من المعلوم أن هيئة الأمم المتحدة تأسست عام 1945 على إثر الحرب العالمية الثانية، وورثت عصبة الأمم التي تشكلت عام 1919 كنتيجة للحرب العالمية الأولى، وهذا يعني أنه بعد كل حرب عالمية يقوم نظام دولي جديد ويؤسس المنتصرون في الحرب منظمة دولية جديدة، فما هو مصير منظمة الأمم المتحدة إن توسعت حرب أوكرانيا إلى حرب عالمية أو طال أمد الصراع بين روسيا والغرب؟.
تقوم هيئة الأمم المتحدة التي مقرها نيويورك بعملها في ظل التوازنات والتوافقات الدولية الناتجة عن الحرب العالمية، وفي إطار النظام العالمي الناتج عن الحرب، حيث ينص ميثاقها على حفظ السلم والأمن الدوليين والكرامة الإنسانية بما تتوافق عليه الدول وخصوصا العظمى منها، وحسب النظام المعمول به في الميثاق، كما تمارس المنظمة عملها من خلال: مجلس الأمن الذي تحتكر العضوية الدائمة فيه الدول الخمس الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية “الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا”، وهذه تحتكر “حق الفيتو“، كما يستطيع مجلس الأمن إصدار قرارات دولية مُلزمة، ومن خلال الجمعية العامة التي تضم جميع الدول (193) وقراراتها/توصياتها تُتخذ بأغلبية الأصوات دون أن تكون مُلزمة، بالإضافة إلى الهيئات والمؤسسات والبرامج المتخصصة والصناديق والوكالات، وكلها تشكل منظومة الأمم المتحدة .
بالرغم من الأدوار الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية التي تقوم بها الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة، إلا أن دورها السياسي في منع نشوب الحروب يبقى قاصراً وخاضعاً للتوازنات وللمصالح التي تفرضها الدول العظمى، وحتى بعض الدول العادية تستطيع في كثير من الحالات انتهاك الشرعية الدولية والتمرد على قرارات الأمم المتحدة إن وجدت دعماً وإسناداً من الدول العظمى التي تملك حق الفيتو، وهذا هو حال “إسرائيل” التي ترفض تطبيق عشرات قرارات الشرعية، سواء الصادرة عن مجلس الأمن أو الجمعية العامة الخاصة بالقضية الفلسطينية.
من يتابع الأحداث والصراعات الدولية التي نشبت في العالم بعد تأسيس الأمم المتحدة سيلاحظ أن الأمم المتحدة لم تنجح في حل غالبية، إن لم يكن جل النزاعات الدولية، وكان الأمر متروكا للدول الكبرى لحسم هذه النزاعات أو إدارتها بما يتوافق مع مصالحها، وأحياناً توظف الدول الكبرى الأمم المتحدة لانتزاع قرارات تبرر بها تدخلها في هذه النزاعات، كما جرى في الحرب الكورية 1950 وفي حرب الخليج الثانية 1990، وفي كثير من الحالات الأخرى، وقد ظهر عجز هيئة الأمم المتحدة جليا في النزاعات والحروب الأهلية المرتبطة بما يسمى “الربيع العربي”، حيث عجز ممثلو الأمم المتحدة عن تحقيق أي إنجاز سواء في سوريا أو ليبيا أو اليمن، كما عجزت عن حل الخلافات الناتجة عن الملف النووي الإيراني، وأخيراً موقفها العاجز في الأزمة الأوكرانية.
إذا كانت الأمم المتحدة نتاج للحرب العالمية الثانية، وتشتغل بمقتضيات ومحددات النظام العالمي وتوازناته الذي تم التوافق عليها بعد الحرب واستمرت مع الحرب الباردة و حتى بعد انهيار المعسكر الاشتراكي 1991، فإن ما يجري في أوكرانيا من حرب بين روسيا والغرب ومؤشرات توسع المواجهات لحرب عالمية ثالثة، يعني نهاية النظام العالمي بتوازناته السابقة، وحتى إن انحصرت المواجهات العسكرية على جبهة أوكرانيا فلن تعود العلاقات الدولية، وخصوصا بين روسيا وحلفائها من جانب، والغرب من جانب آخر إلى ما كانت عليه.
المواقف والتصريحات والقرارات شديدة اللهجة الصادرة عن الأمم المتحدة، وآمينها العام ضد روسيا، وإخراج الغرب روسيا من نظام “السويفت”، ومن مؤسسات مالية واقتصادية عالمية، وحتى رياضية وعلمية، ونعت الرئيس الروسي “بوتين” من طرف قادة الغرب بمفردات غير مسبوقة ك “الدكتاتوري والطاغية والإرهابي”، وفرض عقوبات صارمة ضد روسيا الخ، وأن يحدث كل هذا لدولة من الدول العظمى التي أسست هيئة الأمم المتحدة وتملك حق الفيتو في مجلس الأمن… هذا يعني أن الأمم المتحدة فقدت دورها في حفظ الآمن والسلام، بل باتت شبه متحيزة لطرف على حساب طرف آخر، وأن النظام العالمي بمرتكزاته وتوازناته الأمنية والقانونية والاقتصادية التي كانت تشتغل في إطاره الأمم المتحدة لم يعد له وجود، وأن نظاما عالميا جديدا يتشكل، يتميز بعدم الاستقرار والصراعات المفتوحة في المجالات الاقتصادية والأمنية والمالية والسيبرانية والسياسية وحتى على مستوى الفضاء الخارجي.
كل ما سبق يطرح تساؤلات حول مستقبل هيئة الأمم المتحدة، وخصوصا بعد دعوات لطرد روسيا أو تجميد عضويتها في الأمم المتحدة، وهل ستكون هناك حاجة لتأسيس منظمة دولية جديدة؟ وهل ستحل التحالفات والتكتلات الدولية محل الأمم المتحدة لحين من الوقت؟ وما هو مصير قرارات الأمم المتحدة السابقة؟ وهل سيتم توريثها لمنظمة أممية جديدة، أم سيتم شطبها وتجاوزها؟.
التعليقات مغلقة.