مقال تحليلي: “أخنوش ينتحر سياسيا” من قال لك إن المستثمرين يثقون فيك؟ إنها المملكة لا أنت!
جريدة أصوات
أصوات من الرباط
في لحظةٍ من الاندفاع السياسي غير المحسوب، ألقى رئيس الحكومة عزيز أخنوش أمس الإثنين (7 يونيو 2025)، بقبة البرلمان بكلمة يُراد لها أن تكون رسالة ثقة موجهة إلى المستثمرين، لكنها تحولت إلى اعتراف قاتل، جرّده – دون أن يشعر – من شرعية الرمزية التي تحكم الدولة المغربية، وعرّته أمام الرأي العام كـ”سياسي هاوٍ” لم يستوعب بعد منطق الدولة ولا عمق الملكية في المغرب.
التصريح الذي أثار جدلاً واسعًا وكشف عن غياب خطير للوعي السياسي، وضع رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، في ضوع لا يحسد عليه ليُدلي بتصريح مفاده أن “المستثمرين لن يثقوا إذا لم يكن أخنوش موجودًا”. هذه القفزة الكلامية غير المحسوبة لم تكشف فقط عن تضخم هائل في الأنا لدى رجل الأعمال الذي يبدو وكأن الدولة امتداد لمجموعاته التجارية، بل فضحت جهلاً فاضحًا بطبيعة النظام السياسي المغربي المتجذر في البيعة والملكية.
لقد نسي أخنوش – أو تجاهل – أن الثقة في المغرب، داخليا وخارجيا، ترتكز على الملكية و على جلالة الملك محمد السادس والمؤسسات الراسخة و عهد البيعة بين العرش و الشعب، لا على حكومات عابرة تُسقطها صناديق الاقتراع وتغيرها إرادة الناخبين. فمن يتابع المشهد السياسي يعلم أن رؤساء الحكومات يأتون ويرحلون، تمامًا كما مرّ العثماني وبنكيران والفاسي من قبله، وستبقى المملكة صامدة بثوابتها.
المغرب مملكة لا شركة مساهمة!
إن المستثمرين، وبخاصة الأجانب منهم، لم يأتوا إلى المغرب لأن عزيز أخنوش يتولى رئاسة الحكومة. لقد أتوا لأن المغرب مملكة مستقرة، ذات رؤية استراتيجية واضحة يقودها جلالة الملك، بسياسات ممتدة عبر الزمن لا تتأثر بتبدل الحكومات. من “الجهوية المتقدمة” إلى “النموذج التنموي الجديد”، ومن “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” إلى الاستراتيجية الإفريقية، كلها مشاريع تحمل توقيع الملك لا توقيع أي رئيس حكومة.
مجرد أن يقول أخنوش إن وجوده هو الضامن للثقة يُفهم منه، وبكل وضوح، أن “الدولة” في نظره مجرد غلاف قانوني لـ”استثماراته الخاصة”، وأنه يرى نفسه رأسًا للثقة وامتدادًا لميولاته. وهذا هو مكمن الخطورة، لأن المغرب ليس شركة مساهمة، ولا حكومة ظل يديرها “الباطرون الكبير”، بل دولة لها رمزية ملكية ضاربة في التاريخ، وهي الضامن للاستقرار والثقة المؤسساتية.
تصريحات أخنوش التي جاءت بلهجة تحمل تذمرًا واضحًا من “شيطنة” حزب “المصباح” لمجتمع الأعمال، وقوله: “إيلا بقيتو مقابليني هذا راه قريب وهذا عندو علاقة، راه أغلب المقاولين كنعرفهم، ومغادي يخدم حتى واحد فهاذ البلاد بهاذ السياسة ديالكم”، تظهر مدى ابتعاده عن منطق الدولة وتشبثه بمنطق السوق. بل ذهب أبعد من ذلك ليؤكد أن “الإستثمار ماعمرو كان عيب، الإستثمار خاصك تكون راجل ومولاي باش تديرو”، مشيرًا إلى أن الدستور المغربي نص على حرية المبادرة، مردفًا أن أي مواطن يريد أن يستثمر ويدفع بعجلة التنمية إلى الأمام، فمرحبًا به، “إكون خوكم ولا ولد عمك ولا خالتكم، مرحبا بهم”، الأهم أن الأمور تتم بشفافية واحترام المساطر القانونية. هذه اللغة هي ما يؤكد أنه سياسي هاوٍ بلغة رجال الصفقات وتضارب المصالح، يرى في منصب رئاسة الحكومة غنيمة لا مسؤولية تاريخية.
ضربة قاصمة لصورة الدولة في الخارج
بهذا التصريح، لم يُهن أخنوش نفسه فحسب، بل وجه ضربة مؤلمة لصورة المغرب في الخارج، حين ربط ثقة المستثمرين بحضوره الشخصي، لا بقوة مؤسسات البلاد. فهو بذلك يبعث برسالة خطيرة إلى العالم: أن الاستثمار في المغرب رهين بالوجوه لا بالقوانين و ثقة المؤسسات و الإستقرار الذي تضمنه الملكية، وبالصدفة السياسية لا بالمنظومة المؤسساتية. فهل هذا هو المناخ الذي نبنيه؟ وهل هذه هي الرسالة التي تستحقها المملكة المغربية؟
إن ما قاله أخنوش هو، من حيث لا يدري، تشكيك ضمني في قدرات الدولة على الاستمرار دونه، وكأنه يتخيل أن الاقتصاد الوطني يمكن أن يتوقف بمجرد مغادرته. هذه مفارقة تفضح الأنانية السياسية وعقلية التحكم التي تطغى على سلوكه. وإن كان المستثمر “يأتي لأخنوش”، كما قال، فهل سيغادر البلاد عند أول تعديل حكومي؟ هل سيعيد حساباته بمجرد ما يتم تغييره؟ هذا هو المنطق الذي يُحول الدولة إلى لعبة في يد السياسيين، بدل أن تبقى محصنة خلف شرعية لا تتغير بتغير الوجوه: شرعية الملكية.
مغرب الملك لا مغرب الباطرونات
المغرب ليس محتاجًا إلى رجال أعمال يُسوّقون أنفسهم كمنقذين. الملك محمد السادس، عبر خطبه ومبادراته، هو من جلب للمملكة الاحترام في المحافل الدولية، وهو من وضع خارطة طريق واضحة للاستثمار والإصلاح والعدالة الاجتماعية. أما أخنوش، فهو رئيس حكومة ببطارية مؤقتة، يخطئ حين يظن أن اسمه هو الضمانة، بينما الضمانة الوحيدة اسمها “المملكة المغربية”.
لقد اختار أخنوش أن ينتحر سياسيًا بكلمة واحدة، تكشف هشاشة وعيه السياسي، وتُسقط عنه ما تبقى من وهم القيادة. فبدلاً من أن يقدم نفسه كخادم للمؤسسات وناطق باسم الدولة، ظهر كمن يحتكرها، ويُقنع نفسه بأن المستثمرين جاؤوا لشخصه، لا لمكانة المغرب.
في الختام، يجب أن نؤكد أن المستثمرين لا يثقون في أخنوش، بل يثقون في المغرب، في استقراره، في ملكه، وفي مؤسساته. أنت يا أخنوش مجرد عابر في حكومة، مرّ قبلك من مرّ، وسيأتي بعدك من يأتي. أما المملكة، فباقية برمزها، لا بأخطائك.
التعليقات مغلقة.