من روعة الإسلام ورحمته ورحابته، عنايته الفائقة بمختلف الفئات من أطفال وشباب، رجال ونساء، حفدة وشيوخ، في إطار من المحبة والمودة والتعاون والتضامن والفاعلية الدينية والمجتمعية، تجد فيها كل فئة ذاتها وطموحها بما يحفظ لها من كرامتها وحقوقها وواجباتها. وقد عني الإسلام بالشباب خاصة أيما عناية، وسنحاول في هذه المقالة إبراز بعض معالم الهدي النبوي الشريف في هذا الصدد، يعني عنايته بسواعد الأمة وشبابها، أس وأساس قوتها ونهضتها، و قوتها الفكرية والسلوكية أو كتلتها الحرجة في مختلف القرارات والاختيارات، كيفما تكون يكون حال الأمة في الحاضر والمستقبل، ومن تلك المعالم التربوية في ضيافته ما يلي:
- التربية السليمة والمتكاملة: المعتدلة والمتوازنة، وفي حديث هلك المتنطعون “.. ولكني، أصوم وأفطر.. أصلي وأرقد.. وأتزوج النساء.. فمن رغب عن سنتي فليس مني”.
- تربية مرجعية واضحة: تعتمد الكتاب والسنة والانفتاح على الحكمة الإنسانية: قال لعمر بن الخطاب وقد أبدى إعجابه ببعض التوراة: “أمتهوكون أنتم..لو كان موسى عليه السلام حيا ما وسعه إلا اتباعي”.
- غرس الإيمان في النفوس: والترغيب في فضائله وفي الحديث ” سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بالمَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ، وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ” متفقٌ عَلَيْهِ.
- الترغيب في مكارم الأخلاق: “أقربكم مني منزلة يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا” وفي حديث آخر: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
- الرفق في التعامل مع الشباب: كمفتاح لكسب قلوبهم والتواصل معهم بعقولهم، قال تعالى: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ “آل عمران / 159.وقال : “ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما ينزع من شيء إلا شانه”رواه مسلم.
6- الوصاية بالشباب خيرا: ففي الحديث: “أوصيكم بالشباب خيراً؛ فإنهم أرق أفئدة، لقد بعثني الله بالحنفية السمحة، فحالفني الشباب، وخالفني الشيوخ” حديث مرفوع. ومن الوصاية بهم عن أبي سعيد الخدري قال: “أوصانا رسول الله أن يوسع لكم في المجالس وأن يفهمكم الحديث، فإنكم خلوفنا وأهل الحديث بعدنا “. ومن الوصاية بهم، الحرص على سلامة عقيدتهم: “يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سالت فسال الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة..” رواه الترمذي..، حسن سلوكهم وأخلاقهم: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده” متفق عليه..، حفظ ألسنتهم عن كلام السوء: “ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّار عَلَى وُجُوهِهِمْ أَو عَلَى مَنَاخِرهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهمْ” رواه الترمذي..، حفظ أوقاتهم وصحتهم: “اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ” حديث صحيح.. عفتهم عن المحارم واستعفافهم: ” يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء” حديث صحيح.
7- زرع الثقة وتحمل المسؤولية: وقد أرسل مصعب بن عمير(24 سنة) للدعوة، وأسامة بن زيد (18 سنة) لقيادة الجيش، وزيد بن ثابت (17 سنة) لإتقان لغة اليهود، وجعفر بن أبي طالب (18 سنة) مرافعا عن وفد المسلمين عند النجاشي.
8- القوة والمحافظة على الفتوة: بتجنب الموبقات والمعاصي والمخدرات والمهلكات..، وبممارسة الرياضة حيث نجد قولهم: “علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل، ونعم لهو المؤمنة في بيتها المغزل”. و”المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير”، والقوة هنا في الدين والعلم والمال والجسد و الولد..إلى غير ذلك.
9- الحماية من صراع الأجيال: كما ورد في قوله : “ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا قدرا”رواه الترمذي وأبو داوود. ورسالة المسلمين وعقيدتهم واحدة كما في الحديث:”المسلمون تتكافىء دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ” يعني أنك تجد ما تعتقد وتدافع عنه فئة هو نفس الشيء بالنسبة لغيرهـا.
10- الدعاء ثم الدعاء لهم: قال وهو يدعو لأحد الصحابة: “اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب”رواه أحمد. ولعل من أدعية العصر أن ندعو لهم بتيسير أمرهم في ماراطون الدراسة، ومتاهات إيجاد الشغل، واستنزاف إيجاد السكن، وتأخر الزواج الذي سيكون لهم عونا على دينهم ودنياهم…
و اليوم، وباعتبار واقع الشباب من أعقد التحديات في السياسات العربية والإسلامية وأخطرها، وتستعصي في حلها على كل الفلسفات الاجتماعية المستوردة، ألا يمكن أن نستفيد وبشكل معاصر من هدينا النبوي في سياستنا الشبابية الرسمية وما يعضدها من الجهود المدنية التطوعية، ومعلمنا الهادي:”عسى أن يسلم آخر هذه الأمة بما سلم به أولها”، مع ما يلزم من التجديد والاجتهاد طبعا، أم أن هناك سياسات شبابية سليمة وبرامج تنموية ذات مرجعية واضحة، ولكن مكامن الخلل فيها ومداخل التعثر والفشل إنما يكمن في مدى صدق تعاملها مع مشاكل الشباب، وبالتالي مدى مطابقة الانجازات لما يبرمج من المخططات؟، أم أن الأسوأ الأسوأ، أن يكون ما يستحدث من هذه الأزمات ينسي ما قبلها و يفاقمه، والمسؤولون لا يحلون لا ما سبق ولا ما لحق؟؟.
لا يمكن لأية سياسة أن تحل مشاكل الشباب على طيفها القاني، وهي تتجاهل عقلية ونفسية الشباب، عقلية الرفض والمعاندة، عقلية المتعة واللهو والفتوة، الاستلاب والاستهلاك، قيم الالتزام والمبادرة والصحوة، الدراسة والتشغيل والتطوع، السفر والاستقرار والتأهيل، الانحراف والمخدرات والشبكات الإجرامية والأفكار المتطرفة أحيانا، شبكات التواصل الاجتماعي، الموسيقى والرياضة، هموم الأمة بين العزوف والمشاركة؟، لا يمكن أن نحل مشاكل الشباب بثقافة منحلة، وتعليم هزيل، وحداثة وافدة وعادات راكدة، وإعلام أحادي إقصائي مغرض، ولا باللامبالاة اتجاه ما يتعرض له الشباب من غزو فكري جعل من بعضهم ضحايا الميوعة والانحلال أو التطرف والإرهاب، أو ضحايا ازدراء القيم وروح المواطنة والسلوك المدني، أو إيثار الهجرة السرية ولو بالقضاء في الأعالي؟. لكم منهم نيسر طقوس الزواج والاستقرار والعنوسة متفشية؟، كم منهم نساعد على النجاة من أتون الانحراف واستعباد الإدمان؟، وبكم يشارك الشباب أنفسهم في وضع السياسات التي تهتم بشأنهم وأجرأة برامجها؟، كم منهم نستوعب في العمل التطوعي المدني ونيسر لهم سبل وحريات ممارسة ذلك؟، لكم منهم منحنا “بطاقة الشاب” التي وعدوا بها ووعدوا طيلة مراحل خمس وزراء سابقين كلهم تشبثوا بها ثم مضوا وقضوا دون شيء؟
غير أن المتضرر من كل هذه الاختلالات والسياسات الاستفرادية والمنتجة للهشاشة، ليس الشباب وحده، ولكن هو الوطن والأمة بالدرجة الأولى، هذا الوطن وهذه الأمة اللذين يحتاجان إلى نهضة رائدة محركها الأساسي ودافعها القوي هو الشباب، وليس أي شباب كيفما كان، ولكن كما قال محمد إقبال في رسالته إلى الشباب نشرتها مجلة الأزهر عدد 36 / 1985، يقول الفيلسوف الإسلامي بتصرف: “الشاب المسلم هو الذي يؤمن بعقيدته إذا شك الناس.. ويكون شجاعا ومقداما إذا جبن وخاف الناس.. ويكون أفاقيا وإنسانيا إذا عبد الناس الأموال والأصنام.. ويتجرد ويتمرد عن الزيف إذا اتبع الناس الشهوات والأهواء.. ويزهد ويؤثر غيره إذا آثر الناس أنفسهم وأنانيتهم.. الشاب المسلم يواجه العالم إذا انجرف الناس مع التيار.. صاحب عقيدة ورؤية ورسالة، لا تملى عليه إرادة الآخرين.. صاحب علم ويقين، لا تقليد ولا جمود ولا ركود.. ولا سجود إلا لرب العالمين.. إلا لرب العالمين” ؟؟.
الحبيب عكي
التعليقات مغلقة.