محاكمة بوعلام صنصال: اتهامات بالخيانة وحرية التعبير
جريدة أصوات
أصوات من الرباط
التمست نيابة الجمهورية في مجلس قضاء الجزائر تسليط عقوبة عشر (10) سنوات سجنًا نافذًا وغرامة مالية قدرها مليون دينار ضد الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، خلال جلسة الاستئناف التي جرت صباح الثلاثاء 24 حزيران/جوان.
ومثل بوعلام صنصال، البالغ من العمر 75 عامًا، أمام القاضية نعيمة دحماني، وفق ما نقله موقع قصبة تريبيون، مرتديًا سروالًا وقميصًا رماديي اللون، بشعر حليق بعناية، أمام المحكمة محاطًا بعناصر من النخبة في جهاز الدرك الوطني والشرطة. وقد قرر الدفاع عن نفسه دون محامٍ.
وقد افتتحت الجلسة، وفق المصدر ذاته، عند الساعة 9:30 صباحًا، حيث خاطبته رئيسة الجلسة قائلة: “هل تسمعني؟” فردّ قائلاً: “نعم، لكن سأجيبكم بالفرنسية”، فأذنت له بالرد باللغة التي يختارها، في حين واصلت طرح الأسئلة باللغة العربية.
واستهلت القاضية الاستجواب بتذكيره بالتهم الموجهة إليه، على رأسها منشوراته وتصريحاته التي اعتُبرت معادية للجزائر، وسألته: “ما ردكم؟”، فأجاب: “لا شيء. أنا رجل حر. أتحدث إلى الجميع، وأتحدث في فرنسا، لا في الجزائر. أنا فرنسي، وكل تصريحاتي صدرت في فرنسا”.
ثم تطرقت إلى مقابلة صحفية أجراها مع قناة “فرونتيار” اليمينية المتطرفة، حيث أدلى بتصريحات حول الحدود الجزائرية، لا سيما الغربية منها، فأوضح: “قلت ببساطة إن الحدود الحالية رُسمت من طرف الفرنسيين، وهي من مخلفات الاستعمار. وذكّرت بأن الاتحاد الإفريقي أقرّ بعد الاستقلال بضرورة احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار”.
واستعرضت القاضية لاحقًا بعض الرسائل والمراسلات التي جمعته مع السفير الفرنسي الأسبق في الجزائر كزافييه دريانكور، والوزير الفرنسي السابق هوبرت فيدرين، وأشارت خصوصًا إلى قوله: “لدينا البترول وشنقريحة”، ليرد قائلاً: “كانت محادثات خاصة، أحيانًا مازحة. لا أرى ما هو الخطير فيها”، حسب ما نقله الموقع ذاته.
وبخصوص علاقاته بحركة الماك (المنظمة المصنّفة إرهابية في الجزائر)، أجاب: “أنا أتحدث مع الجميع”. ثم طرحت القاضية سؤالًا مفاجئًا: “هل زرت إسرائيل من قبل؟”، فأجاب: “نعم، سنة 2012″، واستفسرت: “في أي إطار؟”، فردّ: “كنت مدعوًا من طرف منظمة التحرير الفلسطينية والسلطات الإسرائيلية معًا”.
وسألته ما إذا كان ما زال مقتنعًا بتصريحاته ومواقفه، فأجاب بهدوء: “نعم، ما زلت مقتنعًا، لكن الإنسان قد يغيّر رأيه في الحياة”. كما ناقشته القاضية حول سبب تركيز رواياته على السياسة بدل الثقافة أو الأدب، فقالت: “لماذا لا تتحدث عن الأدب والثقافة، بل تركز فقط على السياسة الداخلية؟”، إلا أن صنصال التزم الصمت.
وفي مرافعته، ذكّر ممثل النيابة بتاريخ صنصال حيث “ولد ونشأ وتعلّم وعولج في الجزائر”، مضيفًا أنه “لم يظهر يومًا أي عرفان تجاه وطنه”، قبل أن يلتمس في حقه عشر سنوات سجنًا نافذًا وغرامة قدرها مليون دينار.
بعدها وُجهت لصنصال الكلمة الأخيرة، فقال “إنها محاكمة للأدب، وهذا لا معنى له. الدستور الجزائري يضمن حرية الضمير والتعبير والرأي، ومع ذلك أجد نفسي اليوم أمامكم”.
ويأتي هذا الاستئناف للنظر في الحكم الابتدائي الصادر عن محكمة الجنح بالدار البيضاء والتي كانت قد أدانت الكاتب في 27 آذار/مارس 2025 بالسجن 5 سنوات نافذة وغرامة مالية قدرها 500 ألف دينار.
ويوجد صنصال في السجن بعد إدانته بوقائع تتعلق بالمساس بوحدة الوطن وعدة تهم أخرى، عقب تصريحاته التي نسب فيها جزءا من التراب الجزائري للمغرب. وكان الكاتب قد اعتقل في 16 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، لدى وصوله لمطار الجزائر، بعد تصريحاته لقناة يمينية متطرفة شكك فيها في أحقية الجزائر لحدودها الحالية. وتم وضعه رهن الحبس الاحتياطي، بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري، والتي تعاقب على “الأفعال التي تهدد أمن الدولة” وتعتبرها “أعمالا إرهابية”.
وتسببت هذه القضية في تفاقم الأزمة بين الجزائر وفرنسا، ووصولها إلى أعلى مستوى بعد تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون أن “الجزائر لا يشرفها أن تسجن كاتبا” ما أثار ردود فعل قوية في الجزائر، وحديث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في المقابل عنه ووصفه للكاتب بمجهول الهوية واللص الذي يدعي أن نصف الجزائر مملوك لدولة أخرى.
وظهرت بارقة أمل في الإفراج عنه عقب المكالمة الهاتفية بين الرئيسين الجزائري الفرنسي نهاية شهر أفريل/نيسان الماضي، إلا أن كل شيء أعيد إلى نقطة الصفر عقب تفجر ما يعرف بقضية أمير ديزاد التي أغلقت قوس التهدئة بين البلدين.
ويُعرف صنصال الذي شغل منصبا حكوميا رفيعا في الجزائر بداية سنوات الألفين (مدير الصناعة)، بمواقفه الصادمة، حيث لم يتورع عن وصف الثوار الجزائريين الرموز بالإرهاب، ناهيك عن تبنيه أكثر الأطروحات تطرفا عن الإسلام تحت غطاء محاربة الإسلاماوية.
واشتهر هذا الكاتب بدفاعه الشرس عن إسرائيل التي يزورها باستمرارها، وهو ما برز بشكل أوضح بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 من خلال كتاباته وتصريحاته المتكررة.
التعليقات مغلقة.