أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

كيف سيحكم التاريخ على قرار محكمة العدل؟

أطلق حكم محكمة العدل الدولية الذي يطالب إسرائيل بمنع ارتكاب أي عمل يُحتمل أن يرقى إلى الإبادة الجماعية في القطاع والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إليه موجة أمل لدى المناصرين للفلسطينيين في العالم.
الرئيس الجنوب أفريقي سيريل راموسا كان يرتدي الكوفية الفلسطينية وهو يتابع مع زملاء له من أعضاء حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وقائع الجلسة، وحالما انتهت المحكمة من قراءة حكمها بدأ المسؤولون بالغناء والرقص. رحبت الحكومة الفلسطينية بالقرار، وكذلك فعلت حركة «حماس» كما رحّبت مجمل الدول العربية به، وكذلك فعلت دول الإقليم وعلى رأسها تركيا، وأكد الاتحاد الأوروبي أنه يتوقع تنفيذا «كاملا وفوريا» لقرار محكمة العدل الدولية.
على الجهة المقابلة، فإن امتناع المحكمة عن الطلب من إسرائيل وقف إطلاق النار سمح للولايات المتحدة الأمريكية باعتبار القرار «يتفق مع رؤيتها بأن إسرائيل لها الحق في اتخاذ إجراء وفقا للقانون الدولي لضمان عدم تكرار هجوم السابع من أكتوبر» فيما زعمت وزارة خارجيتها بأن المحكمة «لم تصدر قرارا بشأن إبادة جماعية أو دعوة لوقف إطلاق النار».
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أقل مداورة (وأكثر شراسة) في الرد فاعتبر دعوى ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية ضد الفلسطينيين أمرا «شائنا» وأكد مجددا أن إسرائيل «ستواصل الدفاع عن نفسها» بل واعتبر حرمان إسرائيل من «هذا الحق الأساسي هو تمييز صارخ ضد الدولة اليهودية» وهو ما ترجمته أن جيشه سيواصل ارتكاب جرائم الحرب والإبادة والتطهير العرقي، وأن أي جهة سياسية أو قانونية عالمية تحاول وقف هذه الإبادة هي «معادية للسامية».
غير أن بعض المسؤولين والشخصيات الإسرائيلية اعتبروا القرار «انتصارا» حيث رأى إيلون ليفي، الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية، أن المحكمة رفضت «الطلب السخيف» لجنوب افريقيا بتوقف إسرائيل عن الحرب، وقال رئيس تحرير صحيفة «جيروزاليم بوست» السابق بأنه «ضربة مدمرة لمن يتهمون إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية» واعتبرت رئيسة قسم القانون الدولي في جامعة حيفا، أن احتمال طلب المحكمة وقف إطلاق النار كان «أكبر مخاوف إسرائيل».
بعد ملاحظة ترحيب المرحبين بالقرار، باعتباره انتصارا للشعب الفلسطيني، وللذين قرأوه نصف قراءة، أو رحّبوا بالنصف الفارغ من الكأس، من الذين رأوا في عدم إقرار المحكمة وقف إطلاق النار انتصارا لإسرائيل، فالمنطق يقول إن كل حالة تتعلّق بالظروف السياسية الخاصة بها.
يمكن فهم هذا الأمر حينما نستذكر الوقائع التاريخية الصارخة فيما يتعلق بأمريكا، حليفة إسرائيل الاستراتيجية، وشريكتها حاليا في الكثير من جرائم الحرب التي تُرتكب ضد الفلسطينيين، حين ووجهت باتهامات من قبل محكمة العدل الدولية.
لأن محكمة العدل الدولية معنية، منذ تأسيسها عام 2002، بمحاكمة ومعاقبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب أو تطهير عرقي، فقد امتنعت واشنطن عن التوقيع على اتفاقية الانضمام إليها، وعندما وصل الأمر لاتهام الجيش الأمريكي بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد معتقلين في أفغانستان عام 2018 هددت واشنطن القضاة العاملين في المحكمة بالمنع من دخول الولايات المتحدة وبتجميد أرصدتهم البنكية وبمحاكمتهم، وذلك لأن محاكمة جنود أمريكيين، كما قال جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي حينها، «تعد خرقا لسيادة بلاده». وهدد بولتون المحكمة وقتها أيضا، لفتحها تحقيقا في مزاعم انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبها جنود إسرائيليون في غزة والضفة الغربية!
الاستنتاج المطلوب من هذه الوقائع يستوجب استيعاب السياق السياسي التاريخي الدولي في كل ما يتعلق بإسرائيل، ولكون هذه الدولة التي تدلّ كل سلوكياتها السياسية على اعتبار نفسها فوق القانون أصبحت، بعد حكم محكمة العدل الدولية، تحت المساءلة القانونية، وهو ما يعني أن الحكم هو تطوّر مهم يمكن البناء عليه، وأن على الفلسطينيين والمناصرين لهم في العالم استخدام هذا القرار كسابقة قانونية كبيرة لمزيد من الضغط على إسرائيل وحلفائها.

التعليقات مغلقة.