كايف أمين
قيام الحكومة الامريكية باجبار غوغل على حظر اندرويد على هواوي هو حدث استثنائي وخطير يستحق التوقف عنده. فالامر لا يتعلق بهواوي، بل بدلالات هذا التصرف.
الولايات المتحدة تضرب عرض الحائط اقدس مقدسات اقتصاد السوق، خصوصا فيما يخص اللغط الذي اثخنوا به رؤوسنا عن حرية السوق واليد الخفية للسوق وكل قيم الليبرالية الجديدة. حيث تقوم الدولة باجبار اكبر شركة عالمية على معاقبة شركة دولة منافسة. وهي المرة الثانية التي تلجأ فيها هذه الطغمة المالية لاجراء من هذا النوع. حيث استخدمت نظام السويفت للتحويلات المالية في السنوات الاخيرة لمعاقبة منافسيها الاقتصاديين.
الهستيريا الامريكية وانتهاك “المقدسات” التي بشروا بها كطريقة وحيدة للحياة وبكونها جزء من قوانين الطبيعة. لها دلالات كثيرة من بينها:
اولا: ان النخب المالية التي تدير امبراطورية الدولار العالمية تعيش حالة هلع بعد ان بدات تستشعر خطرا كبيرا يداهمها ويهددها بشكل فوري وليس مستقبلي. فعالم متعدد الاقطاب وتراجع موقع الدولار عالميا يضطر اسياد الدولار الى ان يتقيؤا كل ما ابتلعوه من ارباح خلال اكثر من سبعة عقود على حساب سكان الكوكب. وهو ما يدفعهم الى خرق جميع قوانين اللعبة التي كانوا من اشد المدافعين عنها، وبهذه الطريقة الفجة.
ثانيا: ان رأسمالية عصر العولمة وايديولوجيتها النيوليبرالية قد انتهت وولت بلا رجعة. منظومة السوق الراسمالية تعيش مفترق طرقات. بين المضي قدما بالخروج الآمن والتدريجي من المنظومة، وبين العودة الى عصر اقتصاديات الدولة القومية وتفكيك الاقتصاد المعولم. وهو امر بقدر ما هو مستحيل، فانه اكثر من ذلك تحول خطير جدا سيقود العالم لانهيار اقتصادي وكساد عظيم ولعقود من الكوارث والمجاعات والحروب الشاملة.
لقد قادت الولايات المتحدة بواسطة امبراطورية الدولار المنظومة الرأسمالية نحو عولمة السوق. وكانت الثورة التقنية التي صاحبت المرحلة وسيلتها في تحقيق ذلك. فشبكة الانترنيت والعملات الرقمية ومنصة سويفت وموقع غوغل للبحث وابرمجيات الحواسيب والهواتف ووسائل التواصل الاجتماعية وعشرات الاشياء التي ارست معالم السوق الراسمالية العابرة للقارات، هذه الاشياء كلها انجبتها النفقات السخية لاسياد امبراطورية الدولار على شراء براءات الاختراع وعلى المؤسسات العلمية وعلى شراء العقول والشركات لتحويل كل فكرة جديدة الى ملكية خالصة لنخب الدولار. وكان العالم باسره يتلقى كل جديد بامتنان ليتحول هذا الجديد الى “ستاندارد” او لنقل نظام عالمي متفق عليه.
بعبارة اخرى فان الولايات المتحدة تمتلك البنية التحتية للاقتصاد المعولم. وتمتلك مفاتيح الملعب الذي يلعب فيه الجميع. ولم يتوقع احدا بان هذا الشيء يمكن ان يتحول الى وسيلة تستخدم ضده. لقد اسكرتهم اوهام الليبرالية وصدقوا كذبة المنافسة الحرة واليد الخفية للسوق.
ليست غوغل، اندرويد، مايكروسوفت. أبل، فيسبوك، او منصة سويفت برامج خارقة يستحيل عمل نسخ شبيهة لها من قبل الصين او المانيا او روسيا او غيرها. تستطيع اية دولة او مؤسسة علمية، برمجة مثل هذه المنصات. المشكلة تكمن في ان تنتشر هذه البرامج والمنصات لتصبح عالمية. بعبارة اخرى فانه من الصعب اعادة بناء البنية التحتية لاقتصاد معولم في عالم يعيش ازمة. الصين والمانيا وروسيا تعاني مسبقا من معدلات هزيلة للنمو وتباطوء اقتصادي، واخراج اي منها او خروجها الاختياري من المنصات العالمية والسوق العالمية ستكون لها عواقب وخيمة بلا ادنى شك.
اوروبا والصين وروسيا وحتى الهند سيكون عليهم الاختيار بين الخضوع لامبراطورية الدولار والتسليم باملاءات نخب الدولار. او المضي فيما بدات به الولايات المتحدة وتمزيق اوصال المنظومة العالمية وتقبل تبعاتها الاقتصادية والاستعداد لمواجهة الكوارث الاقتصادية المحتومة التي ستلم بالعالم جراء ذلك.
ما تقوم به نخب الدولار هذه الايام هي احداث نوعية قد غيرت الى الابد قواعد اللعبة، ولن يكون العالم بعده اشبه بذي قبل.
سيشهد العالم بالضرورة ولادة تكتلات اقتصادية جديدة. وانقسامات جديدة. وقبل كل هذا وذاك ستشهد البشرية كوارث اقتصادية جديدة ربما ستكون بداية لولادة عالم افضل. اذا كان هنالك ما يكفي من المجانين الذين مازالوا يحلمون به.
التعليقات مغلقة.