أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

مثقفون مهمشون

مروان الشاطري

موضوع المثقف العربي موضوع ضخم في مبناه عميق في معناه، موضوع  يتجدد باستمرار والحديث فيه لا ينتهي، لأنه موضوعا ليس محسوما، يمكن مقاربته من مداخل متعددة، وأنا بدوري أتابع الكثير من المثقفين العرب وغيرهم بمتعة وشغف كبير، كنت أتساءل كلما زاد إعجابي بهم، لماذا لا نلمس حضورا واضحاً للمثقف العربي؟ ولماذا هذا الغياب الغريب؟ وهل هو غياب بمحض الإرادة . أم هو غياب قسري تقوم به جهات أخرى، تعمل بالضد من إرادة المثقف فتُحجّم دوره في نشر الوعي وقيادة مجتمعنا نحو الأفضل ؟

كلها أسئلة تثير الكثير من الشجون لدى فئة عريضة من المثقفين في العالم العربي، والذين يشعر بعضهم بالتهميش والإقصاء، بل بالتضييق على معيشتهم، وتنغيص حياة هذا البعض كي ينزوي ويترك مشروعه الثقافي، ويظل في الهامش تأكله الحسرات ودون أن يلتفت إليه أحد، فمن حق الأديب على الوطن أن يكون له كامل الحق، فمن المبدعين ليس له مسكن، ولا حقوق، ومن المبدعين من لا يلتفت إليه، بينما البعض الآخر يصرف عليهم مبالغ طائلة لا تعد و تحصى، ولا يرون أن المثقف هو من قاد المجتمع نحو الحياة المتحضرة، وقدم لبلده فكراً وكياناً عميقا في تشكيل بنية الوطن، إنه يعيش ليقدم إبداعاً، فيفرح لأنه أبدع، ويحلم لأنه يريد إبداعاً، ويحزن لأنه لم يقبض على فكرته الإبداعية، ويعيش طويلا ليهيم بهذا الفكر الذي يجول ويصول بداخله ليخرج شيئا مختلفا للبشرية، فهو يبقى يتأمل كثيرا في كل شئ حوله ويصر على أن يرسم الكون بخطوطه العميقة التي تجيد قراءة أرض الكون والتوق لتحويله إلى جنة يسكن فيها، يبقى مرهونا بقضاياه الفكرية الكبيرة مهموم بماذا يقدم، فيخوض كثيرا من الصراعات من أجل مبدأ التغيير إلى الأفضل، إنه يقارع الأوضاع الظالمة والمختلفة، ويساهم في بسط حياة الكرامة الإنسانية عبر إبداعاته المتنوعة، رغم كل الإكراهات التي يعيشها المجتمع العربي، والسلطة التي من المفروض أن تساعد هؤولاء المثقفين وتقف معهم تتقارب مع البعض وهي التي تختار النموذج الذي تراه صالحا يعيش في كنفها ويدافع عن توجهاتها وسياساتها، لكنهم يجعلون مثقفهم هذا يتسلخ من جلده إنسانيا ويركع مقابل ذلك ربما يجد بعد هذا الانبطاح تسخير كل الإمكانيات البشرية والمادية، من الجهة التي تقوم برعايته، ولهذا من الطبيعي أن يتغير طبعه وابداعه، لأننا نجده يهمس خلف الكواليس المغلقة، ونادرا ما يشارك في الإعلام أو الصحافة، وقد يكون له حضور موسمي يتلائم مع دروه في الثقافة الرسمية…

هذا التهميش يجعل المثقف لا يستطيع إثبات نفسه، أو التواصل مع جمهوره، خصوصا إن انزوى في حلقته الذاتية أو أغلقت دونه الأبواب،  وما من شك في أن المثقف الحقيقي متعفف لا يحب أن يسأل أحدا، ولا يدري أحد عن ظروفه الحياتية الصعبة، إنه لا يطرق الأبواب ولا يستجدي الأخرين، حتى في أقصى حالات إنتهاك حقوقه، يمكن أن يهمس لصديق، أو أن يطالب بحقه القانوني لكنه دائما ينأى بنفسه عن ذل الإستجداء.

فكم سمعنا عن أديب لم يجد الرعاية الكافية، وكم من مثقف سقط طريح المرض ولم يجد مستشفى يحتضنه، وكم أديب قضى نحبه وهو غارق في الدين، حتى يصلوا إلى مرحلة تشاؤمية جدا تبعدهم عن الإبداع، لكنه أبدا لا يجد من ينصفه سوى تاريخ فكره وإبداعه الذي يبقى معلقا كلوحة يستمتع بها الأخرون، ويموت المبدع من دون أن يكرمه أحد، من دون أن يساعده أحد، من دون أن يسمع صوت أوجاعه أحد، يموت فقيرا بعد أن قدم ثراء كبيرا للأمة بفكره وموهبته، فكم يلزمنا من وقت لنكون أوفياء مع هؤولاء؟ وكم يلزمنا لأن نمنحهم إحتراما أكثر كما منحونا ثرواتهم التي لم تعوض؟

للأسف الشديد في وطننا العربي لا يعترف بالمثقف والمبدع إلا إذا  تمدد في قبره وتأكد أنه لن ينهض أبدا… عندها يفزع الكل ويجري لتنظيم الملتقيات والندوات على شرف رحيل المبدع، فكأنما يعربون عن فرحتهم بمغادرته الحياة وتخلصهم منه.

التعليقات مغلقة.