محمد أفق الإحساس بالإيمان الروحي والأخلاقي الإنساني. عنوان الأمسية المحمدية لإحياء ميلاد الحبيب المصطفى بمسجد ستراسبورغ الكبير
ستراسبورغ / الأستاذ الحاج نور الدين أحمد بامون
ستراسبورغ / الأستاذ الحاج نور الدين أحمد بامون
الجالية الإسلامية،العربية والمغاربية تحيي ميلاد الحبيب المصطفى بعيدا عن الاحتفال التقليدي الروتيني، بإشراك باقي مختلف الديانات السماوية معها في جو أخوي (مصداقا لقوله تعالى إنما المؤمنين أخوة ) للتعريف بالحبيب المصطفى وسيراه العطرة صلوات ربي وسلامه عليه.
تمهيد:
يعتبر الإحتفال بإحياء يوم المولد النبوي الشريف من أهم وأعظم المناسبات الدينية التاريخية الثقافية للمسلمين عامة في شتى بقاع العالم بأرجاء المعمورة وللجالية الإسلامية بديار المهجر بأرض الغربة من أهم المناسبات التي يحيونها بكل فرح وشوق منقطع النظير.
وبهاته المناسبة يتشرف الإنسان المسلم عامة بالحديث عن أفضل الكائنات الحبيب المصطفى رسولنا محمد بن عبد الله الله صلى الله عليه وآله وأزواجه وصحبه الكرام وسلم تسليما. والذي يعتبر الحديث عنه بحر لا عميق يدرك قعره إلا من أحبه وعشقه، ولا يمكن السباحة فيه إلى لمن كان قلبه مطمئن مفعم بحبه والإيمان به وبرسالته السماوية التي أختاره المولى عز وجل لتبليغها للعالم أجمع ولإخراج الناس من الجهل إلى العلم ومن الظلمات العتمة إلى النور المبين.
فالإحتفال بعظمة مناسبة هذا اليوم الميمون الذي كان نقطة تحول مصيرية في تاريخ البشرية والشعلة المضيئة التي توهجت لتنير الكون بأسره والعالم أجمع يعد من أعظم المناسبات التي تستحق الإحتفاء بها بكل فخر وإبتهاج.
بداية الحفل البهيج:
أفتتحت أمسية الليلة المحمدية بكلمة ترحيبية من طرف الأستاذ “علا سعيد” رئيس المسجد الكبير ورئيس المجلس الجهوي للديانة الإسلامية بالألزاس، مرحبا بالجميع وشاكرا إياهم على الحضور وتلبية الدعوة واقتسام الأمسية في جو أخوي متنوع بمشاركة مختلف الفعاليات المجتمعية والجمعوية والمؤسساتية برمتها، منهم مجموعات حوار الديانات وبالأصدقاء منهم السيد “سلاوموا”، مجموعة “لوقاييك”، مجموعة “الديانة المسيحية والإسلامية” ,الموعد مع الديانات, مجموعة مختلف الديانات, الأخوة الإبراهيمية “بلامينو” بشخص فضيلة “الشيه ساليو صالح فاي”، السيد القنصل العام للملكة المغربية، السيدة “خديجة بلانور” مستشارة ممثلة بلدية ستراسبورغ والسيدة “مارك ساشة” ممثلة مقاطعة الألزاس للشرق الكبير، السيد “فليب مورار”، نائب رئيس المجموعة الأوروبية بالألزاس, وجمع الأئمة والمشايخ والطلبة وجميع أصدقاء المسجد ومحبيبه.
كما قدم تحياته الخالصة بالمناسبة لفضيلة الشيخ إمام المسجد الكبير الأستاذ “خليلو سيلا” الطالب الجامعي تخصص تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، الرمز الأنموذج القدوة الحسنة تثمينا وتقديرا لشخصه و اعتراف بمجهوذاته الجبارة و تفانيه في العمل المقدم الذي دأب عليه طوال السنة بأكلمها. والذي أحيلت إليه الكلمة بالمناسبة التي هنأ فيها بدوره الأمة الإسلامية عامة والجالية بستراسبورغ. مجددا الترحيب بالحضور, موضحا الهدف والغاية بأهمية الإحتفال بالنسبة للمسلمين و لتسليط الضوء على التقاليد الدينية واقتسامها مع باقي الفعاليات.
وفي ختام كلمته دعا فضيلة الشيخ الدكتور “ربيع فارس” الأخصائي النفسي والإمام الداعية عبر مساجد ستراسبورغ وغيرها، لإلقاء محاضرته المختارة بالمناسبة بعنوانها “المنبثق من أعمال السريرة” لعظمة الحدث وأهميته القصوى، لا سيما في الظروف الحالية التي يعيشها العالم بأسره.
محاضرة علمية في ندوة فكرية متنوعة دينية ثقافية أدبية من حيث نوعها، محاضرة أبرز فيها العديد النماذج المحمدية، بمشاركة أفق الأنموذج النبوي للمعنى الروحي والأخلاقي الإنساني لشخص حبيبنا وقدوتنا الحسنة رسولنا الكريم سيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه. لاكتشاف الثرات الديني لآمتنا المحمدية والتعريف به بكل إفتخار وإعتزاز.
محاور وفصول المحاضرة :
تضمنت المحاضرة عدة نماذج وقسمت إلى ثلاثة محاور. تخلل المحور الأول فصل علاقة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بربه خالقه من أصطفاه للرسالة والمحور الثاني فصل علاقته بغيره والثالث فصل علاقته بنفسه لذاته.
محاضرة أكدت في محاورها على أهمية الإقتداء بسيرة الرسول الكريم حبا للرسول الأعظم وترسيخا للإرتباط الوثيق به والتأسي بأخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم. والتعريف به للخلف وللأجيال القادمة وطلائع الشباب من الجيل الصاعد.
وأشارت إلى أهمية استلهام الدروس والعبر من سيرة الرسول الكريم في تعزيز الصمود والثبات في مواجهة الصراع في هاته الحياة بعيدا عن الديار. محاضرة دعت بضرورة التمسك بالسنة المحمدية في مواجهة الدعايات المجحفة التي تسعى لتشويه صورة الإسلام بكل البقاع،
وذلك بتنظيم ندوات وأمسيات دينية، توضح مدى التغليط الذي أظهر الكثير من السلوكيات الدخيلة على المجتمعات الإسلامية، وما صاحبه من خروج سافر عن قيم ومبادئ الدين الحنيف، والبعد عن السنة النبوية المحمدية، فكان لابد من الليلة بالأمسية المحمدية بهاته المحاضرة وقفة جليلة لإرساء الثوابت الدينية خاصة للجميع عامة ولهذا الجيل الصاعد من الأمة الإسلامية الذي شوهته المدنية والعصرنة والتقدم والانفتاح والتحرر باسم التحضر والحرية.
الترتيب لخطوات من شأنها الرقي بالسلوك العام وتهذيبه وتنقيته ليتناسب مع حضارة وتاريخ أمة من أعظم الأمم ومبادئ سيد الخلق لتكون نبراسا للحق يتحدث بصدق عن وجدان ورؤية محمدية هي نور يهدي في ظلام التدني والتخلف والظلم ونشر الحب والسلام، على أساس منهج جميع الأديان فلابد أننزيل الغبار الذي ساهم في تشوية خير أمة أخرجت للناس.
مداخلات:
بانتهاء المحاضرة و فتح باب النقاش للأسئلة و الاستفسارات حول قضايا الإسلام وأبوابه، افتتحت الجلسة التي كانت من تنشيط الأستاذ “سيدي محمد طاهري” أحد مشايخ ستراسبورغ، فارس منابر مساجدها ورمز من الإطارات الجمعوية، استهلت بألقاء ضيوف الأمسية من مختلف الفعاليات والديانات كلماتهم المتواضعة والمختصرة والتي أشارت إلى أهمية الدعوة لهذا الاحتفاء البهيج المنظم للتعريف بالرسول الكريم للجميع، و قد كانت البداية مع السيدة “دانيال ماتيو برانوف”، عن جمعية “دروب الأخوة” تحدي العيش معا بسلام. وكلمة السيد “سلامو” عن الجالية اليهودية والسيدة “ليليا” أحد الركائز الجمعوية النشيطة، وتواصلت فقرات المداخلات لكل من السيد القنصل العام للمملكة و فضيلة الشيخ “فريد ضروف” إمام مسجد النور بنهوف. وتعاقبت الأسئلة بمختلف تنوعها لساعة متأخرة لحين حلول وقت العشاء بدقائق معدودة عن الوقت الرسمي تاخيرا تعميما للفائدة للجميع.
ومضة تعريفية:
ما لوحظ من جمع الحضور لإحياء مناسبة المولد النبوي الشريفة بهاته الطريقة البسيطة في نوعها وتنظيمها واقتسامها مع باقي الأخوة لمختلف الديانات اليهودية و المسيحية بستراسبورغ، شيء مذهل ويدعونا للخجل من أنفسنا ويجب التوقف بإعجاب وإكبار وإعتزاز جد كبير أمام ما يقوم به المسلمون حاليا من حيث الانفتاح الحر المطلق بكل معانيه، انفتاح الصفح والسماحة والآلفة والدعوة الصريحة للتقرب من محراب المسلمين والسماح لغير المسلمين بمشاركة مناسبات المسلمين والتعرف عليها والعيش في أجوائها لحظات ساخنة يعرج بمتتبعها وحاضرها إلى الغوص في أعماق التفكير في عظمة هذا الدين الإسلامي القويم الذي أنزل على خير البرية رحمة للعالمين جميعا، دون إستثناء.
مظاهر الإحتفال بالمولد النبوي الشريف:
تختلف الطقوس التي تقام لإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف من دولة لأخرى ومن مدينة لأخرى ومن مسجد لآخر. طقوس خاصة ومغلقة فيما بين المسلمين لوحدهم دون غيرهم سواء بالمساجد أو المراكز الإسلامية أو الأسر والأهالي، تعودنا عليها في سالف العصور، منها قراءة القرآن وعقد حلقات الدروس والإنشاد والمدائح مما قيل وكتب في حبيبنا قدوتنا صلى الله عليه وسلم. لكن طقوس هاته الأمسية الخاصة المميزة المبهرة للجميع، اختلفت من حيث وصفها في نوعها وبرنامجها وتنظيمها ومكانها ووقتها.
شكر خاص :
فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فمن الإعتراف بحسن الاستقبال للضيوف والترحيب بهم والتوجيه كل بمكانه وحسن التقديم و التنظيم و خدمات الضيوف المذهلة التي أبهرت الجميع وتركت انطباعا حسنا جميلا يشاد به من طرف الجميع، ببصمة منقوشة في الأذهان.
فكل الشكر الجزيل بداية للأستاذ “علا سعيد” على الدعوى والترحيب و السادة “مصطفى ولقاضي” و “حميد لوباردي” و “فواد دوي” و “مصطفى صدقي” و الإعلامي المميز “حميد دروش”، والشكر كل الشكر للأستاذ “سي محمد طاهري” على وقوفه الشخصي وحرضه الشديد على خدمة الجميع بنفسه ولا سيما تقديم كؤوس الشاي بالطريق التقليدية المغاربية ترحيبا بالضيوف وتشريفهم للأمسية جزاه الله خير.
حضور قوي مميز ومبهر:
إضافة إلى ضيوف الأمسية عرف الحفل حضورا قويا متميزا ومتنوعا للأهالي والأسر رفقة أبناء المدينة وشبابها من مختلف الأعمار والفئات إناثا وذكورا، والذين عبروا عن فرحتهم بهذا الحفل الذي يحيي في القلوب ذكرى من أغلى الذكريات، ويعرف بمنزلة المصطفى صلى الله عليه وسلم وواجب الإقتداء والاهتداء على مدى الحياة ليس في يوم أو مناسبة.
أمسية تميزت بنفحات إيمانية مفعمة بالعبادة والذكر والصلاة وختامها مسك الترويح عن النفس في جو بهيج تمازجت فيه مختلف الديانات بجالياتها وممثليها، وتنوعت الثقافات و إبراز التراث الفكري و الديني التاريخي لكل منهم في فضاء شاسع يسع الجميع فضاء إن لم يسعه المكان يسعه القلب و الفؤاد بكل حب ومودة.
بانتهاء المحاضرة وصلاة العشاء جماعة عاد الحضور لمواصلة الأمسية لأن تعدد اللقاءات بين هذا وذاك وهؤلاء و هؤلاء بمختلف أجنحة المكان لتعارف و تبادل الأفكار و اقتسام الرؤى في ظل الاخوة الصادقة والمحبة الصافية دون زيف ولا نفاق بكل شفافية وعلى هامش الأمسية وخاتمها مسك دعي الجميع لتناول وجبة العشاء من إكراميات وكماليات مما لذ وطاب من إشراف و خدمة جنود الخفاء بقيادة “سيدي محمد طاهري” و حرائر النادي الشعبي بستراسبورغ حظاهم الله خيرا جميعا.
ليسدل الستار على الليلة المحمدية المشرفة بمسجد ستراسبورغ الكبير “عقبى” للسنة المقبل الله إن شاء الله.
التعليقات مغلقة.