عبد الواحد بلقصري/ باحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة بن طفيل بالقنيطرة
يعتبر دستور 2011 دستور السياسات العمومية بامتياز، ففي إطاره تم فسح المجال أمام مشاركة العديد من الفاعلين في بلورة السياسات العمومية، كما تم اعتماد مفهوم التقييم المرتبط بمفهوم السياسات المذكورة.
غير أن الملاحظ هو أنه غالبا ما يقع الخلط المفاهيمي ما بين السياسات القطاعية والسياسات العمومية، كما يقع الخلط ما بين هذه الأخيرة ومفهوم السياسة العامة، حيث يتم استعمال هذه المفاهيم كما لو كانت مرادفة لبعضها البعض.*1*
والحقيقة أن لكل مصطلح مفهومه الخاص، وإطاره المتميز الذي يختلف بشكل جوهري عن المصطلح الآخر، وهذا ما سنحاول إظهاره من خلال مقتضيات دستور 2011، وموقف القضاء الدستوري.
يغلب استعمال تعبير السياسة العامة في الدراسات باللغة العربية التي تخلط في غالبيتها ما بين مفهومي العمومية (publique) والعامة (générale) مستعملة إياهما كمرادفين، فيما يخص الدراسات باللغات الأجنبية، نقف على غياب شبه تام لتعريف السياسة العامة التي يكتفى بربطها بتصريح السياسة العامة الذي تتقدم به الحكومات أمام البرلمان.
من جهته يعتمد دستور 2011 في عدد من فصوله تعبير السياسات العمومية، كما يعتمد في فصول أخرى تعبير السياسة العامة.*2*
طبقا للفصل 1- 92 من الدستور المتعمق بالقضايا والنصوص التي تكون موضوع عرض أمام المجلس الحكومي، يفرض المشرع الدستوري عرض السياسة العامة على المجلس الوزاري، على خلاف السياسات العمومية والسياسات القطاعية التي تعرض فقط أمام أنظار المجلس الحكومي طبقا لنفس الفصل.
وبالرجوع إلى منطوق الفصل 49 من الدستور الذي يعرض القضايا والنصوص التي يتداول بشأنها المجلس الوزاري لا نجد ذكرا لتعبير السياسة العامة، ولكننا في المقابل نجد على رأس القضايا المذكورة: التوجيهات الإستراتيجية لسياسة الدولة.[1]
وبالجمع بين الفصلين نصل إلى أن السياسة العامة هي الإطار العام الذي تنعكس فيه التوجيهات الاستراتيجية لسياسة الدولة.*3*
استنادا إلى فصول الدستور دائما نستطيع أن نميز بين مستويين من السياسات، ويتعلق الأمر بالسياسات العمومية والسياسات القطاعية، فالوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به طبقا للفصل 1-93 من الدستور، ومن تم فالسياسات القطاعية سياسات مرتبطة بالقطاعات الحكومية المختلفة كل بحسب اختصاصه، ويمكنها أن تشكل جزءا من سياسة عمومية لأن هذه الأخيرة تبقى أشمل وأوسع لكونها تسمح بتدخل فاعلين اجتماعيين إلى جانب الفاعل الحكومي الرسمي طبقا لما يقضي به منطوق الفصل 13 من الدستور الذي ينص على أنه: ” تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور”؛ قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتفعيليها وتنفيذها وتقييميها.*4*
اعتمادا على هذا التحليل المستند إلى مقتضيات دستور 2011 ترتبط السياسات القطاعية بالقطاعات الحكومية بحسب تخصص كل قطاع: فالقطاع الحكومي المكلف بالماء مثلا يعمل على إعداد السياسة المائية، والقطاع الحكومي المكلف بالتجهيز يعد السياسة الطرقية، والقطاع الحكومي المكلف بالطاقة يعد السياسة الطاقية، وكل سياسة من السياسات المذكورة تبقى سياسة قطاعية تعكس التوجه الحكومي في الموضوع.
ولكي تتحول هذه السياسة القطاعية إلى سياسة عمومية فلا بد أن تسمح بتدخل فاعلين اجتماعيين مختلفين (حكوميين وغير حكوميين) فالسياسة العمومية لمتقاعد مثلا تعرف تدخل فاعلين حكوميين متنوعين من قطاع المالية وقطاع الشغل، إضافة إلى النقابات والمنظمات المدنية للمشغلين.*5*
ومن تم فإنه إذا كانت السياسات القطاعية تعكس التوجه الرسمي تجاه قضايا محددة، فإن السياسات العمومية يمكن أن تستدعي تدخل أكثر من قطاع حكومي وتعكس التوجه المجتمعي تجاه نفس القضايا.
المراجع والهوامش :
-
Jean Turgeon, Jean-François Savard, Politique publique, dans : Le dictionnaire encyclopédique de l’administration publique, ENAP, 2012 (en ligne), dictionnaire.enap.ca .ligne), www.dictionnaire.enap.ca .للمزيد من المعلومات
-
الصالحي ياسمين، 2014: مفهوم السياسات العامة والسياسات العمومية والسياسات القطاعية في ضوء دستور 2011، ص 1.للمزيد من المعلومات انظرفكروني زاوي، التنمية المستدامة بين المفهوم ومتطلبات الواقع: قراءة سوسيولوجية، المجلة المغاربية للدراسات التاريخية والاجتماعية، المجلد 9، العدد 1، يوليوز 2018، ص 160.
-
وثيقة دستور المملكة المغربية 2011.
-
للمزيد من المعلومات انظر الصالحي ياسمين،: مفهوم السياسات العامة والسياسات العمومية والسياسات القطاعية في ضوء دستور 2011.
-
نفسه ص 2.3.4
التعليقات مغلقة.