أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

من المسؤول عن الفظائع المروعة والمذابح المزعومة في “بوتشا”؟؟

مراكش: السعيد الزوزي

إن الأدلة المروعة عن “الفظائع” التي ارتكبتها القوات الروسية أثناء انسحابها من وسط أوكرانيا، وعلى الرغم من نفي موسكو وادعاءها  التلفيق لا قيمة لها، فلا يمكن وصف المذابح المزعومة في “بوتشا” وأماكن أخرى بأنها حرب غير انضباطية بعد شهر من التدمير المستهدف للمنازل والمستشفيات والمدارس، يشيرون إلى حملة إرهاب ممنهجة ضد مجموعة سكانية بأكملها، يتذكرون أسوأ فساد بعد الحرب العالمية الثانية.

يتحول الصراع في اوكرانيا من احتلال روسي شامل، إلى استغلال استراتيجي للانفصاليين في “دونباس” لتعزيز موقف روسيا على البحر الأسود، لقد أصبح تصعيدا لحرب انفصالية بدأت سنة 2014، ومنذ ذلك الحين، ابتعد “الناتو” والعالم الغربي إلى حد كبير، وربما كان على حق.

 

ولكن كيف يجب أن يتفاعل العالم الخارجي مع الوحي الجديد؟ تميل معاناة الشعوب في النزاعات البعيدة عن أوروبا إلى التلاشي مقابل المعاناة “على عتبة بابنا”، عند عرضها ليلا على شاشات التلفزيون، فقد دفع التدخل الغربي في أفغانستان على مدى عقدين من الزمن ملايين الافغان إلى مواجهة المجاعة، إلى حد كبير من خلال العقوبات الغربية، من معاناتهم الأخبار صامتة، هذا لا يجعل معاناة أوكرانيا أقل واقعية.

 

شكل رئيس البلاد ، “فولوديمير زيلينسكي”، هذا الاسبوع، تحقيقا لجمع الأدلة على جرائم الحرب الروسية، وقد تشمل هذه الانتهاكات اتفاقيات “جنيڤ” بشأن سير الحرب وأعمال الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وكما أشار المحامي الدولي “فيليب ساندز” ، فإن “القضية الحقيقية التي سيواجهها المدعون العامون” فيما يتعلق بهذه الجرائم هي ما إذا كان بامكانهم “تتبع المسؤولية حتى القيادة”، وهذا يتطلب تحديد المسؤولية عن سلوك الخطوط الأمامية على سلطة أعلى.

في أوكرانيا، قد يتطلب الأمر دليلا على أن “فلاديمير بوتين” أمر بارتكاب الفظائع، او سمح بها عن عمد، دفاعه المحتمل – لايمكن ان يكون مسؤولا عن ضباب الحرب او اهوال المعركة – يجب دحضه.

أول لائحة اتهام ضد رئيس دولة ما زال أمام محكمة دولية كان “سلوبودان ميلوسوفيتش” من يوغوسلافيا في عام 1999، ووجهت إليه تهم ناشئة عن سبع مذابح، استمرت محاكمته الشاقة لمدة ست سنوات حتى توفي عام 2006، غير محكوم عليه، في السجن.بحلول ذلك الوقت، كانت يوغوسلافيا قد تقدمت وفقدت المحاكمة اثرها الانتقامي أو الرادع. يوضح هذا صعوبة “زيلينسكي”، لكن لاينبغي أن يثنيه عن المضي قدما، تحتاج قسوة الحرب إلى دعاية مستمرة و على الغرب أن يقدم كل مساعدة.

 

طريق قضائي آخر اقترحه ” ساندز ” واخرون هو محكمة في جريمة العدوان على وجه الخصوص، الحجة هنا هي أن جميع تصرفات الجنود ناتجة عن قرارات يتخذها قادتهم، بما في ذلك العدوان غير المبرر ضد دولة أجنبية.لم يستطيع “بوتين” التملص من هذا الخطاف، يمكن لجنرالاته، حتى وزير دفاعه الذي يبدو انه اختفى، “سيرجي شويغو” ، أن يجادلوا بأنهم لم يطيعوا أوامر سوى أوامره.

 

سواء في محاكمات ” نورمبرغ” أو عند التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة، كافح العمل الدولي لحظر الهجمات على دولة ذات سيادة من قبل دولة أخرى، إنها تركز المسؤولية عند نقطة السلطة، سواء كانت ديمقراطية أم استبدادية، إنها تسعى إلى تطبيق القانون الدولي والاخلاق في خدمة السلام،القانون أفضل من الحرب.

 

في حين أن هذا النهج جذاب بشكل سطحي، إلا أنه سيواجه عقبات غير مريحة، من المحتمل ان يتطلب الأمر مبادرة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي قد تستخدم حق النقض (الفيتو) من قبل روسيا و ربما الصين.والاهم من ذلك، أن العديد من أعضاء الأمم المتحدة بالكاد يمتلكون ايديا نظيفة في التعامل مع العدوان.

 

كانت التدخلات الغربية في يوغوسلافيا في عام 1999 والعراق في عام 2003 ذات شرعية مشكوك فيها، مثل التدخلات الأخرى حول العالم من قبل الناتو أو أعضائه، مهما كانت النوايا نبيلة.

 

في غضون ذلك،كان القادة الغربيين يحدقون في صور ” بوتشا” ويتفقون بشكل انعكاسي على أنه يجب القيام بشيء ما، والشيء الوحيد الذي يمكنهم التفكير فيه هو ” عقوبات أشد صرامة “، على الرغم من كونها الاكثر وحشية التي فرضت على اقتصاد بحجم مماثل، إلا أنها فشلت بشكل واضح في التأثير على تصميم ” بوتين”.

 

تشير استطلاعات الرأي غير الموثوق بها إلى وجود معارضة محلية قليلة له، سواء بين الشعب الروسي او النخبة في موسكو.وشهد الشعور بالحصار والنبذ الثقافي كلا المجموعتين تتحصن في خندق وطني، قرارات “بوتين” تحكمها المعارك لا العقوبات، الدبابات لا البنوك، إذا كان الغرب يريد مساعدة أوكرانيا فعليه أن يفعل ذلك بالوكالة، بإرسال الأسلحة.

 

يقدم التاريخ أدلة قليلة على أن القرارات المتخذة في خضم الحرب يحكمها الاقتصاد،على سبيل المثال، ان سحب الولايات المتحدة الأمريكية للدعم المالي من بريطانيا فيما يتعلق “بالسويس” في عام 1956 هو أحد الأمثلة القليلة على أن لها أي تأثير على السياسة.

 

الكثير من العقوبات “تؤذي” – عادة ما تكون فقيرة – ولكن لا يمكن إثبات أن أيا منها تقريباً له أدنى تأثير على سلوك الدولة الضحية للنزاع،اما فيما يتعلق بدفع اسعار الغاز والنفط و الحبوب في أوروبا إلى السقف، فقد تجعل العقوبات الغرباء ” يشعرون بألم أوكرانيا”.لن يخففوا من ذلك، اكثر من مجرد صدمة الاقتصاد السياسي في أوروبا لسنوات قادمة سوف يساعد على التعافي بعد الحرب.

 

يجب ألا نتجاهل السلاح الأبدي، محكمة الرأي العالمي،صور ” بوتشا” شوهدت في الشوارع ليس فقط في أوروبا والولايات المتحدة ولكن في جميع أنحاء العالم، لقد تضررت سمعة روسيا بشدة، ستأتي نقطة عندما تخترق صرخات العالم الغاضب حتى آلة الدعاية الكاذبة في موسكو وتضع الأمور في نصابها الصحيح، اما بالنسبة “لبوتين”، فقد أكد لنفسه فقط أنه منبوذ مدى الحياة ،لن يرسو يخته في ميناء غربي ابدأ.                                  

التعليقات مغلقة.