جريدة أصوات: متابعة
هل يمكن القول ان النموذج التنموي بدأت بعض بوادره مع نمذجة مقاربة التعاطي مع كورونا كوفي 19، ذلك ان المقاربة الحكيمة التي تصدى من خلالها المغرب للجائحة الوبائية، والجدية والقرارات الصارمة التي انقذت البلاد من أزمة بشرية مؤكدة قياسا إلى ما عرفته وما تزال تعرفه الدول المتقدمة من مجاهدة لأنقاذ مواطنيها، والتي لها من الإمكانيات ما يكفي لمواجهة الأخطار المتعددة مع وجود فارق كبير في النتائج ودرجات التعاطي مراعاة مع الإمكانيات المتوفرة لدى الدول المتقدمة.
ان المستحيل لا وجود له في الواقع ولكن المستحيل هو العقدة المثبتة في عقول البشر التي لا تؤمن بالتغيير والإمكان والعمل والتضحية دون انتظار إذن أو رضى من احد.
ان أمام المغرب فرصة تاريخية للتغلب على العقول المعيقة للانتقال وان الهامش الذي يفصل البلاد عن النمذجة ضيق ويمكن تجاوزه بتثبيت فن القيادة في دواليب الدولة والتأكيد على قانونية الكفاءات والتخصصات في جميع مستويات اتخاذ القرار ، لاسيما وان العالم الافتراضي اصبح اليوم هو الملعب الذي تدار في مباراة كرة التنمية بين المواطنين والدولة ، وأصبح بالإمكان مراقبة الحقوق والواجبات المتقابلة بين الحاكمين والمحكومين في ظل التطور التكنولوجي بتحكيم إعلامي ومدني وثقافي .
وبالنسبة للكيفية المناسبة التي تنتظر التفعيل والتنزيل لتعميم مقاربات معالجة الأزمات والاختلالات والفوارق وحالات التأخر … يمكن القول ان المغرب قد استفاد من درس كورونا في مقابل المغامرة الاقتصادية والتضحيات الاجتماعية، وقد ابانت التجربة بالرغم من استمرار جوانب الأزمة غير المرتبطة بكورونا ، فقد واجهها الشعب المغربي بدرجة كبيرة من الشجاعة ، والانضباط حتى بالنسبة لسكان البوادي القليلة الاحتكاك والتأثر بالوباء بالمقارنة مع المدن.
وبالموازاة مع مقاربة الاحتياطات الوقائية من حجر صحي منزلي واتخاذ وسائل مصاحبة من كمامات وتعقيم ونظافة واحترام المسافة القانونية …فقد عملت الدولة على خلق شبكة معلوماتية وتمكين المرافق والمؤسسات العمومية من مواصلة تقديم الخدمات عن بعد لاسيما قطاع التعليم ، كما تم إعطاء ارقام بنكية لعدد من المواطنين لتسهيل عملية تحويل المساعدات للمنخرطين في نظام الرميد ويمكن تعميم رقمنة المواطنين بجعل لكل مواطن حساب بنكي بصفر درهم حتى يسهل التعامل مع الجميع لعدة أغراض ومنها التصويت الإلكتروني … . اضافة إلى المساعدات التي قدمت بطريقة مباشرة .
ان مفهوم الدولة الرقمية فرض نفسه على المجتمع الدولي ، وبالنسبة للمغرب يمكنه تطوير العمل بنفس المقاربة لمحاربة الأمية والفقر والبطالة وأيضا لتمكين المواطنين من العمل كل حسب مهنته وحرفته وتخصصه وأيضا يمكن استعماله نفس الطريقة وفرض التصويت الإلكتروني وإضفاء الشفافية على منهجية العمل السياسي عن بعد لاسيما الانتخابي .
وتجدر الإشارة إلى ان المواطن أيضا واجب عليه تقدير وترصيد التقدم الحاصل في بنية البلاد ووظائف الدولة، والتعاطي بايجابية مع المكتسبات، بالرغم من وجود مجموعة من الصعوبات، وعليه أن يأخذ في الحسبان انه شريك في عملية التقدم برمتها من خلال الإسهام في الإنتاج الوطني بالعمل كل من موقعه وتخصصه ونوعية عمله، كما انه مسؤول عن تأخر البلاد اذا ما قرر ان يبقى مستهلكا بدون أي انتاج يذكر ويرفض القيام بأي عمل كان، وهذا ما يدعو المجتمع بكل مكوناته لان يستنهض الطاقات المنتجة بمعادلة المنتجين اكثر من المستهلكين وليس العكس كما هو الحال عليه الوضع.
ان العملية السياسية أيضا يمكن ان تعتمد على حسابات جديدة وتخرج من تعقيدات المنظومة الفاسدة وتجاوز الضبابية وحصر الفاعلين السياسيين وتنميط العمل السياسي بتقدير المصلحة الوطنية، وتعزيز الأمل والثقة لدى المواطنين من خلال الاستجابة للمطالب والاهتمام بالفئات الهشة والطبقة المتوسطة، والنهوض بالاقتصاد الاجتماعي واقتصاديات الثقافة، وإخراج برامج حكومية متطابقة مع حاجيات البلاد تراعي الظروف العادية والاستثنائية، بدلا من انتاج تركيبة حكومية تجد صعوبة في جمع أغلبيتها وتعيش طيلة الولاية تعالج الأزمات الداخلية، ويضيع بذلك الزمن التنموي.
ان عصرنة الإدارة وتحديث المقاربات انطلاقا من نفس الإرادة التي واجهت بها السلطات جائحة كورونا، يمكن جعلها مقاربة لتنزيل النموذج التنموي واتخاذ احتياطات مماثلة للتغلب على حالة التذمر التي اصابت فئات عريضة من العاطلين، وتسيء إلى طموحات الافراد.كما ان العرض التنموي المغربي الشامل سواء اعتمد مخططات أو سياسات قطاعية يبقى نجاحه رهين استنهاض الإرادة العامة للدولة وتقوية العمل الوطني، وكأن الأمر يحتاج إلى دولتين الأولى تعمل والثانية تحارب الاعطاب والفساد ، أما الجمع والخلط بين هذه الوظائف بيد الحكومة، فهذا يعيق الإصلاح والتنمية مع.
ان المغرب بمجهوداته الاحترازية الكبيرة استطاع مقاومة الجائحة ، بارادة ملكية وحكومية وشعبية وجدت قوتها في جمع الكلمة والتكافل والتضامن وجدية التنفيذ لقانون الطوارئ الصحية ، و رغم الضوضاء المتربص به في فلك العلاقات الدولية، ما يزال أمامه تحدي التغلب على أزمة النمذجة والتقنين لجميع القطاعات وتنشيط الحياة التنموية وفق رؤية وطنية محكمة وتمتد دوليا بحسب الاستراتيجية التي يروم المغرب إلى الاشتغال على ضوءها.
بقلم الدكتور أحمد الدرداري أستاذ القانون بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان
التعليقات مغلقة.