مراكش من الوجهة السياحية العالمية إلى تدبير يقتل جمالية المدينة والتنمية
مراكش: عبد اللطيف سحنون
على الرغم من ريادتها العالمية في مجال السياحة واحتلالها مراكز متقدمة، تعيش مراكش وضعا نقيض هذا المركز من جهة تدبير النفايات والأزبال، من قبل الشركتين المكلفتين بالتدبير، وضع يقابل في المستوى الثاني بعدم تطبيق المقتضيات المنصوص عليها في دفتر التحملات، في شقيه البيئي من جهة توفير الآليات المنصوص عليها وتغطية شاملة ومنتظمة لكل المناطق، إلى الشق البشري حيث معاناة عمال النظافة من ممارسات الشركة المفوض لها تدبير قطاع النظافة بمقاطعة المنارة، وخرق سافر لكل المقتضيات المنصوص عليها في الدفتر وتركيم للأموال على حساب معاناة هاته الفئة الاجتماعية مع سلوك منحى القمع المادي والمعنوي.
الحالة العامة التي تعيش على وقعها المدينة الحمراء هي ضعف الرقابة إن لم نقل غيابها، مع ما يرتبط بذلك من غياب للمساءلة وربط المسؤولية بالمحاسبة كمبدأ دستوري، وفق ما جاء في الفصل الأول من الدستور كمقوم رابع بعد الحكامة الجيدة، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وفصل السلط وتوازنها وتعاونها، كما أن جلالة الملك محمد السادس نصره الله ما انفك يؤكد على ضرورة استحضار هذا المبدأ في مجمل خطبه السامية التي تعد فلسفة وتوجيها للسياسات العمومية.
الحفاظ على النظافة في الأماكن العامة بالمدينة الحمراء ليس مسؤولية مالية تتقاضى عليها الشركة المناولة أجرا سخيا، بل مبدأ كوني أكد عليه مؤتمر ستوكهولم الذي تناول قضايا الإنسان و البيئة حيث حث على تنمية الوعي البيئي المستدام، وهو ما أشارت إليه المادة (55) من ميثاق الأمم المتحدة وأيضا الميثاق العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، والإعلان حول التّقدم والإنماء في المجال الاجتماعي عام 1969، من خلال المادة (13) التي وسمت بعنوان: حماية البيئة البشرية وتحسينها.
أمام هذا الكم الهائل من النصوص الوطنية والكونية، ومع أن الشركتين المناولتين ملزمتين بدفتر التحملات وضرورة تطبيق مقتضياته، والجهات الوصية ذات الصلة خاصة مجلس مقاطعة المنارة بمراكش بإعمال المراقبة وإنزال الغرامات في حالة عدم التقيد ببنوده، لأن الأمر يتعلق بالمال العام في الأول والأخير.
مراكش أفضل الوجهات السياحية تزكم أنوف زائريها
ليس مفاجأ تصنيف الحمراء، إحدى أفضل الوجهات السياحية، وحافظت على هذا التصنيف خلال الأعوام العشرة الأخيرة، أي ضمن العشر الأوائل كوجهات سياحية على المستوى العالمي، وكانت قد صنفت في المرتبة الأولى عام 2015، نظرا لتوفرها على مؤهلات هائلة تجعل منها واحدة من أهم المدن السياحية على المستوى العالمي.
تصنيف عالمي يقابله روائح تزكم الأنوف
في المقابل يعرف قطاع تدبير النفايات بعمالة مراكش عموما، وبمنطقة المنارة خصوصا انتشارا للروائح الكريهة بشكل يومي، وبالضبط قرب مدرسة ابن تومرت والدائرة الامنية الثامنة (سابقا).
وضع يخلق جوا من عدم الرضى من قبل المواطنين، إذ يشير استطلاع محلي أن الساكنة غير راضية على سياسة تذبير النفايات التي تعرف تدنيا في مستوياتها، وضمنها تحضر المخلفات أو المياه القذرة أو النفايات السائلة أو مخلفات البناء في الشوارع أو على الأرصفة أو في أي مكان آخر بصورة تلحق الضرر بالصحة العامة والأذى بالمواطنين.
رئيس مجلس مقاطعة المنارة: لا للميخالة، نعم لمراكش نظيفة
عبر رئيس مجلس مقاطعة المنارة، عبر موقعه الرسمي، عن أسفه من المشهد الأليم الذي تعيشه المدينة العالمية حيث قال.. “لا للميخالة، نعم لمدينة نظيفة”.، مشيرا إلى أن الوضع يستفحل “وبشكل يومي قرب مدرسة ابن تومرت وأمام الدائرة الامنية 8 سابقا، والله حتى عيب اوعار او حشومة هادشي لي كيوقع لهاد المدينة، هذا إجرام في حق البيئة والمواطنين على حد سواء، واش بحال هادو غادي اخليو المدينة تنقى مع الأسف خاصنا بزاف ديال الوعي والمسؤولية، لا للميخالة، نعم من اجل مدينة نظيفة”.
يصدر هذا التصريح عن مسؤول عن التدبير المحلي وبرلماني عن مدينة مراكش فما بالنا بالمواطن العادي أو السياح الزائرين لمدينة البهجة والذين يضخون أموالا طائلة تنعش الاقتصاد الوطني الذي تقتله العشوائية والفساد وغياب المسؤولية، فكيف يمكن بناء دولة عصرية متقدمة في ظل هاته الأوضاع التي يقتل فيها القانون لفائدة مصالح نفعية متبادلة على حساب التنمية والتنمية المستدامة، فكيف يمكن النظر لدولة الحق والقانون إن لم يتم إخضاع المقصرين للمساءلة القانونية، علما أن الرشوة، والفساد الإداري والواسطة، والمحسوبية، والسرقة، والاختلاس، واستغلال النفوذ، وخيانة الأمانة، والاستغلال اللامشروط للممتلكات العمومية، والشطط في استعمال السلطة، وسلوك الريع السياسي والاقتصادي الذي كانت تعرفه البلاد قبل صدور دستور 2011 قد قطع معها المغرب منذ ذلك التاريخ مع إطلاق إصلاحات كبرى وضمنها متابعة كل المفسدين وعدم إفلاتهم من المحاسبة والعقاب عند ثبوت تورطهم في تقصير أو إخلال في النهوض بمهامهم.
وارتباطا بهذا المنحى وفي خطاب وجهه جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، إلى الأمة بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين، حيث قال جلالته ”كما يطبق القانون على جميع المغاربة، يجب آن يطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة”، وأضاف جلالته “إننا في مرحلة جديدة لا فرق فيها بين المسؤول والمواطن في حقوق وواجبات المواطنة، ولا مجال فيها للتهرب من المسؤولية أو الإفلات من العقاب”.
فكيف سنضمن استدامة مساهمة السياحة في الاقتصاد الوطني، واستمرار تقاطر نجوم العالم على المدينة الحمراء، على الساحة العالمية ساحة جامع الفنا، والأحياء المجاورة لها، في ظل هذا الوضع القبيح في مجال تدبير النظافة الذي لا يساعد على استقبال المزيد من السياح الأجانب بالصورة التي نريدها جميعاً.
ونتساءل عن الكيفية التي يمكن المراهنة بها لاستقبال السياح بمشاهد الأزبال المنتشرة في كل مكان والروائح الكريهة المنبعثة من كل زاوية، كما أن مشاهد العربات المجرورة لـ”الميخالة” أضحت هي أيضا مستفزة.
فالمدينة الحمراء التي كانت تصنف الى عهد قريب من بين أنظف المدن المغربية، عرفت تراجعا خطيرا في هذا الباب خلال السنوات الأخيرة، حيث أصبحنا نرى بعض السلوكيات المشينة وضمنها إلقاء النفايات قرب الحاويات وحرقها عدا عن نبشها من قبل بعض الفضوليين “الميخالة” لتتحول إلى آفة صحية.
العنصر البشري أساس كل إقلاع فيما عمال النظافة محرومون من كل شيء
استمرارا لهذا المنحى من نهب المال العام وغياب كل آلية رقابية في الموضوع، خاصة في الشق المتعلق باحترام مقتضيات دفتر التحملات، نجد أن العمال تسلب منهم مجموعة من الحقوق، ضمنها البدل والأحذية التي ينص الدفتر على تسليمها للعمال خلال فترتي الصيف والشتاء والحال أنها لا تسلم لهم، وهو ما يعني سرقة ونهب وتكريم للأموال بطرق غير شرعية، لأن تلك البذل والأحدية أموال تسرق، كما الحملات التحسيسية التي يسجل غيابها هي أيضا أموال تنهب، والسؤال المطروح هل الآليات والسيارات والدراجات والحاويات المنصوص عليها في دفتر التحملات موجودة على أرض الواقع….
والأخطر من هذا كله هو غياب المراقبة، فالجهة الرقابية نائمة و 170 مليون في العام توزع على هاته الجهات تطرح سؤالا عن جدوى تلك الشركات المنتدبة للقيام بهاته العملية، فالواقع يقول بأنه من الواجب توفر معايير معينة للقيام بهاته المهام التي كان يقوم بها في السابق موظفوا المقاطعات، فالواجب وفق هاته المهام الموكلة أن تقوم تلك الشركة المكلفة بالمراقبة والتتبع بالوقوف على الاختلالات وتقديم تقارير عنها وهي ضمن مسؤوليتها التي تتلقى عليها أجرا، وهو الغائب المغيب، إذن فهناك تواطؤ ويجب ربط المسؤولية بالمحاسبة وبالتالي المساءلة القانونية والمتابعة.
والحوار مع العمال معطل واللغة السائدة هي التهديد والتنقيل والاستفزاز والحط بالكرامة الانسانية، ضمن فكر انتقامي يسكن القيمين على مؤسسات التذبير المفوض كما وقع لكل من “ب” و”ر”.
السلطات المحلية كما المنتخبون يتتبعون قتل جمالية المدينة ويتنقدون الأوضاع المزرية التي يدار بها المرفق، ويعترفون بالمجهودات الجبارة التي يقوم بها العمال والتي لا توازى باعتراف من قبل القيمين عبر ضمان حقوقهم وتشجيعهم على المزيد من البدل والعطاء، في المقابل لا تؤمن الإدارة إلى ب”العمل بالفم” والذين يحضى أصحابه بالرضى والامتيازات على الرغم من عدم أدائهم لأية خدمة.
“الكرامة خط احمر” يقول أحد العمال، مضيفا أن “المال العام يهذر”، وهي سلوكات تمارس أيضا في الدار البيضاء، داعيا إلى تجاوز المقاربة القمعية في التعاطي مع مطالب العمال المشروعة والموثقة في دفتر التحملات واحترام إنسانية هاته الفئة الاجتماعية الأساسية التي تداس وتمرغ من قبل الإدارة.
الواقع يفرض مجموعة من الأسئلة التي تحدد المسؤوليات وبالتالي محاسبة كل جهة مخلة بالتزاماتها في الموضوع، ضمنها ما هي المعايير المعتمدة في منح مسؤوليات التدبير لهكذا شركات؟ وأين هم المسؤولون في الباب الرقابي المتعلق بدفتر التحملات وإلزام الشركة بالامتثال لتفاصيله وتنزيله في الشقين المادي والبشري؟ وأين هم مذبروا القطاع من مجالس وشركات وسلطة محلية أمام هاته المجازر البيئية المرتكبة وهذر المال العام على “عينك أبنعديّ.
التعليقات مغلقة.