أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

مسلسل “أولاد الحلال” يخلف الموعد مع النجاح في حلقته الأخيرة.


عبد الاله الجوهري

بقدر ما كان مسلسل “أولاد الحلال” عبر حلقاته 27، مشوقا و ناجحا على كل المستويات، بالأساس على مستوى الرؤية الإخراجية التي كانت جد متميزة للمخرج التونسي نصر الدين سهيلي، و الأداء الرفيع لكل الممثلين دون استناء، وقبل ذلك البناء السردي المحكم المبني على التشويق، وتجذير مبدأ الإنتصار لقيم المجتمع الجزائري، القائم على التكافل والتعاون، أساسا بين ساكنة الأحياء الشعبية، حيث وجدنا مرزاق وأخيه زينو، والبقية المتبقية من أبناء حي الباهية، ورغم مشاكلهم الكثيرة مع الفقر والتهميش والجهل، فإنهم في النهاية يعطون الأسبقية للحب والتضامن ومواجهة كل اللحظات العصيبة، من مثل لحظة اختطاف الطفل ربيع وإلتفافهم حول أسرته ومعاناتهم، وبالتالي جاء العمل منغرسا في واقع طالما تجاهلته الأعمال الدرامية الجزائرية السابقة، بل وفي كثير من المسلسلات والسلسلات، كانت تحط من قيمته، بتجاهله وتجاهل عطاءات أفراده، أو في أحسن الأحوال، محاولة تقديمه في صور فاقعة مبنية على مسخ الخيال، وقبله خيانة الواقع، بكل آلامه وآماله وأحلام أناسه البسطاء العائشين في كنف مصاعب الزمن، وفساد من كان من المفروض أنه يحكم الوطن باسم التاريخ والشرعية النضالية..

رغم كل ما ذكرنا من نقاط حسنة عن هذا المسلسل الناجح عامة، فإن الحلقة الأخيرة منه، جاءت ملفقة على جميع المستويات، حيث وجدنا تزاحما للأحداث، مع غياب أي منطق أو مصداقية، خاصة في تراتبيتها والسير بها نحو النهاية، فالنهاية كانت غير متوقعة وغير مقنعة البتة، حيث لم أفهم مثلا، كيف غادر زينو السجن هو المتورط في تهريب المخدرات، ولا كيف وجد الإخوة الثلاث أختهم، ولا كيف تمت سرقة الألماس وتهريبها خارج الفيلا، ولا كيف وثق علي في مرزاق، هو الذي كانت العداوة مستحكمة بينه وبين مرزاق منذ بداية المسلسل، و لماذا بعث معه حقيبة لأخته زوجة خالد المسجون باعتباره مهربا كبيرا للممنوعات… وهلما جرا من الخبط في كل الإتجاهات، وكأن صناع العمل كانوا يسرعون كيف ما اتفق، للإنتهاء من الإشتغال في هذا العمل، مع قرب نهاية رمضان وضغط الوقت، وقبل ذلك ضغط الجمهور الذي حملهم مسؤولية كبيرة باختيار مسلسلهم كأحسن عمل درامي رمضاني خلال هذه السنة بالجزائر.

كما أن الإستعانة بممثلين من المغرب(سعيد باي و فاتي جمال) لأداء دور متاجرين في الألماس، جاء اعتباطيا فارغا من كل إضافة، حيث كان بالإمكان أن يؤديهما أي ممثلين من الجزائر، وكفى المؤمنين شر القتال، بل أن حضورهما كان نشازا في الحلقات الثلاث الأخيرة، حضور مجاني كئيب بسبب أن شخصيتيهما لم تتم العناية بهما لحظة الكتابة، فبدت مهلهلة فاقدة لأي معنى، اللهم القول أن المسلسل مغاربي شارك فيه ممثلون من المغرب، وقبل ذلك مخرج من تونس(هذا لا ينقص من قيمة أداء سعيد باي وفاتي جمال، ولا حتى من جدية المخرج رغم أنه يتحمل نصيب من المسؤولية عما وقع من ارتباك في الحلقة الأخيرة).

لقد أفسد صناع المسلسل الفرحة التي رافقت كل حلقاته، وخيبت الأمال، حيث كنا ننتظر طيلة شهر الصيام، الحلقات بكثير من التطلع لمعرفة تطورات الأحداث، والشغف في معايشة ما قد يقع، شغف تحول إلى مرارة و نحن نتوقف في النهاية عند مقتل مرزاق، البطل الشهم، ويفلت المجرمون من كل عقاب، وكأن صناع المسلسل رسموا طريقا مغايرا للطريق التي تسير فيه الدرما التلفزية عادة، طريق تمجيد الخير والحط من قيمة الشر والحث على فعل الجيد والأجود، وبالتالي العمل يسمح لمن كان يهاجمه منذ البداية من أعداء الفن والنجاح، أن يؤكدوا على صحة قناعاتهم، في أن الفيلم يكرس قيما غير قيم المصالحة مع فعل الخير، والانتصار للحسن والأحسن في الشهر الفضيل.

الخير جاءت نهايته مأساوية في مسلسل “أولاد الحلال”، حيث انتصر”أولاد الحرام” من عصابات التهريب والقتل و المتاجرة في كل شيء، و بالتالي تركنا المسلسل، نحن معشر المتفرجين، مذهولين لنهاية لم تكن متوقعة، وكأن من رسمها لم يرسم الأحداث السابقة الغارقة في التفاصيل الجميلة والأحداث المثيرة.

على العموم، المسلسل كان يستحق نهاية أحسن من النهاية التي اختارها المخرج، وإن كان هذا لا يبخس المجهود المبذول فنيا وتقنيا، مثلما لا يبخس حق الممثلين الذين يجب التصفيق لهم جميعا دون استثناء، بالنظر لعطاءاتهم و توحدهم مع أدوارهم، خاصة وأن بعضها كان مركبا وصعبا، كالدور الذي أدته إيمان نويل أو عزيز بوكوروني أو مليكة بلباي…

أما عبد القادر جريو وصديقي العزيز يوسف سحيري بطلا المسلسل، فإنني أرفع لهما القبعة عاليا، بالنظر لإنسجامهما وتناغمهما طوال أحداث المسلسل و تطوراته العنيفة الجميلة..

التعليقات مغلقة.