بقلم حسن شاكر
اعتمدت الدولة المغربية في تدبيرها لملف الجاليات المغربية على هندسة راعت من جهة الجانب التنفيذي من خلال حقيبة وزارة الهجرة ووزارة الخارجية واللجنة الوزارية (الحكومة)، والجانب الاجتماعي والثقافي من خلال “مؤسسة الحسن الثاني”، وراعت الجانب الاستشاري والاستشرافي من خلال “مجلس الجالية”، بالاضافة الى مؤسسات أخرى كمؤسسة “محمد السادس للتضامن” والمكلفة بعملية “مرحبا”.
وتنوع هذه التركيبة وتعدد المؤسسات ينم عن اهتمام حقيقي للدولة المغربية اتجاه مغاربة العالم، خاصة وأن كل تلك المؤسسات تعلم علم اليقين أن ملف الجاليات المغربية هو مساحة محفوظة لجلالة الملك “محمد السادس”، وأن كل القرارات الكبرى كان مصدرها القصر وليس الحكومة أو البرلمان، وخير دليل على ذلك خطابات سنة 2006 الخاص بالمواطنة الحقة للجاليات و2015 الخاص بالقنصليات والسفارات، ثم خطاب 2016 للدفاع عن أبناء المهاجرين من حملات التشويه والاتهام بالتطرف بأوروبا، بالإضافة الى بلاغات ملكية لـتسقيف أسعار الطيران وحسن الاستقبال ومحاربة ظاهرة السطو على عقارات المهاجرين واللائحة طويلة…
كما لا يمكن انكار التحولات الكبيرة في مجال تدبير ملفات مغاربة العالم، إذ قد يبدو للبعض أن الأمور جامدة و لا تتغير، لكننا نعتقد أنه بفضل دينامية جمعيات وفعاليات مغاربة العالم ومواقعهم الإعلامية تم تحريك العديد من الملفات وتنبيه المؤسسات الى بعض النقائص، وما تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2018 بخصوص العرض الثقافي لمغاربة العالم لسنتي 2016 و2017 إلا دليل قوي على هذا الاهتمام والانصات، حتى أن البعض وصفه بالتقرير الأسود الذي عرى على نقائص تدبير العرض الثقافي، ووجه أصبع الاتهام الى كل المؤسسات المعنية حصريا بالعرض الثقافي، وهي وزارة الهجرة سابقا، ووزارة الخارجية، ووزارة التعليم، ثم مؤسسة الحسن الثاني…
أما التهم أو النقائص فقد حددها قضاة المجلس الأعلى للحسابات في ضعف آليات التنسيق بين المؤسسات وغياب مؤشرات قياس الأداء والأثر وتقييم مشاريع العرض الثقافي، كالمخيمات الصيفية والمقامات وجولات المسرح وتعليم اللغة العربية والثقافة المغربية وعدم ملائمة آليات تخطيط الميزانية؛ مع الإشارة إلى أن العرض الثقافي خُصص له غلاف مالي كبير قدر بحوالي 531 مليون دهم.
التقرير تطرق أيضا لغياب اللجنة الوزارية، وأنها اجتمعت خمس مرات فقط منذ تأسيسها سنة 2013، وأن آخــر اجتماع لها كان بتاريخ يوم 26 ماي 2017؛ فالحصيلة بعد تقرير قضاة مجلس الحسابات هي استمرار اللجنة الوزارية (لجنة حكومية) في غيابها عن قضايا مغاربة العالم إلى تاريخ اليوم، وإلحاق وزارة الهجرة بوزارة الشؤون الخارجية، وهو ما يعني حصر مؤسسات العرض الثقافي المخصص لمغاربة العالم في كل من وزارة الخارجية ووزارة التعليم و مؤسسة “الحسن الثاني” فقط؛ وهنا نسجل استمرار غياب مخاطب رسمي للجالية لدى وزارة الخارجية، والتساؤل حول مدى تجويد الخدمات الاجتماعية والثقافية من طرف مؤسسة “الحسن الثاني” بشراكة مع وزارة التعليم.
فكثيرا ما نسمع عن تنظيم مخيمات ومقامات صيفية لفائدة أبناء الجاليات من طرف مؤسسة “الحسن الثاني”، لكن لا أحد أطلعنا عن طبيعة البرامج المقدمة للأطفال الصغار، لا أحد اطلعنا عن أسماء الهيئات والتنظيمات التي سترافق أطفال مغاربة العالم طيلة مدة المخيمات والمقامات، لا أحد طمأن الآباء والامهات عن الحالة النفسية لاطفال الجاليات أثناء فعاليات المخيمات، وهل يتوفر القائمون بمؤسسة “الحسن الثاني” على المخيمات الصيفية على دراسات اجتماعية تساعد على فهم حاجيات الأجيال الجديدة من مغاربة العالم..؟.
نتمنى صادقين مراجعة معايير هذه المحاصصة حتى يستفيد منها كل أبناء الجاليات المغربية بالخارج على قدم المساواة التي ينص عليها دستور المملكة، لأن معركة الهوية والثقافة المغربية لأبناء المهاجرين تستدعي استحضار كل النقاط التي جاء بها تقرير قضاة المجلس الأعلى للحسابات، كما تستدعي استعجال تطبيق كل التوصيات الخاصة بالمسرح وتقوية العلاقة مع النسيج الجمعوي بالخارج، لأن جالية صاحب الجلالة تسحق فعلًا ذلك.
المصدر: أنفاس بريس
التعليقات مغلقة.