في فضاءات العمل، على أساس أن الخزانات باتت مليئة بملفات نظرية مع شفويات هنا وهناك. بحيث الذي ينبغي توفيره هي فرص التمرين، وضمنياً التفكير في الطريقة التي بها وعبرها يتحقق التغيير والتجويد والتطوير والتعديل بما يتوافق وحاجيات واقع ما، مع أهمية اكتساب مهارات لازمة لتوظيف المفاهيم الجديدة واستخدام الموارد على نحو أكثر فاعلية وبالتالي تجاوز ما هو ممارسات سابقة غير مفيدة.
فهل من يبذل جهداً للِّحاق في أفق التجاوب واحتواءالمستقبل كخبرات ومهارات وكفايات ومعلومة وتواصل ووعي وغيره…هو أكثر سعادة ممن يتشبث بالماضي وآلياته؟ وهل اكتساب سبل اللِّحاق أمر سهل كما قد يعتقد كثير؟ وهل من يحاول تنمية الذات أكثر اطمئناناً وارتياحاً للتغيير؟ وهل بتطوير الفرد لمهاراته يشعر بأن ما يقوم به هو بفائدة له ولغيره ولمؤسسته؟. ليبقى في ختم القول أن ما يدفع للمضي قدماً ويثير حماس التغيير هو ذلك الشعور بالمعنى والهدف والإتجاه.،مع أهمية الاشارة الى أن من يشجع الآخرين عموماً على القفز نحو المستقبل يعمل على توسيع قدرة هؤلاء على التغيير.
التعليقات مغلقة.