خلفت مدونة الصحافة والنشر المطعون في شرعيتها من قبل المهنيين ما يشجع على الحلم بالأفضل والأرقى في المجال القانوني .. خصوصا، بعد أن نص دستور 2011، المدخل لذلك بإنشاء المجلس الوطني للصحافة والإعلام، الذي سيكون معنيا بتنظيم المشهد الصحفي والإعلامي، والفصل في قضايا الفاعلين المهنيين، والمساهمة في الرفع من مستوى التأهيل والتكوين لهم على اختلاف تخصصاتهم المهنية في مجال الصحافة والإعلام، وهو المجلس الذي تقع على عاتقه مسؤولية المنظومة القانونية التي تتلاءم واختصاصاته، سواء بالنسبة للترخيص أو الفصل في القضايا والنزاعات أو في مجالات التنظيم والتقنين والتأطير.
ليكن الحلم حقيقة واقعية، قابلة للتحقق في المشهد الصحفي والإعلامي من كافة الفاعلين، دون قيد أو شرط عبر مساهمتهم الفعلية في مراجعة مدونة الصحافة والنشر الكارثية المطروحة عليهم اليوم عبر المساهمة التشاركية لمنظماتهم النقابية والجمعوية الفاعلة والوازنة .. وخصوصا، القانون رقم 88/13، المثير للجدل، والذي يطالب الفاعلين بملاءمة أوضاعهم مع واقع المقاولة الاستثمارية، كما حدد بنيتها وهيكلتها والشروط التي يجب أن تمارس بها في المجال الصحفي والإعلامي الوطني، على غرار جميع دول العالم، التي اعترفت بالقيم المضافة لإعلامها وصحافتها في صناعة الرأي العام الوطني، وتمكين المواطنين من الوعي بحقوقهم و واجباتهم، وفضح كل السلوكات الفردية والجماعية التي تضر بأمنهم واستقرارهم وتطورهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
لن نختلف مع الذين استنكروا الخرجات المدعمة للمنظومة الكارثية في بياناتهم، والذين يهاجمون انتفاضة الفاعلين ضد هذه المدونة .. فنحن في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، واعون بحجم وخطورة المؤامرة، ولن نساوم أو نزكي من يروجون لمحاسن هذه القوانين المطعون في شرعيتها .. وليدرك أصحاب هذه المواقف المدعمة والمروجة للمنظومة، أن منتوج اللجنة العلمية التي صاغت المنظومة لا يرقى إلى أبسط تطلعات عموم الفاعلين في الحرية والتطور والتنوع.
نحن نعرف أن المروجين لمحاسن المدونة الجديدة يدافعون عن أولياء النعمة، وليس عن العقلنة والعصرنة والتقنين التأهيلي لمشهدنا الصحفي والإعلامي، وأن خوفهم من الانفلات الإعلامي والصحفي هو الذي يوجه مواقفهم المأجورة من جهة .. وبالتالي، فإنه لا أحد يرفض أن تصبح جريدته الورقية أو صحيفته الإلكترونية مقاولة استثمارية مجهولة الاسم، أو ذات طابع شخصي اعتباري، وهذا يتوقف على امتلاكها للرأسمال، والحق في الإشهار والقروض، والدعم الذي يوزع اليوم بطريقة غير ديمقراطية على الأقلية، وتحرم منه الأغلبية الساحقة، وعقلنة وتنظيم المقاولة الصحفية والإعلامية وفق آخر تطوراتها التقنية المعاصرة، كما هي عليه في الغرب كأرقى نموذج مهني.
إن قانون 88/13، لا يتحدث عن المقاولة الصحفية والإعلامية المغربية بمواصفاتها الراهنة، بل على النموذج الذي توجد عليه المقاولات “الديناصورية” و “القرشية” المهيمنة على الرواج الصحفي والإعلامي الوطني، بالرغم من تخلفها المهني والمنهجي الذي ارتفعت نسبة تراجعه في السوق الاستهلاكية، الذي أصبحت المقاهي آخر ملاذاته القارة، وهذه الصحف التي دخل بعضها للبورصة وينافس بعضها مقاولات القطاع.
إن جملة مواد وأبواب وأقسام وفصول القانون رقم 88/13، فصلت لتصميم المقاولة الاستثمارية التي يتجاوز الواقع الفعلي للمؤسسة الصحفية والإعلامية المرخصة بظهير الحريات العامة لسنة 1958، والتي لا تتحمل العقوبات المالية التي فرضت عليها من مواد هذا القانون المجحف، والذي لا يساعد في تطبيقاته على استقلال المقاولة وقدرتها على التنافس، وعلى تجويد منتوجها الصحفي والإعلامي في مجتمع لا زالت نسبة الأمية فيه مرتفعة، و لا تزال فيه القوة الشرائية للسواد الأعظم دون الأسعار التي يمكن أن تعتمد عليها المقاولات الصحفية والإعلامية في تعاملها مع السوق المستهلكة.
التعليقات مغلقة.