إن المتأمل اليوم لحال واقع المدرسة المغربية، لن ينتظر طويلا حتى بصف لنا بحسرة مايجري داخلها، ويتمنى بشكل أو بأخر، لو عاد شأنها كما كان عليه في الأمس القريب والجميل . فالأصل في المدرسة أن تخرج لنا مواطنين صالحين، مسلحين بالأخلاق والمعرفة ، لكن ما نراه اليوم خلاف ذلك ، فالمدرسة اليوم متهمة بكونها مرتعا لاحتضان كل أشكال السلوكات المنحرفة ، فيكفي أن تمر بإحدى المدارس وتقف لدقائق ، لترى مظاهر وسلوكات لا علاقة لها بوظيفة المدرسة ،فالمدرسة طريق لا بد منه وهي من محددات وركائز البناء الحقيقي والسليم ، فحالة اللاتوازن التي تتسم بها المدرسة تستدعي منا التدخل العاجل لعلاج الداء ، وقد تعاقب على المشهد التربوي من نظروا وشخصوا ولكن علاجاتهم لم تنفع كونها ، أن من لهم الصلاحية والأهلية لعلاج الداء مستبعدون، فحال المدرسة كالمريض الذي نقل على وجه السرعة للعناية المركزة فطال انتظاره فيها، فلم يتبقى له سوى انتظار الموت في أي لحظة ، فالمشاكل التي تتخبط فيها المدرسة كثيرة ومتشابكة ، لن أتكلم عن الاكتظاظ أو هشاشة البنية التحتية أو سوء المرافق إلى غير ذلك من المشاكل ، ولكن سيكون حديثي إلى ما هو أخطر من ذلك ، والمتعلق بالجانب النفسي سواء لدى المعلم أو المتعلم ، ولعل من أثاره حالات العنف المتكررة والمتبادلة بين ناقل ومتلقي المعرفة، فمردذلك أساسا إلى التراكمات النفسية والإيحاءات السلبية التي تطبع العلاقة بين الطرفين في كثير من الأحيان ، وقد أدت في حالات معينة حد الانتقام . فالمدرسة مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بالاستعانة باستشاريين نفسيين مؤهلين لإعادة التوازن الطبيعي للمدرسة ، عبر مساعدة التربويين على فهم مشاعر وقدرات المتعلمين بواسطة مقاييس علمية كقياس مستوى العنف لدى المتعلم أو قياس مستوى الذاكرة إلى غير ذلك من المقاييس العلمية ، كذالك الإدارة مطالبة بالاستعانة بهم لمساعدتها على وضع البرامج وتحديد الحاجات فلن تكون آنذاك بحاجة إلى فرض العقوبات التي ستزيد الطين بلة بقدر ما سيكون لتدخل الاستشاري النفسي الأثر في إعادة التوازن والثقة لذات المتعلم وهذا مافطنت له الدول في السابق فكانت النتيجة أن ارتقوا المراتب العليا وأصبحوا مثالا يحتدى به . فالمعلم المغربي يمر بأزمات نفسية جد صعبة ، كونه يحتمل ما لا يحتمل، فهو الطبيب والمربي والملقن ,,, إلى غير ذلك من المهمات ، لدى فالاستشاري النفسي من أسمى مهماته تخفيف العبء على التربويين حتى يتسنى لهم أداء وظيفتهم على أكمل وجه، وذلك بوضع الإصبع على الداء وبالتالي المساهمة في العلاج وتقديم الاستشارات والعمل على توجيه السلوكات عبر معايير علمية واضحة، ولعل حديثي هنا لم افرق فيه بين العمومي والخاص لأنهما في المشكل سيان.
إن التنافس مستقبلا بين المدارس سيكون بالاعتماد على خدمات الاستشاريين النفسيين ، وستدرج كأولوية للمؤسسة لمواكبة التحولات وتوجيه السلوكات، وستصبح من أهم معايير الجودة لدى المدرسة ، فالأصل للقضاء على السلوك المنحرف . ليس في السلوك بحد ذاته وإنما في القضاء على أسبابه ومسبباته والمرتبطة أساسا بما هو نفسي. وهنا يجب أن نفرق بين الطبيب النفسي والاستشاري النفسي حتى لا يقول قائل هل المدرسة بها مرضى نفسيين كلا فالطبيب النفسي مهمته الاشتغال على معالجة الحالات النفسية الحادة في غالب الأحيان أما الاستشاري هو فقط يصحح ويوجه المسار النفسي حتى لا ينحو منحا سلبي، فكل إنسان مهما كان، يعاني بعض اللاتوازن رغم كونه يتسم بالبساطة، إلا أن إهماله يسهم في تطوره . لذلك كان لزاما حضور عمل الاستشاري النفسي، ولعل التكوينات التي دشنتها الحكومة بداية 2016 في تكوين وتأهيل 25 ألف مجازمن بينها تخصص الاستشارة النفسية والأسرية والوساطة كفيلة لسد هذه الحاجة إذا ما أحسنت الحكومة الاستفادة منهم ، لعلي هنا لامست بعض من العوائق والعثرات التي تؤرق بال المشهد التربوي وسأحاول فيما يستقبل من الأيام أن أقف عند بعض المشاكل المتكررة مع تقديم مقترحات وحلول فعالة حتى نحاصر كل المظاهر المعيقة والمانعة لأداء المدرسة
التعليقات مغلقة.