مستقبل المضائق والأزمات: هل يهدد إغلاق مضيق هرمز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط؟
بقلم الأستاذ محمد عيدني
في ظل التصعيد السياسي والعسكري الذي يشهده الشرق الأوسط، تثار تساؤلات كثيرة حول مصير أحد أكثر الممرات البحرية حيوية في العالم: مضيق هرمز. يعد هذا المضيق شريانًا حيويًا لنقل النفط العالمي، وهو نقطة تلاقي مصالح متعددة، بين قوى إقليمية وعالمية. مع تصاعد التوترات بين إيران والولايات المتحدة، ومع الحديث عن احتمالات إغلاق المضيق، تتزايد المخاوف حول انعكاسات ذلك على الأمن الإقليمي والدولي.
هل يمكن أن تقوم إيران أو غيرها بإغلاق مضيق هرمز بشكل فعلي؟ وما هو تأثير ذلك على استقرار المنطقة والعالم؟ هذا المقال يسلط الضوء على هذه التساؤلات، ويقدم تحليلًا مهنيًا حول احتمالات حدوث ذلك، وكيف يمكن أن تتفاعل الدول العربية الكبرى، والمجتمع الدولي، مع هذه التطورات.
خلفية تاريخية واستراتيجية للمضيق
يبلغ عرض مضيق هرمز حوالي 39 كيلومترًا، ويعد واحدًا من أهم الممرات البحرية العالمية، حيث يمر عبره يوميًا أكثر من 20 مليون برميل من النفط، أي حوالي ثلث الصادرات النفطية العالمية تقريبًا. تسيطر إيران على المضيق، وتعد من الدول التي يمكن أن تستخدمه كأداة ضغط أو وسيلة للرد على العقوبات أو التهديدات العسكرية.
مضيق هرمز ليس مجرد معبر مائي، بل هو أحد مفاتيح الأمن الاقتصادي العالمي، واستقرار السوق النفطية، وله أهمية استراتيجية كبرى على المستوى الأمني والسياسي، حيث تتداخل فيه مصالح دولية وإقليمية متعددة، تترقب وتتفاعل مع كل تطور جديد، خاصة مع تصاعد التوترات في المنطقة.
المخاطر المحيطة بإغلاق المضيق وإمكانياته
من الناحية النظرية، قد تلجأ إيران إلى إغلاق مضيق هرمز كرد فعل على العقوبات الاقتصادية أو التهديدات العسكرية، أو غيرها من الضغوط. الاستخدام المحتمل لهذا الخيار يثير مخاوف كبيرة من أن يؤدي إلى تصعيد عسكري، وتدهور الأوضاع بشكل غير متوقع، مع انعكاسات على أسواق النفط، والاستقرار الإقليمي، والأمن الدولي.
لكن الواقع المعقد يظهر أن إغلاق المضيق بشكل كامل يتطلب تصعيدًا غير معتاد، نظراً للعواقب الاقتصادية والسياسية الكبيرة التي يمكن أن تتبع ذلك. فإيران، على سبيل المثال، تعرف جيدًا أن المنع الكامل لنقل النفط عبر المضيق سيؤدي إلى ردود فعل دولية عنيفة، ويهدد مصالحها مع القوى الكبرى.
ومع ذلك، يمكن أن تشاهد تصعيدات إيرانية محدودة، مثل استهداف ناقلات أو تقييد حركة الشحن بشكل مؤقت، وهو ما قد يشكل ضغطًا على الأسواق ويزيد من أسعار النفط، دون أن يتطلب إغلاقًا كاملًا للمضيق.
الدور الإقليمي والدولي في مواجهة التهديدات
المنطقة تتغير باستمرار، وهناك محاولة حثيثة من المجتمع الدولي، عبر الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، ودول الخليج، لتحقيق قدر من الاستقرار، ومنع تفاقم الأزمة إلى حرب واسعة. تعد القوات البحرية الدولية، مثل أسطول الحماية البحرية الأمريكي، والتواجد العسكري الأوروبي، من أدوات الردع التي تقلل من احتمالية حدوث إغلاق كامل للمضيق.
ولذلك، فإن خطر الإغلاق يظل قائمًا لكن بشكل محدود، ويعد تهديدًا سياسيًا واستراتيجيًا أكثر منه احتمالاً واقعيًا مئة بالمئة. الأمر يتوقف على التوازن بين التصعيد الإيراني، والضغوط الدولية، واستراتيجيات الردع، وكذلك نوايا الأطراف المعنية، من حيث إرباك السوق أو فرض شروط سياسية.
التوقعات المستقبلية واحتمالات السلامة
من غير المرجح أن تتخلى إيران بشكل كامل عن الالتزامات الدولية وأهمية المضيق. لكن، يمكن أن يُعتمد على خيارات تقليل الحركة أو تهديدات بالتصعيد، ضمن سياق التفاوض أو الضغط السياسي. وسيظل الخيار الأكثر واقعية هو التعامل الدبلوماسي والديبلوماسي، من خلال قنوات الحوار، لضمان عدم وقوع الكارثة.
أما بالنسبة للمستقبل، فإن المنطقة بحاجة إلى جهود دولية مكثفة لخفض التصعيد، وتهدئة التوترات، وضمان أمن الملاحة في المضيق، وتطمين الأسواق العالمية، بدلاً من الاعتماد على احتمالات التصعيد العسكري أو إغلاق المعبر، الذي قد يشعل حربًا إقليمية واسعة.
إغلاق مضيق هرمز يظل تهديدًا قائمًا لكنه ليس سيناريو مرجحًا بشكل كبير، في ظلَّ الحسابات الدولية، والمصالح الاقتصادية، والضوابط العسكرية، التي تضع حدودًا لذلك. ومع ذلك، فإن المنطقة على حافة أزمة مفتوحة مع تصاعد التوترات، ويظل من الضروري أنتبه المجتمع الدولي إلى أهمية الحوار، والدبلوماسية، والبحث عن حلول سلمية للأزمة، قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة، وتتحول إلى كارثة إقليمية وربما عالمية.
التعليقات مغلقة.