هل مشروع مدارس الريادة قادر على الحد من ظاهرة الهدر المدرسي؟
محمد شقور
يعاني النظام التربوي المغربي من ظاهرة خطيرة نتخر جسده منذ الاستقلال وإلى اليوم. ألا وهي ظاهرة الهدرالمدرسي. والتي تعد معضلة تحد من الإصلاحات التربوية.
يقصد بالهدر المدرسي التسرب الذي يحصل في مسيرة الطفل الدراسية. والتي تتوقف في مرحلة معينة دون أن يستكمل دراسته. لكن نفس المصطلح يعرفه بعض التربويين بالفشل الدراسي الذي يرتبط لدى أغلبهم بالتعثر الدراسي. إلا أننا بشكل عام. نتحدث عن الهدر المدرسي باعتباره انقطاعا للتلاميذ عن الدراسة قبل إتمام المرحلة الدراسية. أو ترك الدراسة قبل إنهاء مرحلة معينة.
وكيفما كان التعريف لهذه المعضلة. فلا بد من الاعتراف أننا أمام ظاهرة تؤرق المجتمع بأشكاله المتخلفة.
و الهدر يشكل معضلة تربوية كبرى. لأنه يحول دون تطور أداء المنظومة التربوية، خصوصا في العالم القروي. ويحدث نزيفا كبيرا في الموارد المادية و البشرية. إضافة لتأثيره سلبا على مردوديتها الداخلية.
فالتقارير الدولية والوطنية تقر بخطورة ظاهرة المدر سي. فحسب شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة. فإن مجموع المنقطعين عن الدراسة برسم الموسم الدراسي 2022-2021 بلغ ما مجموعه 334 ألفا. حصد منها السلك الثانوي الإعدادي الحصة الكبرى بحوالي 55%.
أمام هذه الأرقام المخيفة بادرت وزارة التربوية إلى إطلاق خارطة الطريق 2026-2022. والتي تنبثق من مقتضيات القانون الإطار رقم 51.17. كما تستمد مرجعيتها أيضا من النموذج التنموي الجديد. خاصة في الشق المرتبط بالتعليم. وترمي هاته الخارطة لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: وهي تحقيق إلزامية التعليم، ضمان جودة التعلمات الأساسية. وأيضا بتعزيز التفتح والانفتاح والمواطن. والتي تركز على ثلاث محاور أساسية. ضمنها التلميذ، الأستاذ والمؤسسة .
ولعل اهم التزام تجاه التلميذ هو تحقيق الزامية التمدرس. والذي يهدف لتقليص الهدر المدرسي. وذلك عبر مجموعة من الالتزامات أهمها: تعميم التعليم الأولي والمواكبة الفردية للتلاميذ المتعثرين. إضافة لتوجيه التلاميذ نحو مسارات تلائم مؤهلاتهم…. هذه الالتزامات سيتم تنزيلها من خلال مشروع جديد: مدارس “الريادة”. وهو مشروع مستورد من الهند. والذي يعتمد على تنزيل أربع مكونات من خلال محاور خارطة الطريق.
المكون الأول
يهدف هذا المكون إلى تصحيح التعثرات الأساسية للتلميذات والتلاميذ في القراءة والحساب. وذلك عبر أجرأة أنشطة الدعم التربوي بالتعليم الابتدائي باعتماد مقاربة التدريس وفق المستوى المناسب، “TaRL”. والتي تم تأكيد نجاعتها من خلال التجريب الميداني. ويشمل هذا المكون استفادة جميع التلميذات والتلاميذ من الدعم التربوي اليومي والمركز. وذلك خلال شهر شتنبر. وبصفة أسبوعية طيلة الموسم الدراسي بالنسبة للتلميذات والتلاميذ المتعثرين. وذلك بهدف القضاء نهائيا على صعوبة التعلم التي يعاني منها حاليا ما يفوق نصف مجموع التلميذات والتلاميذ.
المكون الثاني
يهم هذا المكون تفعيل الممارسات الصفية الناجعة. والتي أثبت أثرها الإيجابي على التعلمات. وتهدف هذه الممارسات إلى التدرج في بناء المكتسبات وتلقينها. حيث لا يتم الانتقال للمرحلة التالية من الدرس. إلا بعد التأكد من أن جميع التلميذات والتلاميذ قد استوعبوا المرحلة السابقة. وتمكن هذه المقاربة “الوقائية” من تفادي تراكم التعثرات.
ومن أجل تنزيلها سيستفيد الأستاذات والأساتذة من الموارد والوسائل البيداغوجية اللازمة. مع تكوين شامل ومواكبة صفية منتظمة.
المكون الثالث
يرتكز هذا المكون على التدريس بالتخصص. وذلك بما يتناسب بشكل أفضل مع تخصص التكوين والمهارات التي يتمتع بها الأستاذات والأساتذة. وذلك لضمان الاستفادة القصوى من اهتماماتهم وكفاءاتهم.
المكون الرابع
يقوم هذا المكون على تسيير المؤسسة التعليمية. وخاصة فيما يتعلق بالظروف المادية، أي الفضاء الداخلي من أقسام ومرافق صحية، الأمن، النظافة. إضافة لجودة التجهيزات وتوفر العتاد الديداكتيكي. فضلا عن تفعيل مشروع المؤسسة المندمج والعلاقة مع الأسر.
تجدر الإشارة إلى أن الحكومة كانت قد صادقت على المرسوم، الحامل اسم. “علامة مؤسسة الريادة” في المدارس المغربية. والذي أثار جدلاً واسعاً بين جمعيات آباء وأولياء الأمور. حيث انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة.
فبينما اعتبرها البعض بمثابة خطوة جريئة نحو إصلاح التعليم ومحاربة الهدر المدرسي. شكك آخرون في جدواها. مستندين إلى غياب تقييم واضح لنتائج التجربة حتى الآن.
ويبقى السؤال المطروح هل تستطيع “مدارس الريادة” تقليص ظاهرة الهدر المدرسي. وذلك مقارنة مع المبالغ المرصودة. بيد أن الدارسات والتقييمات الداخلية والخارجية هي من ستحدد نجاح المشروع من فشله.
التعليقات مغلقة.