أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

ما الذي يجعل القضاء غير مستقلا؟

الحسين لعنايت

لا نريد ان نجادل فيما ينسجه من “مواقف اللحظة” بعض اليسارين الذين يتمظهرون بانهم “مقربين وعارفين” بما يختمر من “تناقضات ثانوية” وسط الطبقات العلوية لهرم السلطة…. هذه التناقضات، حسب ما نفهمه مما يكتبون، “ذهب ضحيتها، ” أحد الإسلاميين المنتمي هو بدوره للدائرة “المقربة والعارفة” بأمور نجهلها نحن بسطاء الناس.

لا نجادل في الامر لأنه بكل بساطة هذه التناقضات الثانوية ستبقى أداة لاستقطاب النخب ولن يستقطب اهتمامنا الا انفجارها.

ما نريد ان نجادل فيه هو قول هؤلاء بان “القضاء غير مستقل” لكنهم يفتقدون للجرأة كي يفسروا لنا ما الذي يجعل القضاء غير مستقلا؟

نحن نقول بأن القضاء غير مستقل في كل مكان وفي كل زمان لان القضاة لا يحكمون بما “يمليه عليهم ضميرهم”(حسب المقولة المبتذلة) بل يحكمون حسب القانون… والقانون تضعه الطبقات المسيطرة… فإذا كانت الطبقة المسيطرة استبدادية مفترسة فإنها تضمّن فصول القانون جملا ومفردات فضفاضة يمكن تأويلاها حسب موازين القوى وحسب الوضع السياسي الوطني والدولي… وحسب نزاهة وكفاءة القاضي وهيئة الدفاع….

على هذا الأساس في نضالنا من اجل احقاق العدالة لا ننطلق من “مسلمة” ان “القضاء غير مستقل” ونركن الى الحياد او السبات او اللامبالات بل نستغل كل المحاكمات خاصة منها السياسية او النقابية او المتعلقة بمحاكمة المناضلين الميدانيين للحراكات الشعبية لمحاسبة التكتل الطبقي المستبد المفترس وقوانينه الجائرة والمطالبة باطلاق سراح المعتقلين وتبرئة المتابعين انطلاقا من القناعة بان نضال هاته المناضلات وهؤلاء المناضلين يصب في اتجاه إقرار قانون يخدم الطبقات الكادحة ويكبل جماح الطبقة المسيطرة سياسيا واقتصاديا وثقافيا.
فعندما يعلن مصطفى الرميد، حين اعلان متابعة حمي الدين في قضية اغتيال الشهيد محمد بنعيسى ايت الجيد “يبدو ان تكريس حقوق الانسان والقواعد الأساسية للمحاكمة العادلة في هذا البلد يحتاج الى نضال مرير ومكابدة لا حدود” . نحن لا نثق بهذا الكلام الذي تتماهى معه النخبة اليسارية “العارفة والمقربة” لان مصطفى الرميد وزير “حقوق الانسان” الحالي كان وزيرا للعدل. ووزارة العدل تشكل احد الاعمدة الأساسية في تثبيت الحكم وضمان استمراريته.

سنعطي مثالا نوضح من خلاله لماذا لا نثق في كلام مصطفى الرميد. بداية استسمح لانني ساهتم بالشعب “بتاوع التحت” الذي في قاعدة الهرم الجاهل بملحمة التناقضات الثانوية في القمة الأعلى للهرم.
ففي الحوار الاجتماعي ل 30 ابريل 2003 تعهدت الحكومة بإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي ولم تطبق تعهداتها. في الحوار الاجتماعي ل 26 ابريل 2011 قدمت الحكومة نفس تعهد 2003 ولم ينفذ. كما أن “المجلس الوطني لحقوق الإنسان” أكد دعمه لإلغاء هذا الفصل 288 وحث الحكومة والبرلمان على القيام بذلك، بناء على الملاحظة النهائية الموجهة للمغرب بتاريخ 04 شتنبر 2006 من طرف لجنة الأمم المتحدة المهتمة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

يعتبر عهد مصطى الرميد (2011-2017)عهدا زاخرا فيما يتعلق بالتعديلات التي أدخلت على مجموعة القانون الجنائي المغربي ما يعني ان السيد سيد في قطاعه ولا تتدخل في مهامه لا التماسيح ولا العفاريت. لكن مصطفى الرميد واغلبيته في البرلمان وحكومته لم يولوا أي اهتمام بالفصل 288 لانه بكل بساطة يتعلق بالشعب “بتاوع التحت” . الادهى في الامر ان الفصل 288 هو مستنسخ من القانون الفرنسي لسنة 1810 (فرنسا نابوليون بونابارت) ويتضمن هذا الفصل 288 الذي نجده في نسخة مجموعة القانون الجنائي لسنة 2018، ما يلي:

“يعاقب من شهر الى سنتين ….. من حمل على التوقف الجماعي عن العمل …… او حاول ذلك مستعملا ….. او وسائل التدليس متى كان الغرض منه هو الاجبار على رفع الأجور….. او الاضرار بحرية الصناعة او العمل… واذا كان ….. او التدليس قد ارتكب على خطة متواطأ عليها جاز الحكم على مرتكبي الجريمة بالمنع من الإقامة من سنتين الى خمس سنوات”
عندما يمثل عامل من الشعب “بتاوح التحت” امام القاضي بناء على هذا الفصل فكيفما كانت استقامة القاضي وكفاءته ونزاهته واستقلاليته فسيحكم على العامل بناء على وسائل “التدليس” التي تحدث عنها القانون والتي لا يمتلكها الا رب المعمل ووكلائه.
هذا ما يدل “ان المحاكمة العادلة في هذا البلد يحتاج الى نضال مرير ومكابدة لا حدود” “. هذا النضال ليس لدينا وهم في ان يشاركنا فيه الدجالون خاصة منهم من كانوا وما يزالون في “الحكومات” وساعدوا الحكم بتفان على تمرير قوانين مجحفة في حق الحريات والقوت اليومي للشعب الكادح.

التعليقات مغلقة.